شخصية عفوية جداً، تنطق كلامها من قلبها، بشفافية بعيدة عن التعقيد، وهو النمط نفسه الذي تستخدمه في أعمالها.. أول فيلم أنجزته في حياتها، لم تكن تتجاوز 16 سنة باسم «تويت 16»، كان يتكلم عن طفلة ترغب في إنجاز فيلم موسيقي، لونته بالغرائبية، وعكست فيه ألوان الصحراء في تناقض واضح للعين التي اعتادت أن ترى الجمال فيها، وهذا ما أعطى نائلة جرأة غير متناهية في الطرح، تعترف بنفسها أنها قلّت مع السنين؛ إذ تحولت جرأتها العفوية، إلى رغبة في التحليل الأعمق، والمدروس، وباتت تعتمد على الرمزية أكثر لتتجنب خدش إحساس أي طرف... إلى أين وصل الشريط السينمائي الذي تمسك المخرجة نائلة خاجة بحبكته، من أبعاد كاميرتها، وكيف كانت تجربتها مع فيلمها الجديد «ثلاثة» الذي شاركت فيه سيدة الأعمال منى عيسى القرق، بصفتها منتجة تنفيذية، هذا ما تابعته كاميرا «سيدتي».
حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | أناستاسيا سيدورشينكو Anastasiia Sydorchenko
تنسيق الأزياء | ناتالي الدكّاش Natalie El Daccach
الشعر والمكياج | مجموعة صالونات المصفف عمرو
موقع التصوير | Voco Dubai the Palm
تطرقت نائلة إلى قضايا جريئة مثل التحرش بالأطفال، وقد عملت أفلاماً بالشراكة مع اليونيسيف، وأفلامها كلها تتفرد بالحديث عن قضايا اجتماعية، مثل فيلم «مَرّة»، وهو قصة لمراهقتين في سن حرج جداً، تعيشان علاقات غير شرعية، في منأى عن الأهل، فيما يتحدث فيلم «ملل» عن الزواج التقليدي، غير المدروس، الذي لا يخلو من تقويض المرأة، تتابع قائلة: «كتبت السيناريو الخاص به، عندما احتجزت بسبب الأمطار الغزيرة في فندق بالشارقة، وقد بني الفيلم على تناقض في الأفكار التي تتأرجح بين أحاسيس امرأة في شهر العسل، وبين زواج لا يتناسب مع الفكرة».
التراكمات في الطفولة
بعض أفلام نائلة تم تدوينها، وبعدها لم يدوّن، لكنها بدت فخورة بالفيلمين الأخيرين، اللذين شهدا، كما ترى، مرحلة انتقالية من مهارتها الفنية، أحدهما بعنوان «الظل» المعروض على شبكة «نت فليكس»، ومن خلالهما وصلت إلى العالمية، تستدرك قائلة: «دائماً أقول إن الأفلام القصيرة، هي قصيرة العمر لا تُحدث صدى كالأفلام الطويلة، وهذا ما أعطاني الدافع الكبير لأركز فيه على فيلم: «ثلاثة»، الذي وصلت مدته إلى الساعة والنصف ساعة، ويحكي قصة أم انفصلت عن زوجها، تاركاً إياها تعتني بابنهما، في بيت مع أختها، ومع مرور الأيام لاحظت على ابنها تصرفات غريبة جداً وهو برأي الخالة مسحور».
فهي تعالج هذه المعتقدات التي تنتشر حول العالم، وهي تركز على فكرة التراكمات في الطفولة لتقول من خلال الفيلم إن العلاج النفسي ليس عيباً، وأنها تفترض إلغاء المسافة بين الأولاد والأهل.
نائلة خاجة
رؤية منى الواضحة أخذت بيدي للوصول إلى الهدف
السينمائي والإبداع من دون قيود
كبرت 5 سنوات
مرت نائلة خلال التصوير بمواقف كثيرة، وقد أذهلها، الطفل سعود الزرعوني الذي مثل في الفيلم، بقوته البصرية وذكائه، ولغة جسده، كان طاقة إماراتية وصفتها بالمتميزة، تتابع: «الفيلم يحكي عن فكرة غير مباشرة، موجهة إلى العالم الغربي، من خلال الممثل البريطاني جيفرسون هول، الذي أخذ دور الطبيب، وقد تماهى مع الحبكة، ليرى المرأة العربية بنظرة مختلفة، يحكمها التناقض بين الشقيقتين، الأم والأخت.. تناقض ينظر إليه الطبيب من جهة مختلفة، خلقت من أحداث الفيلم نسيجاً عالميّاً».
صورت المخرجة الإماراتية فيلمها «ثلاثة» بين الإمارات وتايلند؛ حيث الحرارة لا توصف، وقد واجهت كاميرتها رطوبة عالية، استدعتهم لتصفيف شعر الممثلات كل 10 دقائق، مر الفريق بـ 24 يوماً من الإصرار على العمل، تستدرك قائلة: «كنا 240 شخصاً بحاجاتهم المشتركة، في فترة كوفيد؛ حيث توافرت 4 ممرضات، يخضعن الفريق لاختبار كوفيد يومياً، ولو مرض أحد الممثلين، هذا يعني توقف الإنتاج لـ 10 أيام، كنت كمن ألعب بالنار؛ لأن الممثلين كانوا مرتبطين بأعمال أخرى في الإمارات، ولو حصل شيء عليهم أن يعودوا إلى الإمارات، بصراحة كبرت 5 سنوات في عمل هذا الفيلم».
تابعي معنا اللقاء مع النجمة اللبنانية «نور» في لقاء عفوي مع «سيدتي»
كل شيء ممكن
تصف نائلة الفيلم بالبيت، الذي يعتمد على أعمدة يحتاج إلى كل مقومات التصوير السينمائي بكل مراحله، فهي تعد أساس نجاح الفيلم الرؤية الواضحة، التي تعطي المخرج الطريق السليم للوصول إلى الهدف السينمائي، وهنا تؤكد دور سيدة الأعمال منى القرق، المنتجة التنفيذية للفيلم، وكذلك سلطان سعيد الدرمكي، منتج الفيلم، فلولاهما لما رأى الفيلم النور؛ لأنهما أول اثنين سانداها بالدعم المادي، تعلق: «ساندتني السيدة منى بعد أن تابعت فيلمي القصير «الظل» على نت فليكس، فأحبت الموضوع ورغبت في دخول عالم السينما، وأعطتني مبلغاً لأستقطب كاتباً عالمياً، يشاركني كتابة الفيلم، ومن هنا كانت الانطلاقة.. منى شخصية مريحة فقط أعطتني الحرية المطلقة لكي أبدع من دون قيود، أتمنى أن أرد لها استثمارها من خلال نجاح الفيلم، وأشكرها على إمساكها بيدي؛ لأننا بوصفنا مخرجين ومخرجات في الإمارات، نفتقر إلى الصناعة السينمائية، عندنا حركة سينمائية نعم، وهذا مهم جداً، لكننا لا نصنع أفلاماً، بل نصنع خدمات لأفلام هوليودية، وصناعتنا المحلية ليست قوية، فشخصيات مثل منى القرق نادرة جداً في الإمارات؛ حيث أنظر معها إلى أن يكون الفيلم سفير الإمارات، لمهرجانات عالمية، وأعتقد أن معها كل شيء ممكن، فهي بارعة في التسويق، كما أن علاقتي مع نت فليكس في الفيلمين القصيرين السابقين، سيساعدني لأتوصل إلى اتفاق معهم».
توقفت أيضاً عند دور بثينة كاظم، مستثمرة سينما عقيل، التي مثلت في الفيلم، بمشهد كامل، وذكرت دائرة السياحة في دبي، التي مدت نائلة بمعدات، وصفتها بالخيالية، وهو تصوير من هليكوبتر بارتفاع عالٍ، فظهرت دبي بشكل خرافي من الأعلى، وأيضاً طيران الإمارات، الذي كان الراعي الرسمي لسفرهم بين تايلند ودبي. علّقت قائلة: «عندما ازدادت ميزانية الفيلم عن حدها، حصلت على مستثمرين آخرين».
