من منَّا لا يسأل ما هي السعادة؟ وهل يمكن أن نجعل أنفسنا سعداء؟ في حين أن مفهوم السعادة يختلف من شخص إلى آخر نتيجة عوامل جينية، اجتماعية، أو حتى شخصية، نتيجة لتجارب الحياة والخيارات الشخصية، إلا أن العلماء في طب الأعصاب أثبتوا أن هناك علاقة وثيقة بين حالات الدماغ المرتبطة بمكوّنات السعادة وبين الصحة النفسية. في هذا المقال سوف نشرح تعريف هرمونات السعادة وأهميتها وعوارض نقصها وكيفية تعزيزها.. مع الاختصاصية في علم النفس الجنائي ديما حرب لـ "سيدتي".
تحفيز شعور الحزن أو السعادة
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أن كل سلوك يقوم به الإنسان يرتبط بهرمون محدّد داخل جسمه، كالهرمونات الخاصة بتحفيز الشعور بالحزن أو السعادة، أو تلك التي يفرزها الجسم عند الشعور بالقلق أو الخوف مثلاً. لذلك فإن فهم الهرمونات في الجسم وطبيعة عملها يلعبان دوراً مهماً في المحافظة على صحتنا النفسية، كما والجسدية بشكل أجدى.
فما هي الهرمونات؟ الهرمونات هي مواد كيميائية تحمل رسائل لأجزاء مختلفة من الجسم تفرزها غدد معيّنة وتسير مع الدم لتجعل الجسم يستجيب بطريقة محدّدة. إذ يوجد العديد من الهرمونات، لكن من المعروف أن بعضها يساعد في تعزيز المشاعر الإيجابية، بما في ذلك السعادة واللذة.
يطلق عليها إسم «هرمونات السعادة» وهي الدوبامين، السيروتونين، الأوكسيتوسين، والإندروفين.
- الدوبامين: يُعرف Dopamine بهرمون ثلاثية الإدمان (اللذة - المتعة - الحب). الدوبامين هو ناقل عصبي يمثل جزءاً مهماً من نظام المكافأة في دماغ الإنسان، إذ له دور أساسي في جميع الوظائف المعرفية تقريباً، ما يجعله جوهرياً للصحة العقلية والجسدية. تشمل هذه الوظائف المعرفية التحكّم في المهارات الحركية، التحفيز، التعلّم والذاكرة.
- السيروتونين: يُعرف Serotonin بهرمون السعادة. السيروتونين هو ناقل عصبي يتواجد بشكل طبيعي في الصفائح الدموية والقناة الهضمية والجهاز العصبي المركزي والدماغ. يعتبر من الموصلات العصبية المهمة لأنه يتحكّم في مجموعة واسعة من الوظائف الفيزيولوجية منها الحالة المزاجية، النوم، تنظيم الشهية، بالإضافة إلى حركة الجهاز الهضمي.
- الأوكسيتوسين: يُعرف Oxytocin بهرمون الحب أو هرمون الثقة. الأوكسيتوسين هو ناقل عصبي يقوم بدور قوي في العلاقات وزيادة الروابط العاطفية، خصوصاً بين الأم والطفل، إذ تتمثل وظيفة الأوكسيتوسين الأساسية في تيسير الولادة.
- الإندورفين: يُعرف Endorphin بهرمون الهدوء والراحة. في الواقع، توجد أنواع كثيرة من هرمون الإندروفين، ولكن أهمها الـ "بيتا إندروفين" والتي تُعرف بأنها مادة كيميائية ينتجها الجهاز العصبي بشكل طبيعي لإدارة التوتر وتخفيف الألم. غالباً ما يطلق على الإندروفين هرمون "الإنشراح" بسبب عمله كمسكّن للألم ومعزّز للسعادة.
في حال كنتِ تعانين من ارتفاع ضغط الدم .. توصيات طبيبة القلب لتنظيمه بطرق طبيعية.
طرق طبيعية لتعزيز هرمونات السعادة
يوجد العديد من الطرق الطبيعية لتعزيز هرمونات السعادة. سوف نكتفي بذكر طريقتين لكل هرمون مستندين على أبحاث علمية حديثة.
