يُحرّك التصميم الداخلي المدروس الحواس، ويجعل كلّاً من البصر والشم والسمع واللمس تعمل في وقت واحد، كما يُسهّل الحركة في الفراغ المعماري؛ الأمر الذي يُحوّل كل لحظة مُنقضية فيه إلى ذكرى جميلة. يُمثّل ما تقدم جزءاً من فلسفة اللبنانية كارول عكاري، مُهندسة العمارة الداخلية ومُصمّمة الإضاءة ومُهندسة المناظر الطبيعية والأُستاذة الجامعية. كانت عكاري عائدة من دبي، مُكرّمة عن تصميمها لعيادة تجميل في بيروت، قبل إجراء الحوار مع «سيدتي»، والأخير يتشعب وينتقل من التصميم وأدواره في حياة البشر إلى الجائزة.
تصوير البورتريهات: جان بيار طربيه
كارول عكاري
ما تعريفك للتصميم الداخلي؟
التصميم دنياي؛ هو يتمثّل في تصوّر الطريقة الأمثل التي يمكن بحسبها السكن في المساحات واستخدامها، ويُساعد على تغيير نمط العيش وأسلوب الحياة اليومية إلى الأفضل وإراحة النفس وتحقيق الرفاهية. أرى أن التصميم يقوم على أساسيات، هي: البحث المتواصل، والتطور في استخدام مواد الطبيعة، ودمج الأخيرة بالمساحات الداخلية، والتعاون مع شركات عالمية وحرفيين مهرة. أُركز في أعمالي، في إطار التصميم الداخلي للمشاريع السكنية، على النمط المعيشي الخاص بكل عميل، وابتكار هوية خاصة لكل منزل، كما أعتمد على تنسيق المساحات بصورة مُعاصرة تُظهر الأخيرة، وبوضوح، وأتكئ على مبدئي التناغم والتوازن، كما العملية، وذلك في مرحلتي التخطيط والتنفيذ، مع أخذ ذوق كل فرد في العائلة وتحفيزه على المشاركة في التصميم.
ماذا يُمثّل المنزل لك، من الناحية التصميمية؟
المنزل مكان إقامة الفرد (أو العائلة)، وهو بيئة مألوفة أو مُعتادة للساكن، كما مُلائمة له. بمعنى آخر، لا بُدّ أن يتناغم الفرد مع البيئة المنزلية، حتى يسترخي فيها من ضغوط اليوم. لذا، يجدر بالمُصمّم ترتيب مساحة البيئة المنزلية ومحتوياتها، من ألوان وأنسجة وإضاءة وغيرها، بطريقة تجعل ساكنها يقضي وقتاً مُمتعاً داخلها ويشعر بالراحة والسلام؛ أي بصورة مُعزّزة للعيش الجيد والرفاهية. بمعنى آخر، يقود تصميم المنزل بصورة مدروسة إلى نسج بيئة مُريحة ومُهدّئة وهادئة، بيئة تُعبّر عن هوية صاحبها، وعن تفاصيله الصغيرة والكبيرة. للمنزل معنى عاطفي عميق. لكل منّا ذكريات عن منازل سكنها أو زارها، لا سيما منزل الطفولة.
"لكل منّا ذكريات عن منازل سكنها أو زارها، لا سيما منزل الطفولة"
الذكاء الاصطناعي في عالم التصميم
ما التطورات الطارئة على صعيد التصميم: منذ أعوام يحكى عن أهمية الاستدامة. وهناك دور الذكاء الاصطناعي، ما موقفك مما ذكر؟
منذ أعوام عدة، هناك تحول جذري في طريقة تصور المصممين للمشاريع العامة والخاصة وتنفيذها، فالمُصمّمون يأخذون في الاعتبار أهمّية الاستدامة، ويُركّزون على ثلاث ركائز: اقتصادية وبيئية واجتماعية. من جانبي، الاستدامة والحدّ من التلوث الضوئي من أولوياتي؛ لا يتعلّق الأمر باستخدام مواد صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير والحفاظ على الموارد الطبيعية والتقليل من البصمة الكربونية فحسب، بل يمتد إلى الارتقاء بحاجات الإنسان في المكان الذي يشغله، وتحقيق العافية له من خلال جعل الضوء الطبيعي يدخل المساحات والزرع الأخضر يتقاسمها. كما أحرص على الحدّ من التلوث الضوئي من خلال استخدام تركيبات الإضاءة الأكثر كفاءةً والتوفير في فواتير الخدمات.
يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط المهندسة والمصممة كارول عكاري
ماذا عن الذكاء الاصطناعي؟
هناك تطور نوعي آخر، تقني الطابع، يتمثّل في الذكاء الاصطناعي، والأخير مُساعد في إيصال الأفكار إلى العملاء، بطرق ذكية وسريعة. في شركتي (CCONCEPT)، أستخدم الذكاء الاصطناعي، بشكل فعال، في الأعمال الهندسية، وذلك في إطار إتمام المهمات، والتوسع السريع في مجالات التسويق وتصميم المنتجات. أفخر بتوظيف الذكاء الاصطناعي في أعمالي. لكن، تجدر الإشارة إلى أنه لا يحل محلّ فكر المهندس وثقافته. هو مجرد أداة مساعدة في تحقيق غاية.
