حذامى عبد العزيز المطوع، نموذج ثري للمرأة الكويتية في ميدان العمل الإنساني، يشهد لها بذلك مبادراتها التي أطلقتها بعمر مبكر وهي لا تزال فتاة في بداية العشرينات، تأثراً بنشأتها في منزل حرص فيه والداها على مساعدة الآخرين، فكان تطبيقها لذلك عملياً على أرض الواقع بتبني مشاريع خيرية إنسانية كمشروع الباص الخيري الذي كان من ثماره تحويل الأسر المحتاجة إلى منتجة والتحاق أبناء تلك الأسر بسلك التعليم ومن جهة أخرى تعزيز قيم الإنسانية والمسئولية الاجتماعية لفريقها من المتطوعين الشباب.
بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني 2024، سيدتي رصدت جانباً من أبرز المشاريع والقصص والمواقف خلال مسيرة حذامى عبدالعزيز المطوع الممتدة لسنوات طويلة في العمل الخيري والإنساني .
حذامى عبد العزيز المطوع
بفطرتها الإنسانية السليمة ونشأتها في منزل داعم لفعل الخير، بدأ شغف حذامي عبد العزيز المطوع المولودة في الكويت عام 1956 م في مجال عمل الخير والمساعدات الإنسانية، وذلك رغم مسؤولياتها المتعددة كونها معلمة لمادة الحاسوب وزارة التعليم، بالإضافة إلى دورها كأم لثمانية أبناء وحاجتهم للرعاية والاهتمام وتهيأت لها الظروف لتنمية هذه الفطرة، بدعم من الأهل والأصدقاء وبتشجيع من الدولة على مبادرات عمل الخير.
فلا يزال وكما أكدت في تصريحها الخاص لسيدتي: راسخاً في ذاكرتها صور إنفاق والديها على المحتاجين المتواجدين في الشوارع سواء كانوا على معرفة سابقة بهم أم لا. كما لازالت تذكر موقفاً لشقيقتها الكبرى إبان حرب 67 وإسهاماتها مع أكثر من 20 سيدة في تفصيل وخياطة اللباس العسكري للجنود ومهمة إرساله لهم. وكما كانت حذامى تقوم وبتكليف من شقيقتها الكبرى بمهمة جمع الأموال في صناديق صغيرة من بيوت الحي برفقة مجموعة من الأطفال بواسطة صناديق، وكانت وكما تقول: تشعر بسعادة لا توصف عند الإنجاز واستجابة الأهالي وملء الصندوق بالأموال.
بداية الشغف
أما الموقف الذي تعتقد حذامى المطوع أنه حرك مشاعرها وكان البداية الفعلية لها في المجال الإنساني فتقول عنه: بحكم أننا تربينا على الخير والعطف على المحتاجين منذ الصغر أذكر أنني عندما كنت بعمر 21 طرقت بابي طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها تقريباً، تبدو هزيلة وشاحبة ومن الواضح عليها علامات المرض، والتي تبين لاحقاً أنها مصابة بمرض القلب، لم تكن الفتاة بمفردها بل كانت بصحبة أختها وأخيها، عندما سألتها عن حاجتها أخبرتني أنها تطلب المساعدة والطعام لأخوتها الـ13 الجوعى ووالدتهم المريضة، فطلبت منها زيارة منزلهم وفعلياً توجهت مع هؤلاء الأطفال لمنزلهم، الذي كان يخلو من الطعام والأثاث وقدمت لهم المساعدات المادية والعينية التي كانت مصدر سعادة لهم، بالإضافة لإرسال عمال لإجراء بعض الإصلاحات في المنزل، ولاحظت أيضاً أن الأبناء جميعا لم يلتحقوا بالتعليم وأن الأم والأب أيضاً أميين ونظير انشغالهم بتوفير السكن والمعيشة كان تضحيتهم بتعليم أبنائهم. فكان ذلك أيضاً من محاور اهتمامي بتلك الأسرة، ومع مرور الأيام والسنوات كثرت المساعدات والأسرة المتعففة التي تنضم للقائمة، ودون أي تخطيط وجدت نفسي في مجال الأعمال الخيرية والإنسانية، ثم كان التحاقي بجمعية إطعام وكان تركيزي على الخدمة في لجنة الزكاة واستمريت في مجال مساعدة الأسر وخدمتهم ورفع مستواهم.
مشروع باص الخير
رئيس مبادرة باص الخير: هو مشروع شبابي إنساني بدأ عام 2008 لدعم الأسر المتعففة بدأت الفكرة عن رغبة في إشراك الشباب في أعمال الخير وزرع الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والاستفادة من أوقات الفراغ المهدرة، ومن جهة أخرى حتى يستشعر الشباب ما هم فيه من نعمة وترف فنحن شعب مترف ولله الحمد ولدينا من الخير والنعمة في بلادنا ما يكفل أن نساعد به المحتاجين، كما أن ديننا دين الأخوة والرحمة فأردت تعزيز تلك القيم الدينية للعطاء والتكافل الاجتماعي.
وانطلق المشروع على نطاق عائلي بشباب وشابات من العائلة والأصدقاء وتم إعداد قوائم بالأسر المتعففة وأماكن اقامتها والتعريف بالوضع المادي لكل أسرة واحتياجاتها، وكان مطلوباً من الشباب المساعدة بما تجود به أنفسهم من ملابس وأغذية وألعاب وغيره
وفي اليوم المحدد بدأت رحلة الباص التي أطلقنا عليه اسم باص الخير، وسمينا هذه الرحلة برحلة لطائف، وكانت رحلة جميلة فيها الكثير من المرح والألفة وتم خلالها زيارة 3 أسر متعففة، لايمكن بأي حال من الأحوال وصف فرحة تلك الأسر بما أحضره الشباب من الملابس الجديدة والألعاب وبما لذ وطاب من اللحوم والخضروات والفواكه وانعكست تلك السعادة على بناتي وأصدقائهم جمعيهم، وأخبروني جميعهم أنها أحلى رحلة وأحلى إنجاز، واستمرت رحلة الباص في التجول داخل الكويت أسبوعيا بمعدل 3 أسر في كل أسبوع.