هرمون الدوبامين:
- التأمل: حالياً يعتبر التأمل من أكثر المواضيع البحثية شيوعاً في علم النفس والطب النفسي وعلم الأعصاب. فالتأمل هو فن الهدوء واليقظة للتركيز على ما يحصل في الوقت الحاضر، دون محاولة تغيير الماضي أو القلق على المستقبل. وأثبت الدراسات أن تمارين الاسترخاء تزيد من نسبة الدوبامين في الجسم. مثلاً في دراسة أجريت على 8 معلّمي يوغا، ساهم التأمل في زيادة الدوبامين بنسبة 65%.
- التمرين الرياضي: يزيد النشاط البدني المنتظم من جودة الحياة بشكل عام عن طريق تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني والسمنة. تمتدّ الفوائد الصحية للتمارين الرياضية أيضاً إلى الأمراض العصبية والنفسية بما في ذلك الباركنسون والإكتئاب. العديد من الدراسات العلمية أثبتت أن ممارسة التمارين الرياضية بإنتظام يؤدي إلى إطلاق العديد من الناقلات العصبية والهرمونات.
هرمون السيروتونين:
- التعرّض لأشعة الشمس: من المعروف أن الاكتئاب الذي يحدث بسبب التغيّرات الموسمية له علاقة بنقص ضوء الشمس الذي يؤثر على مستوى السيروتونين في الجسم. فقد يشعر الإنسان بتحسّن في مزاجه عندما يستجيب نظام الجسم لأشعة الشمس. قد أكدت الدراسات على أن التعرّض للأشعة ما فوق البنفسجية من الشمس يمكن أن يزيد من إنتاج السيروتونين في الجسم. ففي أحد الأبحاث التي شارك فيها 27474 شخصا في إنكلترا، تبيّن أن التعرّض لأشعة الشمس يزيد من قدرة الإدراك الذهني عند الإنسان.
- إتباع نظام غذائي صحي: يمكن أن يكون لبعض الأطعمة تأثير على مستويات الهرمون. فقد تمّت دراسة دور الهرمونات عند تناول بعض الأطعمة منذ عقود. وفي حين أن تناول الزبادي والفاصولياء والبيض واللوز واللحوم القليلة الدسم ترتبط بإفراز هرمون الدوبامين، فإن أكل الشوكولاتة والمثلجات له علاقة بإفراز هرمون الإندروفين. لكن تناول الأطعمة الغنية بالتربتوفان والتي غالباً ما توجد في الأطعمة الغنية بالبروتين تزيد من مستويات السيروتونين. فمثلاً يمكن للنباتيين أن يضيفوا بذور الكتان والشيا إلى السلطات لغناها بالألياف والفيتامينات، في حين أنه يمكن لغير النباتيين تناول سمك السلمون، الدجاج، أو الديك الرومي. أما لمحبّي الفواكه، فإن الموز والأناناس يحتويان على التربتوفان أيضاً.
في حال كنتِ تعانين من شيخوخة الجلد.. 3 أطعمة تسرّع شيخوخة الجلد وفق الأطباء تخلّي عنها فوراً.
هرمون الأوكسيتوسين:
- قضاء وقت ممتع سواء مع الأشخاص أو الأشياء التي نحب: مجرد قضاء الوقت مع شخص نهتم به ونحبه يمكن أن يساعد في زيادة هرمون الأوكسيتوسين. على سبيل المثال، يمكن تخصيص نصف ساعة أو أكثر من وقتك لقضاء وقت ثمين مع العائلة، كمشاهدة التلفاز، أو مع الأصدقاء كالخروج إلى الطبيعة، أو مع الحبيب كتحضير عشاء رومنسي. أثبتت إحدى الدراسات أن احتضان شخص عزيز على قلبك لمدة 10 ثوانٍ يساعد في تقوية جهاز المناعة وتحصين صحة القلب. هناك بعض الأشخاص الذين يحبون تربية الحيوانات الأليفة في منازلهم، كالكلاب أو القطط. الخبر السار هو أن اللعب معها يساعد في تعديل ضغط الدم، كما ويزيد من مستوى الأوكسيتوسين في الجسم. أما لمحبي الموسيقى، فسماع الأغاني أو حتى الغناء لهما دور شفائي على الصعيد الجسدي والنفسي. فمثلاً هناك دراسة قارنت بين أشخاص خضعوا لعملية قلب مفتوح وسمعوا الموسيقى لمدة 30 دقيقة في النهار مع أشخاص خضعوا لنفس العملية إنما دون الاستماع للموسيقى، بيّنت أن الذين سمعوا الموسيقى زادت نسبة الأوكسيتوسين لديهم بشكل لافت.