هيبتنا بصفتنا نساء
تتذكر المواقف الصعبة، التي مرت بها في طفولتها ومراهقتها حتى نهاية العشرينيات. لكنها، كما تقول، ولدت في روح التحدي، ليرتفع صوتها أقوى في أفلامها، عن هذا تستطرد: «صرت أعرف ما أريد، الألوان التي أستخدمها، أحب المشي في طريق هادئ يوتر الأعصاب، أعتمد على عنصر المفاجأة، والخلط بين النقيضين، مع صبغة داكنة، ويمكن القول إن أسلوبي في الإخراج، هو ستايل عربي معاصر، مع لمسات عربية وشرقية تظهر في المجوهرات والملابس والديكور، لكن عدستي معاصرة، فأفلامي تبدأ دائماً باللون الفاتح، وتنتهي بالغامق، أصبغ أفلامي بتلاوين المجتمع، أنا أحب الرسم الذي أحوله إلى لوحات فنية مضيئة متحركة، فأفلامي هي خلفيتي غير العادية، المرتبطة بالرعب النفسي، والإثارة والغموض».
تفخر نائلة بإخراج فيلمها وإطلاقه قبل يوم المرأة الإماراتية، التي تمثل لها أمها وجدتها، وكل خالاتها، وكل امرأة كانت إماراتية أو تقيم في الإمارات؛ إذ تقول: «بفضل شيوخنا الذين رفعوا من شأن المرأة وهيبتها، أنا أحتفي بفيلمي في هذا اليوم، وأحقق قفزة نوعية، فليس عندنا فيلم إماراتي دخل مهرجان كان، أو فينيس أو برلين، لذلك أتمنى كسر هذه القاعدة، فقد عشقت السينما من جديد، مع الفيلم الطويل، تعمقت في مشاعر المشاهد من خلال الممثلين، ورأيت أن الحياة لا تستحق أن تكون حزيناً، لكن ليس لدي صبر، لأنجز فيلمي الثاني».
سيعجبك اللقاء مع الفنانة البصرية الكويتية فرح بهبهاني
منى عيسى القرق شعاري: «لن أتنازل عن فكرتي أبداً»
«وفقاً لتقرير Celluloid Ceiling، فإنه في عام 2022، شكلت النساء 24 % من المخرجين والكتاب والمنتجين والمحررين والمصورين السينمائيين العاملين في أفضل 250 فيلماً، بانخفاض 1 % عن عام 2021. فهناك نقص في تمثيل النساء لعالم شباك التذاكر، كما تجد منى عيسى القرق، المنتجة التنفيذية لفيلم «ثلاثة»، التي ربطت بين إطلاق الفيلم، ويوم المرأة الإماراتية.
هذه التحديات التي تواجهها المرأة في عالم السينما، تعود إلى التنميط، كما تقول منى، فالسينما تعني القدرة على التحمل، فهم حتى في المجتمع الغربي، لا يجدون أن المرأة بارعة فيه، لذلك كان الطريق أمام الرجل أقل صعوبة، وربما هذا ما يفسر وجود الكثير من المنتجين في العالم مقابل عدد قليل من المنتجات، تستدرك منى القرق: «لكن إذا آمنّا بأن التجارب تختلف باختلاف المكان، هنا علينا أن ننظر إلى التقدم الحاصل في الإمارات، الذي ترفع فيه المرأة، وأنا منهن، شعار: «لن أتنازل عن فكرتي أبداً». فقد حظينا في دولة الإمارات بفرص واعدة وتفوقنا على غيرنا في مستوى التمكين الذي يشمل كافة القطاعات، وعلى رأسها القطاع الاجتماعي.
