استطاع الطبيب الجراح أيمن بوبوح أن يجمع بين حبه للطب وشغفه بالسفر والكتابة والإعلام، ومؤخراً قدم إلى جانب المنتج والمخرج الشاب المهدي الناصري، فيلماً وثائقياً باسم "معاني من الهند" ، وهو الفيلم الثالث الذي أنجزه بعد فيلمين عن "معاني من مكة" و" معاني من الأمازون "، وهي تجربة انخرط فيها الطبيب الجراح منذ سنوات، عبارة عن تجارب سفر، توثق لرحلات في الثقافة و الحياة اليومية.
وكانت موهبة السفر والكتابة قد رافقت بوبوح منذ سنوات في كلية الطب بـ الرباط .
اختيار مجال الطب
بدأت علاقة الطبيب بالكتابة كما يقول لسيدتي منذ سنواته العشر الأولى، حيث قفزت هذه الموهبة أو الرغبة عندما عثر بالصدفة عن رسائل خطها عمه، الذي كان قد توفي عن سن لا يتجاوز الأربعين بالسرطان، يقول الطبيب «تفاعلت شدة مع تلك الرسائل أو الخواطر التي قرأتها وانجذبت إليها، من هناك اجتاحتني رغبة الكتابة، ولعلها أيضاً كانت رغبة دفينة للتعبير عن نفسي».
عاش بوبوح بعضاً من العزلة في سن الدراسة الابتدائية؛ حيث كان في صغره يعاني من التلعثم في الكلام أو التأتأة، وساوره شعورٌ بأنه مختلف، فتأثر كثيراً بتعامل الأساتذة والناس من حوله، يقول: " لعلني تخلصت من هذه المشكلة في الصف الثانوي، لأنني كنت متفوقاً وكانت علاماتي الجيدة آنذاك هي جواز مروري للآخرين".
أما اختياره مجال الجراحة أشار الطبيب الشاب إلى أنه أحب مهنة الطب، لاسيما أن والدته كانت تعمل كطبيبة أخصائية للأمراض الصدرية، فكان يراقب عملها الذي لم يكن ينته بعودتها للبيت، بل كان بمثابة نمط حياة، لكنها في الحقيقة، بحسب ما قاله، لم تشجعه على العمل في هذه المهنة، هي وكل عائلته إذ كانت تريده أن يعمل في مهنة عسكرية ويكون شرطياً مثل أعمامه.
تجارب وأسفار
يوضح أيمن: «لعل ما استفز رغبتي في الإقبال على الطب والجراحة بالضبط هو مشهد مروع لحادثة سير خلال أحد أسفارنا، حيث كنا أمام مشاهد مروعة لعائلة تحولت حياتها في السفر إلى مأساة، سارعنا للإنقاذ وشاهدت مناظر بشعة تقشعر لها الأبدان، وأنا في سن الثامنة عشر من عمري، لكنني لم أصدم هناك، فقد شعرت بحدس ما، وكانت الحادثة هي التي حددت مصيري ليختارني الطب، لأني اجتزت مباريات أخرى في المجال العسكري ولم أنجح وكنت في آخر لائحة انتظار للناجحين، فدرست الطب بعد أن تم قبولي في مسابقة كلية الطب بالرباط عام 1997، في اللحظة الأخيرة». ثم تخصص بوبوح بالجراحة الباطنية في كلية الرباط، ثم في بروكسيل ببلجيكا.
وفي هذه الأثناء أنشأ الشاب مدونته، التي يعبر فيها عن مواقفه وتداعياته من خلال أسفاره داخل وخارج المغرب، إلى جانب مشاركاته في عدد من القوافل الطبية، إلى أن تطورت الفكرة تدريجياً مع التدفق الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، لإنشاء منصة للتعبير المنظم من خلال موقع «معاني»، ينخرط فيه شباب آخرون في مجال الكتابة والتصوير.
وقد اختار أيمن أن يسافر قبل البدء في عمله بعد التخرج، لكي يعيش في دولة غينيا ويغير فضائه تماماً، ويقول إنها كانت تجربة استثنائية، حيث كانت غينيا تعيش وقتها وضعاً سياسياً متأزماً بسبب العصيان المدني، وعمل هناك كمدرس بإحدى مدارس الطب الخاصة.
غيرت هذه التجربة في نفسيته أشياء كثيرة وكتب عنها وغيرت حتى من رؤيته للعالم، ثم اشتغل بالمغرب وأسس إلى جانب زملائه في الطب أول مجمع طبي بمدينة تمارة المجاورة للرباط في تجربة فريدة تقاسموا فيها روح التعاون والتآزر المهني والإنساني.
من أبواب متفرقة
أعماله المستقبلية
لبوبوح كتاب قيد الطبع تحت عنوان :«من أبواب متفرقة» يسجل فيه تجاربه المهنية والإنسانية من خلال العمل الجمعوي والمهني والأسفار، التي أعاد فيها ترتيب أولوياته في الحياة، ووتمكن من خلالها من سبر أغوار الإنسان في رؤية فلسفية عميقة تقبل على قبول الاختلاف، وتوسيع النظرة للعالم ونسبية العلم والمعرفة، يقول: «اكتشفت أننا مهما تعلمنا وأدركنا معاني الحياة فنحن لا نعرف شيئاً».
وتجدر الإشارة إلى أنه يحضر لتقديم مجموعة فيديوهات لشهر رمضان، للتوعية بمحتوى هادف تحت عنوان "شفاء" لأجل تبسيط بعض المفاهيم الطبية وتقاسم معلومات صحية علمية مع الآخرين.
ويؤكد الطبيب أنه مدين للكتابة أكثر لأجل التعبير عن خوالجه والخروج إلى عالم رحب ومتنوع.