ثمار مشروع الباص الخيري
وتتابع حذامى: أيضاً من ثمار مشروع الباص الخيري، تحويل هذه الأسر المستهلكة إلى أسر منتجة تعتمد على نفسها ولا تعتمد فقط على المساعدات، التي كانت مصادرها محدودة لهذا الفريق الصغير المكون من بناتنا وسيدات المجتمع، وفئات أخرى من أطباء وطلاب. وكما أن المشروع يقدم المساعدة للأمهات على الإنتاج كتوفير أجهزة خياطة أو أجهزة للطبخ للتحول أسر منتجة، ونجحت الكثيرات من تأسيس مشاريع وعمل حسابات للبيع في مواقع التواصل الاجتماعي. وكما سعى المشروع أيضا في إلحاق الآباء بمهن ومجالات عمل مختلفة تحقق الاكتفاء المادي للأسرة، كما حرصنا على التعليم بشكل كبير جداً في الأسر؛ لأنه متى ما تعلم سيساهم في مساعدة نفسه وانتشال أهله من الفقر والحاجة ولله الحمد نجحنا في تعليم الطلبة قدر المستطاع بمساعدة الأهالي والدولة ووصلت اخر إحصائية إلى 500 طالب إشراف وتدريس.
وقضينا بذلك على بطالة الشباب وتواجدهم خارج البيت وما ينتج من ذلك من مخاطر العنف والمخدرات والجرائم، وما يدعونا للفخر أن من بين الطلبة الذين تم دعمهم في مشروع باص الخير الآن أطباء وأصحاب مراكز ولهم إسهاماتهم في تنمية المجتمع.
والحقيقة أن والدي كان قدوة لي في الاهتمام بالتعليم ودوره في نهضة المجتمع والقضاء على العنف والجرائم من خلال مشروعه الذي أقامه في قرية في مصر على أرض مساحتها 7000 متر بنى عليها معهد ومدرسة وحضانة والتحق به أبناء القرية وكان كفيلا بالقضاء على البطالة والعنف.
وتضيف حزامى: من أكبر ثمار مشروع الباص الذي شعرت بأهميته، هو أن أبناءنا شعروا بقيمة النعم التي يعيشون فيها نعمة الأسرة والسكن والصحة والأمان فهذه النعم التي قد يكونون غافلين عنها، تجددت بعد رؤية ضيق العيش وحرمان أطفال من الالتحاق بالمدارس، وهكذا أسعدنا بهذا الباص الغني والفقير، بسعادة داخلية نفسية.
ومع توسع مشروع الباص الخيري ومد سبل التعاون مع فرق ولجان ومدارس وحكومة الكويت وتحديداً في عام 2016 حصل فريقنا على الترخيص الرسمي تحت مظلة وزارة الشؤون ولله الحمد كان أهم مشروع لنا.
مشروع إطعام الطعام
قاد مشروع باص الخير السيدة حذامى المطوع لتبني مشاريع أخرى من ذلك مشروع "إطعام الطعام" وعن تفاصيل هذا المشروع أوضحت حذامى: مشروع إطعام الطعام هو مشروع مهم وضروري في بلدنا الكويت وفي كل دول الخليج بشكل خاص والدول العربية والإسلامية بل والعالم أجمع ،هذا المشروع الثاني الذي أتمنى أن يرخص أيضاً كما رخص مشروع باص الخير، بدأ بمجهود صغير وإحساس نابع من المسؤولية فكم من المحزن رؤية الإسراف في الطعام في الولائم والحفلات والفنادق والتخلص منها برميها في سلة النفايات، في الوقت الذي يعاني فيه أشخاص آخرون لا يجدون لقمة لسد رمق الجوع .
وتتابع حذامي: بدأ المشروع على نطاق صغير بمساعدة سائقي الخاص الذي كنت أرسله لأهلي وأقاربي لأخذ الفائض من الطعام المعد للعزائم والولائم، وكنت أقوم بتوزيعها على الأسر الفقيرة والمحتاجة وكنت أشعر فعلياً أنها من أهم المشاريع الكبرى وتأثيرها اللامحدود على نفسي وعلى عائلتي وعلى بساطته أعدها من أهم المشاريع التي كان لها نتائج كبيرة كنا نلمسها بشكل مباشر من الأسر، لذا لاغرو أن يكون إطعام الطعام من أكثر ما حث عليه ديننا الإسلامي ووعد بالأجر والمثوبة والوقاية من النار ولو بشي بسيط متمثلا "بشق تمرة "، وفي المقابل منع الطعام وحبسها يتوجب عليه الإثم العظيم، وشخصياً أجد من آثار إطعام الطعام سعادة لا توصف وراحة وشفاء لمرضاي ونجاة من المصائب والحوادث وتذليل للعقبات.
وتختتم حذامى رحلتها الإنسانية الممتعة بتوجيه رسالة: نحن نعيش في نعمة لا تعد ولا تحصى وحكوماتنا تدعم التطوع، وديننا يحثنا على العمل الصالح ، لذلك تفقد أهلنا المحتاجين واجب ومساعدتهم على التعلم والانتاجية سنكسب جيلاً نرتقي به ويعود علينا وعلى أوطاننا بالخير والبركة.
لقرأءة المزيد من القصص لملهمات في مجال العمل الإنساني : في اليوم العالمي للعمل الإنساني نساء العطاء خارج الأوطان