من قلب عاصمة الأنوار، باريس، تمتزج روائح الحناء المغربية؛ لتبدع لوحات ونقوشاً مغربية أصيلة من صميم التراث المغربي، بروافدها العربية الأمازيغية الأندلسية.
خطت الفنانة المغربية المقيمة في باريس، حنان العلوي، لنفسها سبيلاً فنياً على قدر كبير من التميز؛ حين جعلت من الحناء وصفتها الأساسية لرسم لوحاتها، وأحياناً مع مزيج من الصباغة العصرية، لتقدم لوحات وتحفاً فنية هي في الغالب ترجمة للهوية المغربية بمختلف روافدها الحضارية والثقافية واللغوية.
هوية أمازيغية مغربية
نجد في لوحات وأعمال حنان، فسيفساء من الأعمال الفنية التي تعكس عمق وترسخ الهوية المغربية، انطلاقاً من الزخرفة التقليدية في التحف الفنية الشائعة في مختلف مناطق المغرب، أو من خلال الحروف العربية والأمازيغية، كما أن الحروف العربية تجد لنفسها تلوينات مختلفة في أعمال العلوي؛ من خلال الخطوط المختلفة الشائعة في فن الخط العربي، وعلى رأسها الخط المغربي الأندلسي، وتلعب الحناء في كل هذا دوراً أساسياً، على اعتبارها المادة الرئيسية للنقش والزخرفة.
تقول حنان العلوي لـ«سيدتي»: «أستلهم لوحاتي من زخارف القفطان المغربي، واللباس التقليدي المغربي عموماً، والذي يعتبر رافداً من روافد الفن الشعبي، خصوصاً الملابس النسائية التقليدية الغنية بالصنعة والزخرفة التي يبدعها المعلم الحرفي».
وتضيف: «بدأت علاقتي بالرسم في وقت مبكر، نشأتي في بيت عربي أمازيغي بالمغرب أثر كثيراً عليّ، كنت منبهرة بكل روافد هذين الثقافتين المتمازجتين على حد الانصهار؛ انصهاراً يبدو أولاً في الشخصية المغربية بهويتها المتفردة، وانصهاراً آخر فنياً؛ من خلال تمازج ما هو عربي وما هو أمازيغي وما هو أندلسي، من دون أن ننسى طبعاً العمق الإفريقي المغربي وتراثه الصحراوي الرائع».
وعن اختيارها لهذا المجال الفني من قلب باريس، تقول: «ربما تكون باريس ملهمة لي من حيث إن المدينة تتنفس تاريخياً الفن بمختلف أصنافه. أنا من أسرة لها جذور في هذا المجال، وكان من الممكن أن أتخصص في الرسم التشكيلي مثلاً، لكن قراري بسلك هذا المجال عبر الرسم بالحناء؛ لم يكن نابعاً من فراغ، بل يمكن أن أسميه بأنه نداء نبع من أعماقي، قد أكون مثل شجرة مغربية اختلقت لنفسها تربة مغربية في قلب باريس».
فن التدوير
بالإضافة إلى لوحاتها، سلكت حنان العلوي طريقاً موازياً لا يخلو من إثارة، فقد أعادت الحياة إلى أشياء كان مصيرها الحتمي سلة القمامة، مثل القناني الزجاجية، التي تحولت إلى تحف مكللة بزخرفة مغربية بديعة.
تقول العلوي: «مرة، احتفلت صديقتي المكسيكية بعيد ميلادها، ولاحظت في الحفل وجود قناني رشيقة فارغة سيكون مصيرها سلة القمامة، أخذتها وحولتها إلى ما يشبه أجساداً بقوام جميل عليها ملابس مزخرفة مطعمة بالحلي»، وفي صفحاتها على «إنستغرام» و «فيسبوك» تضع العلوي الكثير من أعمالها.
شغف العلوي بهذا الفن جعل كل ما يمرّ أمامها يتحول إلى تحفة؛ فقد حولت الشموع الجامدة إلى قطع فنية مزخرفة ومحلاة بالجواهر. تقول: «الشموع ظلت ركناً أساسياً من حياة المغاربة في الأيام العادية، ورافقتهم على مدى التاريخ، وحتى عندما صارت مجرد ترف مع انتشار الكهرباء في كل مكان، بقيت الشموع جزءاً أساسياً من أفراح وأعراس المغاربة، وأحد الأركان الأساسية للزينة والديكور، لكني أحاول أن أحوّل شمعة من مجرد قطعة جامدة ملونة إلى قطعة فنية تزخر بالحياة، وتعبق بروح الهوية المغربية».