- الإختلاط والتواصل الاجتماعي: تسلّط المفاهيم الحالية لدينامية الجماعة الضوء على الدور الأساسي الذي يلعبه الأوكسيتوسين في تكوين العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها. فالأبحاث المتنوّعة في علم النفس اكتشفت أن الدماغ يفرز الأوكسيتوسين بكمية أكبر خلال التواصل الإجتماعي وهذا بدوره يمكن أن يسرّع عملية الشفاء من الأمراض النفسية. هناك عدة طرق للاختلاط الاجتماعي، وأبرزها أولاً الذهاب إلى النادي الرياضي بحيث يمكن التعرف على شخص وقد يؤدي الترابط حول شيء مضحك إلى إطلاق الأوكسيتوسين، وهذا يؤدي إلى تعديل المزاج بعيداً عن التوتر. ثانياً القيام بعمل تطوّعي في المجال الذي يراه الشخص متوافقاً مع مبادئه وقناعاته ونقاط قوته، لأن عدة دراسات أثبتت أن الذين يشاركون في التطوّع لديهم صحة عقلية أفضل من أولئك الذين لم يتطوعوا أبداً.
هرمون الإندورفين:
- الضحك: من منّا لم يسمع القول المأثور «الضحك هو أفضل دواء»؟ لا بدّ من الإشارة بداية إلى أن الضحك لا يعالج المشكلات الصحية المزمنة. ولكن يمكن للضحك أن يساعد في تخفيف مشاعر القلق أو التوتر، وتحسين الحالة المزاجية المنخفضة عن طريق زيادة مستويات الإندروفين. وفقاً لدراسة على عيّنة من 12 شاباً، تبيّن أن الضحك أدّى إلى إطلاق هرمون الإندروفين. من ناحية أخرى يمكن أن يساعد الإندروفين الذي يُفرز عند الضحك، عندما يكون الشخص غير مرتاح أو في مزاج مكتئب. الأكثر من ذلك هو وجود علاج يسمى «العلاج بالضحك» وهو نوع من العلاج المعرفي السلوكي الذي له دور جوهري وإيجابي على الصحة النفسية والمناعة.
- التدليك: من المعروف علمياً أن الإجهاد الذي لم يتم التعامل معه بطرق صحية له العديد من الآثار السلبية والضارّة على الجسم نتيجة كبت المشاعر. بعد مراجعة النظريات والأبحاث في علم النفس على مرّ السنوات، يمكن استنتاج أمرين رئيسيين: الأول هو أن التدليك له علاقة مباشرة بالنتائج الصحية السليمة. والثاني هو أن الدراسات تؤكد أنه على الرغم من وجود تغييرات فيزيولوجية ولو خفيفة تحدث من خلال التدليك، فإن تصوّر المرضى للتوتر والقلق انخفضت بشكل كبير بعد التدليك. وقد بيّنت الأبحاث أن الفعل البسيط للعناية الذي يرتكز على اللمس، وحتى تدليك اليدين أو القدمين البسيط لمدة 5 دقائق يفيد في خفض مستوى التوتر. فمعظم الدراسات تشير إلى أن التدليك له تأثير كبير في خفض مستويات القلق والألم وزيادة مستويات الإندروفين. وفي دراسات أخرى عديدة تبيّن أن العلاج بالتدليك يرتبط بشكل كبير بالتخفيف من عوارض الإكتئاب.
الخلاصة:
يمكن أن تساعد بعض الأنشطة البسيطة مثل ممارسة الرياضة والاستماع إلى الموسيقى والطهي والتدليك والتأمل في زيادة إنتاج هرمونات السعادة. إذا كنت تواجهين صعوبة في تنظيم حالتك المزاجية، فتحدثي مع مقدّم الرعاية الصحية المتخصّص والذي يمكنه اقتراح أو وصف الفحوص والعلاج الملائمين بحسب كل حالة.
ما العلاج الجدلي؟ .. اكتشفي فوائده وخطواته من خلال هذا الرابط.
*ملاحظة من "سيدتي نت" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.