في إطار التعليم الجامعي، كيف تنظرين إلى طلاب التصميم اليوم؟ وهل من اختلافات عن الأعوام التي كنتِ بدورك طالبة خلالها؟
بالطبع، هناك اختلافات بين طلاب اليوم وطلاب الأمس في جيلي؛ السرعة مُحرّك لكل الأمور، في كل المجالات، بما في ذلك مجال التعليم. صحيح أني أُفيد من الأدوات والبرامج، التي تُسرّع أمور مثل: تحضير المحاضرات وموضوعات المناقشة. لكن، لا يمكن القفز عن سيئات السرعة، التي قد تجعل البعض يغفل عن تطوير الذات وإغناء الثقافة وابتكار التصميمات المختلفة من دون نسخ الأخيرة من شبكة الإنترنت. في الأعوام، التي كنت طالبة فيها، بحثت في الكتب والمراجع وصوّرت أكواماً من الملفات وسهرت الليالي لتقديم فكرة واحدة. راهناً، بفضل التطور الدائم والسرعة، يسهل تقديم أفكار عدة، خلال وقت قصير نسبيّاً.
في سجل أعمالك تصميم ليخت، هل الاستلهام من البحر أساس في هذا النوع من المشاريع؟
يختلف تصميم اليخوت اختلافاً جذريّاً عن أي تصميم آخر؛ للمركبات المذكورة ترتيبات مختلفة، لنواحي المساحات الداخلية والوظائف المتعددة والرقابة من هيئات التصنيف التي تضع شروطاً حازمة مُتعلّقة باستخدام مواد التصميم الداخلي، والأخيرة يجب أن تكون مصنوعة خصيصّاً للمنشآت البحرية ومضادة للحريق ومقاومة للماء... وحائزة على شهادات لإثبات ذلك. لكن، صحيح ما ذكرته في السؤال عن ضرورة الاستلهام من البحر، في التصميم الداخلي، مع دمج الراحة والرفاهية بالأعمال.
«الإضاءة شغفي»
أنتِ متخصصة في تصميم الإضاءة أيضاً، ويشهد هذا العالم تطورات متلاحقة. ما دور الإضاءة في المنزل المعاصر؟
تصميم الإضاءة شغفي وعشقي، لا سيما الإضاءة العصرية التي تجعل شاغل المساحة يحلم، كما هي تبرز التفاصيل التصميمية الصغيرة والكبيرة. تخلق الإضاءة سيناريوهات عدة وتقوم بوظائف بالجملة، ففي المساحات العامة والحدائق تحقّق الأمن والأمان، وفي المشاريع الداخلية تبرز خصوصيتها. الضوء الطبيعي جزء من هندسة العمارة؛ الأسقف والجدران والنوافذ وموقع المشروع وما إلى ذلك. لكن، يمكن تعظيم دور الضوء الطبيعي من خلال التقليل من خيارات حجب النوافذ إلى الحد الأدنى، كما استخدام الأسطح العاكسة لتعظيم أي ضوء متوافر، وذلك حتى يشرق الفراغ ويبدو أكثر فسحة وسعادة. لناحية تركيبات الإضاءة، الناعمة منها والمنتشرة مهمة للغاية، في إطار خلق جو منزلي مرغوب، وجعل الغرف مريحة، والحصول على العمق الجمالي، وكل الوظائف المستندة إلى الضوء.
ما نشاطاتك اليومية وهواياتك خارج الأستديو ومواقع المشاريع؟
لديّ التزامات يومية تجاه عائلتي (زوجي وابنتي وابني)، لكن هذا لا يمنع من ممارسة الرسم والرياضة والسباحة والتأمل... كما الالتزام بالنشاطات الاجتماعية.
جائزة دولية عن تصميم مركز جمالي
عن فئة الخدمة العامة للهندسة الداخلية، ضمن جائزة International property Awards 2023، عادت المهندسة كارول عكاري، المُمتدّة خبرتها على مدى 18 عاماً، من دبي، حاصدة أعلى النقاط بين المشاريع المقدمة من الدول العربية. وفي يوم إجراء المقابلة، مع «سيدتي»، تبلغت بوساطة البريد الإلكتروني فوزها في المسابقة على صعيد القارات الخمس. ستجري مراسم الاحتفال وتسلم الجائزة في 22 فبراير / شباط من العام المقبل (2024)، في لندن.
مشروع عكاري الفائز عائد إلى التصميم الداخلي الفخم والمعاصر لعيادة الدكتور كوستي الهبر، ببيروت. في هذا الإطار، خلقت عكاري هوية وعلامة تجارية للمشروع ذي التصميم الداخلي المُميز بالرفاهية، مع دمج التكنولوجيا الذكية بمختلف أجزاء المكان وتنسيق الإضاءة، محققة جمالية، وأخذ احترام البيئة في الاعتبار، والتركيز على إعادة التدوير.
يقوم التصميم على وحدة نمطية MODULE قابلة للتكبير أو التصغير للحلول في أي عيادة مستقبلية، في حال إتاحة حق الامتياز للافتتاح في أماكن أخرى بدول عربية وأوروبية.
في المشروع، عملت عكاري من خلال شركتها، على جعل التصميم «يلتقط» حواس مرتادي العيادة، كما العاملين فيها، من خلال الرائحة المُنتشرة، والموسيقى المُشغّلة، ومضمون شاشات التلفزة المبثوث، والإضاءة التي تتغير بحسب ساعات اليوم. كما ركزت على أن تكون حركة المرتادين والعاملين في المكان مُتدفقة، مع الحفاظ على خصوصية من يقصد العيادة، خصوصاً عند الانتقال من نقطة إلى أخرى. ووضعت نصب عينيها تحويل زيارة المكان من مجرد إجراء جمالي إلى تجربة خاصة.