المعاملاتُ السطحيَّة، والساعةُ الأبديَّة، ونقاطُ الضعف، وسرديَّاتُ الانتماء، وغيرها، كلُّها عناوينُ لمعارضَ فنيَّةٍ، نقلت الصورةَ الداخليَّة لمبدعيها، وتلك الحالةَ الغامضةَ التي يعيشها الفنَّان. هذا ما تعملُ عليه المبدعةُ الإماراتيَّةُ عائشة العبار، الجامِعة والداعِمة للأعمالِ الفنّيةِ، التي افتتحت أخيراً معرضاً في «دبي السركال أفينيو»، ففي هذا البهو الفنِّي بالقوز، أقامت معارضَ، وليالي أفلامٍ، وورشَ عملٍ لفنَّانين محليين ناشئين، إضافةً إلى عرضِ الفنونِ من جميعِ أنحاء المنطقة.
حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | نيكوليتا بورو Nicoleta Buru
تنسيق الأزياء | فرانك بينا Frank Pena
مكياج | لينا قادر Lina Qader، باستخدام مستحضرات توم فورد Tom Ford
مساعدة منسّق الأزياء | روثييل برناردو Ruthiel Bernardo
إنتاج | إيتشو دوكاو Icho Ducao
عائشة العبار
تحدَّثنا إلى العبار. سألناها عن الشرارةِ الأولى لحكايتها مع الفنِّ، وولعها بدهاليزه وصوره، فأوضحت أنها دخلت هذا العالمَ لتعلُّقها بذلك المشغلِ الذي كان يديره والدها، ويهتمُّ بوضعِ براويزَ على صورِ الشخصيَّات المهمَّة في الإمارات، إذ ارتبط هذا المشهدُ في ذهنها منذ الستينيَّات. تتابعُ: «إلى جانبِ عمله في أطرِ الصور، افتتح والدي العبار جاليري عامَ 1971، وجاءت بدايةُ مشواره بعروضٍ، لم تكن متداولةً بين الناسِ في تلك الأيام. هذا أثَّر في حياتي كثيراً، لذا بعد وفاته، بدأت أخرجُ من نطاقِ العملِ في مكتبٍ، وأحترفُ مجالَ التصوير. لقد رغبتُ حقاً في تعلُّم شيءٍ يكسرُ الروتين الذي أعيشه، فوجدتُ نفسي أوغلُ في امتهانِ الفن».
أمي دعمتني
بدأت عائشة نشاطها في مرحلةٍ لم تكن فيها فكرةُ الفنِّ مفهومةً، وليست من أولويَّاتِ الناس. تعلِّقُ على ذلك: «كان الكثيرون يركِّزون على الحقائبِ، والعباءاتِ أكثر من تركيزهم على لوحةٍ فنيَّةٍ مثلاً! مع ذلك، لم أواجه أي اعتراضٍ ممَّن حولي. أمي، على سبيلِ المثال، لم تكن في أجواءِ الفنِّ، لكنَّها كانت فخورةً بي، ولطالما أسمعتني عبارةَ: أنت تعرفين ما تريدينه. كنت ألقي عليها التحيَّة فقط لأسمعَ منها عبارة: الله يوفِّقك. كانت مثالاً حياً وقوياً لنساءِ الجيلِ القديم بعزيمتهن التي زرعها فيهن حبُّ الاتحاد. وبعد دخولي هذا الميدان، وجدتُ نفسي في عالمٍ مترامي الأطراف، أتعلُّم منه كلَّ يومٍ لأطوِّر من نفسي».
تابعوا معنا لقاء سيدتي مع سارة العقروبي في جلسة تصوير خاصة
"في مقدمة اهتمامات حكومتنا استمرارية الدعم كيلا يشكو أي شخص من صعوبة المجال الذي دخله"
في كل محفل وطني
نظَّمت عائشة بدايةً معرضاً لفنَّانين إماراتيين ومقيمين شريطةَ أن يُعبِّر كلُّ فنَّانٍ عن تراثه دون أن يكتب اسمَ البلدِ الذي ينتمي إليه. تتذكَّرُ في هذا المعرضِ كيف أن كلَّ مشاركٍ تميَّز برسالةٍ، يبعثُ بها إلى أرضِ الإمارات من بلده. تقولُ: «أجواءُ الإمارات لها أثرها الكبيرُ في دعمِ الفنَّانين، لذا صرتُ أعرضُ لوحاتهم وأعمالهم في كلِّ محفلٍ وطني خارج البلاد. كنت الوحيدةَ التي تعرضُ أعمالاً فنيَّةً باسم الإمارات، والمسألةُ لا تنحصر في دوري كفردٍ، إنها ثقافةُ دولةٍ، فتحت الأبوابَ أمامَ هذا الركبِ الكبيرِ من الفنَّانين الإماراتيين والمقيمين، إذ ليست هناك مناسبةٌ فنيَّةٌ، لا يوجدُ فيها وزيرُ الثقافة الشيخ سالم بن خالد القاسمي، سواءً داخل الدولة أو خارجها. هناك دعمٌ كبيرٌ ودفعٌ هائلٌ، تعطيه دبي للثقافة، وهو ما يدعو كلَّ الذين يروِّجون للفنِّ الإماراتي للرجوعِ إليها في حالِ حدوثِ أي مشكلةٍ. أي وزيرٍ، أو حاكمٍ يزورُ معرضي، يقولُ لي إننا نتابعكِ، ونفخرُ بكِ، وجاهزون لإنهاءِ أي عوائقَ تقفُ أمامكِ، ففي مقدِّمةِ اهتماماتِ مسؤولي حكومتنا الاستمراريَّة، هم لا يريدون رؤيةِ أي متعثرٍ، يشكو من صعوبةِ المجالِ الذي دخله». ويتجاوز دورُ العبار وفريقها جمعَ أعمالِ الفنَّان تحت سقفٍ واحدٍ، فهي تقومُ بدعمه منذ بداياته. توضحُ: «عندما نتعاقدُ مع فنَّانٍ، نتابعُ أعمالَه، والطريقةَ التي يريدُ أن يعرضها بها حتى لو كان خارجَ إطارِ جاليري عائشة العبار، فنحن ندعمه مادياً ومعنوياً كي يُنتِج، وعندما يُنتِج، يبيع. نحن لسنا جمعيَّةً خيريَّةً، نحن شركةٌ لها احتياجاتها وعملاؤها، ونتابعُ كلَّ جديدٍ عند الفنَّانين، ونبحثُ عن الأنسبِ لهم، لكنْ أحياناً، يبحث العملاءُ عن اسمٍ معيَّن، وهناك آخرون يبحثون عن الفنَّانين الشباب، إذ ترتفع القيمةُ السعريَّة لأعمالهم».
