تشير الأبحاث إلى أن عدد الإصابات بالسرطان لمن هم أقل من سن الـ50 عاماً في ارتفاع، وقدرت النسب بنحو 79%، وذلك في الفترة الممتدة بين 1999 إلى 2019، وفقاً لبحث نشرته جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة.
أشار كذلك البحث إلى أن حالات الوفاة ارتفعت أيضاً إلى أكثر من 27%، كما جاءت النتائج صادمة، حيث توقعت أن هناك أكثر من مليون شخص تحت سن الـ50 يموتون بسبب السرطان سنوياً، وتعد حالات سرطان الثدي والقصبة الهوائية والرئة والأمعاء والمعدة هي أكثر السرطانات تسبباً بالوفاة.
كل هذا دفع بضرورة العمل على إيجاد علاجات وقائية، من بينها العمل على لقاح للحدّ من انتشار السرطان.
فيما يلي نتناول التطورات الأخيرة حول لقاح السرطان.
إعداد: إيمان محمد
ما هو لقاح السرطان؟
أحد أبرز الابتكارات الحديثة هو التقدم المُحرز في تطوير لقاح لعلاج السرطان، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة Nature في عام 2024، بدأ العلماء في استخدام تقنيات متقدمة في تعديل الخلايا المناعية، مما أدى إلى نتائج واعدة في معالجة أنواع مختلفة من السرطان.
لقاح السرطان ليس وقاية من السرطان؛ مثل لقاحات الأمراض المعدية، بل يُعد علاجاً يستهدف خلايا السرطان مباشرة، يقوم هذا النوع من اللقاحات بتحفيز جهاز المناعة لمهاجمة الأورام الخبيثة عن طريق التعرف إليها بشكل دقيق.
وفقاً لعلماء من جامعة بنسلفانيا، فإن هذه اللقاحات تعمل بالتقنية التي تم اتباعها لمواجهة وباء كورونا، والتي تعتمد بشكل رئيسي على استخدام الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لتحفيز إنتاج خلايا مناعية مهدفة وفقاً لمجلة Nature.
كيف يعمل لقاح السرطان؟
قامت شركة "بيونتيك" بالتعاون مع "موديرنا" على تطوير اللقاحات الحديثة من خلال برمجة الخلايا المناعية للتعرف إلى الطفرات الجينية الفريدة الموجودة في الأورام، وفقاً لمجلة The Lancet Oncology، يتم استخراج عينات من الورم وتحليل الطفرات الجينية، ثم وفقاً للنتائج يتم تطوير لقاح شخصي يلائم كل مريض، هذه التقنية تعزز قدرة جهاز المناعة لمواجهة الخلايا السرطانية.
اقرئي أيضاً فوائد تناول الشوكولاتة الداكنة لصحة القلب وتعزيز الذاكرة وفق اختصاصية
إلى أين وصل لقاح السرطان؟
نشرت مجلة Science Translational Medicine نتائج دراسة أُجريت على لقاح mRNA لعلاج سرطان الجلد من نوع الميلانوما، وأظهرت الدراسة أن اللقاح قلل من احتمال عودة المرض بنسبة 44% بين المرضى الذين خضعوا للجراحة واستمروا في العلاج المناعي.
وقالت الباحثة الرئيسية، الدكتورة كاثرين من معهد دانا- فاربر للسرطان، أن "هذه النتائج تشير إلى أن اللقاح يمكن أن يكون نقطة تحول في علاج السرطان، خاصةً في المراحل المبكرة والمتوسطة".
التحديات التي تواجه تطوير اللقاح
صحيح أن اللقاح حقق نتائج واعدة، غير أنه لا يزال أمامه كثير من التحديات، ويأتي في مقدمتها التنوع الكبير في الطفرات الجينية بين أنواع السرطانات، وحتى بين المرضى الذين يعانون من النوع نفسه.
وفقاً لمجلة Cell، يعد تحديد الطفرات الجينية المهمة الأكثر تعقيداً التي يواجهها الأطباء، كما أن استهدافها بدقة يشكل صعوبة أمام العلماء، ولهذه الأسباب فالخطوات شديدة التعقيد والدقة، كما تتطلب هذه اللقاحات تكلفة إنتاج مرتفعة نظراً لكونها مصممة بشكل شخصي لكل مريض.
مستقبل لقاح السرطان
وفقاً للعلماء فإنه من المتوقع أن يتم التوسع في استخدام وتطوير لقاحات السرطان على أن تشمل أنواعاً أخرى من الأورام؛ مثل سرطان الرئة وسرطان القولون، تشير مجلة New England Journal of Medicine، إلى أن هناك تجارب سريرية تُجرى حالياً لتطوير لقاحات تستهدف بروتينات محددة تتواجد في خلايا سرطان الرئة، وقد أظهرت النتائج الأولية تحسناً كبيراً في معدلات الاستجابة المناعية.
الآثار الجانبية للقاح السرطان
لا شك أن لقاح السرطان يعد ثورة علمية واعدة، لكن مثله مثل أي علاج جديد، قد ترافقه بعض الآثار الجانبية التي لا يمكن وصفها بالـ"خطيرة" مثل الحمى، والإرهاق، والالتهاب الموضعي في موقع الحقن، ولكن وفقاً لمقال نشرته مجلة JAMA Oncology، فإن هذه الآثار الجانبية تُعد طفيفة مقارنة بالتأثيرات الجانبية التي تسببها العلاجات التقليدية مثل العلاج الكيميائي.
رغم التقدم الكبير في تطوير لقاحات السرطان، إلا أن العديد من العلماء يحذرون من التفاؤل المفرط، ففي مقابلة مع مجلة Time، قال الدكتور أنتوني فوشي، أحد كبار الباحثين في مجال الأمراض المناعية، إن "لقاحات السرطان قد لا تعد علاجاً شافياً لجميع الحالات، لكنها تُحدث ثورة في طريقة علاج المرضى وتحسين حالتهم”.
دور الذكاء الاصطناعي في تطوير لقاحات السرطان
يُعزَى جزء من الوصول للقاح السرطان إلى دور الذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة تطوير لقاحات السرطان، ووفقاً لما جاء في Nature Biotechnology. يأتي ذلك من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات الجينية والسرطانية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الطفرات الجينية الأكثر شيوعاً والتي يمكن استهدافها باللقاحات.
أيضاً، تمكنت تقنيات التعلم الآلي من تقليص زمن اكتشاف البروتينات السرطانية المستهدفة من سنوات إلى أشهر فقط، وهذا ما ساهم في تصميم لقاحات مخصصة لكل مريض بسرعة ودقة، كذلك لعب الذكاء الاصطناعي دوراً في توقع الاستجابات المناعية للمرضى، مما يتيح تصميم خطط علاجية أكثر فعالية وقائمة على الاحتياجات الخاصة بكل مريض.
*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.