المهندسة المدنية المغربية عزيزة الشاوني: مشروعي الفائز من الطوب ومضاد للزلازل

المهندسة المدنية المغربية  عزيزة الشاوني
المهندسة المدنية المغربية عزيزة الشاوني

في بيئةٍ فريدةٍ من نوعها، في مدينة فاس تحديداً، إحدى أكبر المدنِ المدرجة على لائحة التراثِ العالمي للـ «يونسكو»، وُلِدت ونشأت عزيزة الشاوني، بينما تلقَّت تدريبها مهندسةً مدنيَّةً بجامعةِ كولومبيا في نيويورك، ومعماريَّةً في كليَّة الدراساتِ العليا للتصميم بجامعةِ هارفرد. تعدُّ أوَّلَ مغربيَّةٍ تتخرَّج في الدراساتِ العليا للتصميم بهارفرد، لتصبحَ فيما بعد زميلةَ آغا خان في الكليَّة، وأستاذةً مشارِكةً للهندسةِ المعماريَّة في جامعةِ تورنتو. ما تقدَّم أسهم في فوزها بجائزة معهدِ العالمِ العربي للتصميم عامَ 2024 عن نموذجها الأوَّلي لـ «منزلٍ مستدامٍ مضادٍ للزلازل»، وأهدت الجائزةَ لكلِّ ضحايا زلزال 8 سبتمبر 2023. عزيزة الشاوني لها قصَّةٌ ترويها لـ «سيدتي».

إعداد: لينا الحوراني

عزيزة الشاوني


افتتحت عزيزة الشاوني مكتبَ Aziza Chaouni Projects عامَ 2011 بفاس في المغرب، وتورنتو في كندا بـ «دعمٍ لا يُصدَّق» من والدها ووالدتها، كما تصف، شملَ أيضاً كلَّ مسيرتها الأكاديميَّة. وهي الآن أمٌّ، وزوجةٌ، ومع ذلك، ما زالت تتلقَّى المساندةَ من أهلها، وزوجها، خاصَّةً حينما تسافر حول العالمِ للعملِ في مشروعاتٍ بحثيَّةٍ، ومعماريَّةٍ مختلفةٍ. تقولُ ضيفتنا: «نشأتُ وأنا أزورُ كلَّ أسبوعٍ تقريباً موقعَ بناءٍ، كان والدي يُشرف عليه في فاس، وفي جبالِ الأطلس. كان والدي، رحمه الله، يعملُ في القطاعِ الزراعي، وقد بنى عديداً من المرافق، وكنت أرافقه لزيارةِ المواقع، واللعبِ بالرمال المخصَّصة لصنعِ الأسمنت، وكتلِ الخرسانة. أتذكَّر كذلك بوضوحٍ الوقتَ الذي كان فيه جدي يبني مسجداً لقريةٍ جبليَّةٍ صغيرةٍ، إيموزار. أخبرني أنه لا يبني المسجدَ لمجتمعه فقط، بل ويبني أيضاً منزله في الجنَّة. لا تزالُ هذه الجملةُ عالقةً في ذهني حتى اليوم، وأعتقد أنه زرعَ بي بذورَ التصميمِ المجتمعي، والتطوُّع، رحمه الله». وتحدَّثت عزيزة أيضاً عن عمَّتها منية، وكانت مهندسةً معماريَّةً، عشقت رسوماتها اليدويَّة وأفكارها التي كانت تتشكَّل، وتصبح مساحاتٍ واقعيَّةً، ساعدتها في ابتكارِ فكرتها.

صديقتي أمل

منزلٍ مستدامٍ مقاومٍ للزلازل


ثمَّنت المهندسةُ الشابَّة عزيزة الشاوني جهودَ الفريقِ الذي عملت معه، إذ أكملت أخيراً مشروعاً مع أمل العبدي العلوي، وهي مهندسةٌ وخبيرةٌ بعلمِ الموادِّ في شركةِ لافارج هولسيم المغرب، حيث أنتجتا 30 ألفَ طوبةٍ ترابيَّةٍ لواجهةِ مبنى مكوَّنٍ من ثلاثةِ طوابقَ في مكناس، كاشفةً عن حدثٍ مؤثِّرٍ، وقعَ لصديقتها آمال في 8 سبتمبر 2023 حينما كانت تتجوَّل في جبالِ الأطلس حيث ضرب المنطقةَ زلزالٌ، فلم يصلهم أي أخبارٍ عنها لمدة 48 ساعةً. تقولُ عن هذه الذكرى القاسية: «كنا قلقين للغاية، وبفضلِ الله، نجت آمال، لكنَّها تأثَّرت بشدَّةٍ بالمأساةِ التي شهدتها بنفسها. لقد رأت عديداً من حالاتِ الوفاة، وأسراً محطَّمةً بسببِ ما أصابها، وقرى بأكملها اختفت تماماً، وقرويين ليس لديهم أي شيءٍ من مقوِّماتِ الحياة، وأطفالاً وشباباً في حالةِ صدمةٍ كبيرةٍ. بعد أسبوعَين، ذهبتُ إلى موقعِ الزلزال، وزرتُ قرى عدة. صدقاً، تأثَّرت كثيراً عند مقابلةِ الناجين وعائلاتهم. وأشير هنا إلى أن الحكومة المغربيَّة، وملكنا الحبيب محمد السادس، قاموا بعملٍ مذهلٍ لتقديمِ الإغاثةِ الفوريَّة للمتضرِّرين، ومن جهتي قرَّرتُ وصديقتي أمل، وأصدقائي المهندسين أمين معاشي، وسفيان الخزولي، وزهير فرح، أن نتعاون للوصولِ إلى حلٍّ طويلِ الأمد بتقديمِ منزلٍ مستدامٍ مقاومٍ للزلازل، يمكن بناؤه بسرعةٍ، وبتكلفةٍ زهيدةٍ، وباستخدامِ موادَّ محليَّةٍ، ويتألَّف من ثلاثِ ساحاتٍ، ويتوافقُ مع نمطِ الحياة المحلي، وقد صمَّمناه مع الناجين، الأطفال والشباب والنساء والرجال، ليتناسبَ مع حاجيَّاتهم».
 