جمع جاليري عائشة، أكثر من مرَّةٍ، معرضاً لأعمالٍ تراثيَّةٍ إماراتيَّةٍ، تحكي قصصاً من أرضِ الإمارات وتاريخها وشعبها. تتحدَّثُ العبار عن ذلك: «أنشأنا مرَّةً معرضاً، يحكي عن تطوُّر المرأةِ الذي واكب تغيُّر ملامحِ المكان. أعمالُ المعرض، تحدَّثت عن ملابسها سابقاً التي عرَّفت بصورتها الطبيعيَّة، ونقلت جوانبَ من حياتها، ومستواها في المجتمع، عكسَ الملابسِ في عصرنا الحديث، إذ تعتمدُ على البراندات غالباً! كما أطلقنا معرضاً، ضمَّ لوحاتٍ عن طبيعةِ الإماراتِ التراثيَّة، وأسواقها التجاريَّة والفنيَّة، وما تشهده الدولةُ من تعايشٍ بين الجنسيَّات المختلفة.
خور دبي
لو فكَّرت عائشة العبار بإعادةِ التقاطِ صورٍ، تبوحُ بما يختلجها لاختارت منطقةَ الخور في دبي، ذلك المدخلُ الطبيعي لمياه البحرِ المالحة حيث فرصُ حياةٍ، تتَّسم بالرفاهيَّة والاستقرارِ في مشهدٍ، يجمعُ بين الماضي والحاضر. تعلِّقُ: «حول الخور تدورُ الحكاياتُ التي ينشرها النهر، وتجسِّدُ صورةً، تختلف عن صورِ الماضي قبل 40 عاماً. مشاهدُ سجَّلتها ذاكرةُ كاميرتي بدقَّةٍ، واحتفظت بكلِّ تفاصيلها، وفي أرشيفٍ مخزونٍ غني بالصورِ واللقطات التي تتجدَّد طالما تنمو الحياةُ وتزدهر في دبي». وفي جانبٍ موازٍ، تؤكِّدُ عائشة، أن السفرَ غيَّر حياتها، إذ كانت ضمن أوَّلِ مجموعةٍ إماراتيَّةٍ دخلت الصين مع «ناشيونال جيوغرافيك»، وبرفقةِ مصوِّرٍ مشهورٍ. كان السفرُ مسموحاً للتو، وكانت مع صديقةٍ لها أوَّل عربيتين تدخلان المكان. تذكرُ عنه: «كان بالنسبةِ لي مجتمعاً غريباً! نحن أيضاً كنا غريبين بالنسبةِ لهم، لذا لم يتعاملوا معنا ببساطةٍ». وقبل عامٍ، شاركت العبار في «آرت دبي»، وتتذكَّر وقوفَ الشيخ محمد بن راشد، وإشادته بالمعرض، أمَّا في العام الجاري فقد دخل التنسيقُ المميَّز للجاليري بين أوَّل عشرةِ معارضَ فائزةٍ.
يمكن أيضًا الاطلاع على لقاء مع الشيخة نوار القاسمي
رهبة الذكاء الاصطناعي
استفسرنا منها عن دورِ الذكاءِ الاصطناعي في الفنِّ، فعبَّرت عائشة عن رهبتها، وقالت: «يجبُ أن نضعَ المجهر، ونراقبَ كيفيَّة تطوُّر هذه التقنيَّة، ودخولها الفن، وطريقةَ استخدامِ الفنَّانين لها». وأخيراً، وحول طموحاتها، تحلمُ عائشة بلوحةٍ، تجمع كلَّ المعالمِ والمشاعرِ المميَّزة في الإمارات، لكنْ بطريقةٍ حديثةٍ حيث تلفتها الحركةُ الفنيَّة الشبابيَّة في البلاد، إذ تطوَّرت بشكلٍ يفوقُ الخيال. تقولُ: «هناك فرقٌ كبيرٌ، لمسناه في الأعوامِ السبعةِ الأخيرة. نحن لا نمشي، نحن نركض.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط