حكايات قبل النوم عادة جميلة تواظب عليها غالبية الأمهات بحب واهتمام، وتسعد بها الابنة فرحة بقربها من والدتها، وحتى يكبر قلبها بالمعاني الجميلة، وقصة هل نسيتني يا أمي؟ واحدة من القصص التي توضح أهمية استمرار الحب في حياة الطفل..حتى يكبر، واحتياجه للقدوة من دون كلمات أو توجيهات مباشرة
ياسر هو الطفل رقم (6) في ترتيب إخوته؛ جاء بعد خمسة من الأولاد ليصبح الأصغر.. آخر العنقود، الأخ المحبوب والابن المدلل في قلب أمه ،أتم ياسر عامه الخامس، وبدأت الأم في إعداده للذهاب إلى الحضانة، ليبدأ أولى خطواته في رحلة العلم، ولكن يبدو أن جلوس ياسر بالبيت لساعات طويلة وحده، وتدليل أمه الزائد له صعّب على ياسر فكرة ترك البيت وحضن أمه والذهاب بعيداً عنها إلى الحضانة، رغم حبه لتقليد إخوته في كل ما يفعلون
ياسر يستيقظ كل يوم في موعد ذهاب إخوته إلى المدرسة؛ يشاهدهم وهم يجهزون حاجاتهم، وهم يتناولون إفطارهم ويضعون الساندويتشات في حقائبهم التي يعلقونها فوق ظهورهم، ويرى أمه وهي تودعهم وتضع قبلة على جبين كل واحد منهم متمنية لهم التوفيق وحسن الانتباه والإنصات للمعلمة
ياسر كان يقوم بتغيير ملابس النوم وقت ارتداء إخوته للزى المدرسي، و من أمه يطلب لف ساندويتشاته مثل إخوته ليتناولها وحده خلال ساعات اليوم، وإن جلس بالبيت كانت الورقة والألوان لعبته، وكأنه يذاكر مثل إخوته، وإن خرج مع أمه إلى السوق، أو ذهبت لزيارة جارة وصحبته معها.. كان يصر على أن يعلق حقيبته الصغيرة وراء ظهره
تفهمت الأم حب ياسر الكبير لإخوته وسعادته بتفاصيل ذهابهم إلى المدرسة، فقررت أن تأخذه من يده لزيارة الحضانة التي سيلتحق بها بعد أيام، هناك شاهد ياسر الفصل والحديقة، واللعب المتراصة على الجانبين، و قابل إحدى المعلمات التي شرحت له بحب وهدوء عالم الحضانة والصحبة الجميلة
وفي أول يوم للذهاب للحضانة لم يبك ياسر ولم يعترض، لم يشد على يد أمه ليبقيها بجانبه، حمل حقيبته وودع أمه وجلس بالفصل فرحاً مسروراً مستعداً لاستقبال كل جديد من معلمته الجميلة
وصادف أن عاد ياسر بأتوبيس الحضانة مع موعد رجوع إخوته من مدارسهم، فتحت الأم لهم الباب مسرعة- مشغولة بإعداد وجبة الغذاء- ورحبت بجميع أولادها بقبلة في الهواء وكان ياسر معهم ، بعدها ذهب الجميع إلى غرفهم لتغيير ملابسهم
وهنا فوجئت الأم برجوع ياسر وحده، وعلى ملامحه غضب واستنكار شديدان مع استعطاف طفولي محبب، ليسألها في حب عميق : أنا ياسر .. هل نسيتني يا أمي؟
تركت الأم ما بيدها وفهمت ما يقصده ياسر،وركعت على الأرض لتحتضن ولدها الصغير الغضبان الشاكي، ولتضع على خده وجبينه قبلة التميز والتفرد التي ينتظرها.. آخر العنقود