معالجة المياه الرماديّة بالحصى

يقع هذا المنزلُ في قريةِ تلات نياكوب، التي دمَّرها الزلزالُ بالكامل، ويتكوَّن من طوبٍ ترابي مضغوطٍ متشابكٍ للجدران، وطوبٍ ترابي مضغوطٍ مقوَّسٍ للأسقف، وطوبٍ ترابي مضغوطٍ عادي للأرضيَّة. الطوبُ، حسبَ الشاوني، مصنوعٌ من 95% من الطين، و5% من الأسمنت (خليط دورابريك)، ويحتوي المنزلُ على ثلاثِ ساحاتٍ، واحدةٌ للطهي، وأخرى لاستقبالِ الضيوف، وثالثةٌ للخدماتِ مثل الدجاجِ، والغسيلِ، وما إلى ذلك، كما توجد معالجةٌ للمياه السوداءِ في خزانِ صرفٍ صحي بيئي، ونظامُ معالجةِ المياه الرماديَّة بالحصى، ما يسمح بإعادة استخدامِ المياه لري بستانٍ قائمٍ.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط.

مهرجان الموسيقى الصحراويّة

المنزل الذي حاز على «جائزة معهد العالم العربي للتصميم


ما زالت الشاوني متطوِّعةً في منطقةِ الحوز، وتساعد منظَّمةً غير حكوميَّةٍ، هي «أمل بلادي»، في بناءِ مركزٍ مجتمعي للشبابِ والأطفال في قريةِ تاجالتي، وتثمِّن مشروعاتِ السياحةِ البيئيَّة الريفيَّة في سوس مع الوكالةِ المغربيَّة لتنمية السياحة في أكادير SDRT، وفي منطقةِ كلميم برئاسةِ امرأةٍ مُلهمةٍ، تدعى مباركة بوعيدة، تعدُّها قدوةً لها. وتتابعُ الحديثَ عن التزاماتها الحاليَّة: «في بوركينا فاسو، أعملُ على إعادةِ تأهيلِ كليَّة خليج أولف فورة، وأقدمِ جامعةٍ في غربِ إفريقيا مع صندوقِ الآثار العالمي، وأخيراً، أقومُ بإكمال مدرسةِ جودرو صحارى للموسيقى بواحةِ محاميد الغزلان في وادي درعة، وأنتم مدعوون جميعاً لحضورِ مهرجانِ الموسيقى الصحراويَّة، مهرجان زمان، الذي سيقامُ في 29 و30 نوفمبر 2024 في محاميد».

جائزة معهد العالم العربي للتصميم

عامَ 2023 أحدث المعهدُ «جائزة معهد العالم العربي للتصميم»، لتسليط الضوءِ على المصمِّمين الصاعدين والمتميِّزين في العالم العربي، وفي 2024 ترأست دورتها الثانية المصمِّمة اللبنانيَّة ندى دبس، وقد حصدت المهندسةُ المعماريَّة المغربيَّة عزيزة الشاوني هذه الجائزةَ عن مشروعها «منزلٌ مستدامٌ مضادٌ للزلازل» الذي صمَّمته بعد معاينةِ آثارِ زلزال الحوز حيث أظهرَ مكتبها للدراسات ACP قدرته على إنتاجِ وتطويرِ مشروعاتٍ عدة، منها هذا المشروعُ الذي تقولُ عنه عزيزة: «شاركني في هذا التصميم المهندسون أمين معاشي، أمل العبدي العلوي، سفيان الخزولي وزهير فرح».
ويعمل فريقها حالياً على تحويلِ الدروسِ المستفادة من النموذجِ الأوَّلي للمنزلِ إلى مشروعٍ جديدٍ في الحوز. ويسمى المشروع «بيت النجوم»، واستخدم فريقُ عزيزة في تصميمه أسلوباً تعاونياً مع ألعابٍ خاصَّةٍ، وبطاقاتٍ، وغير ذلك، إلى تجميعِ الاقتراحاتِ والأفكار الباقيةِ من سكانِ القرية حول المرافقِ التي يرغبون في إنشائها بهذا النموذجِ الأوَّلي، مع إمكانيَّة تعديلِ التصميمِ النهائي للمنزل.
تصميم أول منازل عائمة وفاخرة وصديقة للبيئة.. سعرها لا يُصدّق!