تغيرات عصبية وهرمونية تجتاح دماغ الحامل... تؤثر عليها أثناء الحمل وبعده

صورة لحامل تشكو بعض الأوجاع
تغيرات عصبية وهرمونية تؤثرعلى الحامل خلال الحمل

غالباً ما ينصب الاهتمام بالحامل على التغيرات الجسدية التي تواجهها والمرتبطة بالحمل؛ مثل الزيادة في الوزن أو التغيير بالشكل أو تسارع الهرمونات، إلا أن الدماغ عضو لا يقل أهمية في هذا التحول المعقد؛ فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن دماغ المرأة الحامل يتعرض لعدة تغيرات مذهلة تساهم في التأقلم مع متطلبات الحمل، وهذه التغيرات -التي قد تكون مفاجئة في بعض الأحيان- ليست مجرد استجابة عشوائية، بل هي جزء من آلية تكيُّف متطورة تضمن النجاح للحمل والحفاظ على حياة الأم والجنين.
في هذا التقرير تكشف الدكتورة سلمى القاضي أستاذة النساء والتوليد ما يحدث لدماغ الحامل وتأثيره على حياتها اليومية، وكيف تتكيف هذه المنطقة الحيوية مع التغيرات الجسدية والعاطفية التي تحدث للحامل خلال أشهر الحمل؟

 

أولاً: التغيرات العصبية والهرمونية في دماغ الحامل:

تغيرات وتقلبات مزاج الحامل تبدأ من الدماغ

أول شيء يجب أن نفهمه عند الحديث عن دماغ الحامل هو التغيرات الهرمونية التي تلعب دوراً أساسياً في التأثير على الوظائف العصبية، في بداية الحمل تبدأ هرمونات مثل البروجسترون والإستروجين في الارتفاع بشكل كبير، مما يؤدي إلى سلسلة من التغيرات التي لا تقتصر على الجسم فحسب، بل تشمل أيضاً وظائف الدماغ.
البروجسترون والإستروجين الاثنان يعملان على تعزيز التكيف العصبي منذ اللحظة الأولى للحمل؛ حيث يبدأ الدماغ في الاستجابة لهرمون البروجسترون، الذي يرتفع بشكل ملحوظ خلال الحمل، فله تأثير مهدئ على الدماغ.
وهذا يفسر بعض التغييرات في المزاج والتفاعلات العاطفية التي تمر بها المرأة الحامل؛ قد تشعر بمزيد من الاسترخاء أو القلق المتزايد في بعض الحالات، ويعزى هذا إلى التأثيرات المهدئة للبروجسترون.
هرمون الإستروجين هو الهرمون المسؤول عن تعزيز الاتصال بين الخلايا العصبية في الدماغ، وزيادة الإستروجين يساعد على تعزز الذاكرة والمزاج، ولكنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تقلبات عاطفية مفاجئة، وهذا الارتفاع في الإستروجين يمكن أن يجعل الحامل أكثر حساسية عاطفياً، وقد تشعر بالحاجة الملحة للتواصل الاجتماعي أو العزلة.

التأثير على الذاكرة والتركيز

حامل تتابع فحوص الحمل للحفاظ على صحتها

قد تلاحظ بعض النساء الحوامل تغييرات في قدراتهن الذهنية؛ مثل ضعف الذاكرة أو التشتت الذهني، وهذا ما يُعرف بـ"دماغ الحمل"، ويُرجِع الباحثون هذا إلى تأثير الهرمونات على الدماغ، حيث تشير الدراسات إلى أن الحمل يمكن أن يُضعف بعض وظائف الذاكرة قصيرة المدى، وعلى الرغم من أن هذا لا يعني أن الدماغ يصبح أضعف بشكل عام، إلا أن الحمل قد يؤثر على طريقة معالجة المعلومات وتخزينها.

ثانياً: التغيرات الهيكلية في دماغ الحامل

لا تقتصر التغيرات التي تطرأ على دماغ الحامل على الهرمونات فقط، بل تشمل أيضاً تغيرات هيكلية؛ إذ أظهرت الدراسات الحديثة أن الحمل قد يسبب تغييرات فعلية في حجم الدماغ في بعض المناطق، وقد يبدو الأمر غريباً، لكن هذه التغيرات لها دور بالغ الأهمية في تحسين قدرة المرأة على التعامل مع الحمل ورعاية طفلها بعد الولادة.
تضاؤل حجم المادة الرمادية:
أظهرت بعض الدراسات أن الدماغ خلال الحمل يمكن أن يعاني من تقلص طفيف في حجم المادة الرمادية، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة المعلومات والذاكرة واتخاذ القرارات.
لكن هذه التغيرات ليست سلبية، بل تشير إلى عملية تكيف وتعديل؛ حيث يمكن للمرأة الحامل أن تصبح أكثر قدرة على التركيز على الأمور الهامة المتعلقة بالحمل ورعاية الجنين، بينما تضع بعض الأمور الأخرى في خلفية اهتمامها.
زيادة الترابط العصبي:
على الرغم من أن حجم المادة الرمادية قد يتضاءل قليلاً، فإن هناك زيادة ملحوظة في الترابط العصبي بين مناطق الدماغ المختلفة؛ ما يُمكّن الحامل من التعامل بشكل أفضل مع التغيرات العاطفية والجسدية المعقدة التي ترافق الحمل؛ حيث تكون الحامل قادرة على التكيف بسرعة أكبر مع التغيرات السريعة في البيئة المحيطة بها، وهي ميزة ضرورية لضمان حياة صحية لكل من الأم والجنين.