وتضيف: يحضرني قول سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، «أم الإمارات»، إن المرأة اليوم تعيش عصرها الذهبي في كل ميادين التمكين وعلى جميع الأصعدة، ونحن مستمرون في دعمها وإمدادها بكل ما تحتاج لتكون دائماً على قدر المأمول لها من مستويات التميز، لتظل ابنة الإمارات مشعل إنجازٍ، وساريةَ علم وأخلاق في رفد مسيرة الوطن.
نقترح عليك قراءة اللقاء مع الفنانة التشكيلية والخزفية الإماراتية حصة العجماني
التغيير والإلهام
هنا تساءلت منى وماذا بعد؟.. كل شيء يدعم تجاربنا، كل شيء يقول لنا إلى الأمام، كل شيء يفتح أمامنا آفاق المستقبل، وهذا هو القصد من إطلاق شعار يوم المرأة الإماراتية لعام 2023 الذي يصادف 28 أغسطس من كل عام، ليكون «نتشارك للغد»، تماشياً مع شعار الدولة لعام 2023، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ليكون 2023 عاماً للاستدامة تحت شعار «نتشارك للغد».. هي رسائل وأهداف خطتها استراتيجيات قادتنا، لتمكين المرأة في كل يوم.
تتابع: «بصفتي منتجة للمرة الأولى في عالم السينما الإماراتية، كانت مهمتي العمل على كسر الحواجز وتحدي الصورة النمطية، مستمدة قدراتي من إيمان قوي بمدى أهمية الرواية القصصية في التغيير والإلهام لصناعة أفلام أكثر شمولاً، لا تنكر الحق الإنساني، سواء كان للمرأة أو للرجل، وتفتح عوالم المستقبل، لما بعد الحداثة».
منى القرق
شاركتُ نائلة مغامرة جريئة، للتعرف إلى قصص
رائعة لم ترو من قبل
القبعات المحترفة
من خلال العمل سعت منى، كما تقول، إلى مشاركة نائلة نقل الصورة والشخصية الإماراتية، وهي تعدّ خطوتها مغامرة جريئة، للتعرف إلى قصص رائعة لم ترو من قبل. ومع دخول التكنولوجيات الحديثة، والتقدم الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، ساعد هذا في التغييرات الحديثة والسريعة للصناعة السينمائية؛ حيث برز في السنوات الأخيرة، العديد من النساء في عالم الإنتاج السينمائي، وخصوصاً في عالم الأفلام الوثائقية، لذلك تجزم قائلة: «يتعين على النساء في صناعة السينما أن يعملن بجهد مضاعف مثل أي رجل للتعامل مع الإجهاد، وتكنولوجيا الكاميرات، والبرمجيات، والميزانيات الكبيرة. ليقفن بجدارة أمام القبعات المحترفة، بقدراتهن المميزة والجديرة بالاحترام، فإذا لم تشاهد النساء أنفسهن في مناصب عليا داخل الصناعات، فقد لا يدركن مطلقاً إمكاناتهن الكاملة، أو يلاحقن أعظم شغفهن، فالمنتجات غيرن صورة المرأة التقليدية في السينما، وأنتجن أدواراً لها تحمل وعياً هادئاً وراقياً. كما أن صناعة السينما تحتاج أيضاً إلى مهارات تجارية من دون شك».
يأمل المخرجون في إنتاج أفلام تربح ترشيحات لجوائز الأوسكار، وبما أنها التجربة الأولى لمنى يسعدها أن تدخل هذا الرهان، عبر خطوات تأمل أن تترك بصمات في عالم السينما تدفع جيل الشباب إلى التفكير في مستقبل جديد. تعلّق: «علينا دائماً أن نحلم ونتمسك بالحلم والطموح، ونواصل العمل لتحقيق كل ما نحلم به، كما علمنا الشيخ زايد أن الطموح يجب ألا يكون له سقف أو حدود».
تابعي اللقاء مع خبيرة الفن والتراث ومؤسسة مبادرة زَي الدكتورة ريم المتولي