ثالثاً: التأثيرات النفسية والعاطفية على دماغ الحامل

الحامل في حاجة للصحبة لدعمها نفسياً

الحمل لا يؤثر فقط على الدماغ من الناحية الجسدية والعصبية، بل له تأثيرات نفسية أيضاً؛ فمن المعروف أن الحمل يمكن أن يكون مصحوباً بتقلبات مزاجية شديدة، والسبب في ذلك يعود إلى التغيرات الهرمونية التي تؤثر بشكل مباشر على النظام العصبي.
هذه التقلبات في المزاج قد تتراوح بين السعادة الشديدة إلى القلق والخوف المستمر.
الاكتئاب والقلق:
تعد فترة الحمل من الفترات التي قد تشهد زيادة في مستويات القلق والاكتئاب لدى بعض النساء، تختلف هذه المشاعر من امرأة إلى أخرى، لكن الدراسات تشير إلى أن الهرمونات المفرزة خلال الحمل، مثل الإستروجين والبروجسترون، يمكن أن تساهم في زيادة مشاعر الاكتئاب والقلق، كما يمكن أن تؤدي التغيرات الجسدية والتوتر النفسي المرتبط بمستقبل الأمومة إلى زيادة القلق.
التفاعل الاجتماعي والعاطفي:
الحمل يُحدث تغييرات في الطريقة التي تتفاعل بها المرأة مع محيطها الاجتماعي والعاطفي، قد تصبح الحامل أكثر اهتماماً بالعلاقات الاجتماعية أو أقل اهتماماً، بعض النساء يشعرن بحاجتهن للتقرب من عائلاتهن وأصدقائهن، بينما قد ترغب أخريات في الانعزال والتركيز على الحمل وحده، هذه التغيرات في التفاعل العاطفي تُعزى جزئياً إلى التغيرات في الدماغ التي تزيد من الحساسية العاطفية.

رابعاً: التأثيرات على الوظائف التنفيذية لدماغ الحامل

حامل تشعر بصداع وتقلص بالبطن

من أبرز التغيرات التي تحدث في دماغ الحامل هي تأثيراتها على الوظائف التنفيذية، وهي مجموعة من العمليات العقلية التي تشمل القدرة على اتخاذ القرارات، التخطيط، التنظيم، وحل المشكلات، و يُعتبر الحمل مرحلة من التحولات التي تؤثر على هذه الوظائف.
التقلبات في القدرة على اتخاذ القرارات:
قد تواجه الحامل صعوبة في اتخاذ القرارات اليومية البسيطة، مثل اختيار الطعام أو تحديد أولويات المهام، تعود هذه الصعوبة إلى التأثيرات الهرمونية التي قد تُضعف التركيز والقدرة على التعامل مع عدة مهام في آن واحد.
زيادة الحساسية للمحفزات العاطفية:
يُعزى ذلك إلى تأثير هرموني آخر، وهو زيادة هرمون الأوكسيتوسين خلال الحمل، هذا الهرمون يعزز مشاعر الحب والعاطفة تجاه الجنين، كما يُساهم في تعزيز الترابط بين الأم وطفلها بعد الولادة، في بعض الأحيان، قد تؤدي هذه الزيادة في الحساسية إلى تقلبات عاطفية أكثر وضوحاً، مما يزيد من احتمالية تعرض الحامل للمواقف التي تتطلب استجابة عاطفية سريعة.

خامساً: تأثير التغيرات على الحامل بعد الولادة

اكتئاب ما بعد الولادة

قد تستمر بعض التغيرات في الدماغ حتى بعد الولادة؛ فبعض النساء قد يعانين من "اكتئاب ما بعد الولادة"، وهو اضطراب نفسي يؤثر على العديد من الأمهات الجدد.
هذا الاضطراب يمكن أن يكون نتيجة للتغيرات النفسية والعصبية التي تعرضت لها الحامل خلال الحمل؛ إذ يصعب على البعض التكيف مع هذه التغيرات بعد الولادة.
لكن هناك أيضاً تغيرات إيجابية تطرأ على دماغ المرأة بعد الولادة، مثل تعزيز روابط الأمومة والنمو العاطفي الذي يسمح للأم برعاية طفلها بفعالية أكبر.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.