ظهرت موهبة الفنان التونسي صابر الرباعي في وقت تعجّ فيه الساحة الفنية بالعديد من التيارات الغنائية الهابطة التي أفسدت الذوق الفني، لكنه رفض الانسياق وراء السائد، واتجه لتكوين لون غنائي خاص به، يجمع بين الأصالة والتطور الموسيقي.
لم يتخل صابر يوماً عن هوية الموسيقى التونسية، إذ يحرص في المحافل الدولية على غناء عدة أغانٍ من التراث التونسي، فهو يرى أن الفنان يجب أن يكون سفيراً لبلده ويعرّف البلدان الأخرى بثقافته الفنية والموسيقية.
أدرك الرباعي باكراً مواطن الجمال في طبقات صوته، فكان يختار من اللحن الذي يضيف للكلمة، ونجح في ذلك من خلال التعامل مع ملحنين وشعراء أكفاء. لذا ليس غريباً عليه أن يذهب إلى كنوز الشاعر نزار قباني، حتى استفزته قصيدتان لتقديمهما، وكان آخرهما "جريدة الرجل الثاني" التي حققت نجاحاً كبيراً.
التقت "سيدتي" بالنجم التونسي صابر الرباعي، خلال مشاركته في مهرجان الموسيقى العربية بدورته الاستثنائية التي حملت رقم 29، بدار الأوبرا المصرية للوقوف معه على أهم محطاته الغنائية وكيف أثّرت كورونا على حياته كفنان وإنسان. وإلى نص الحوار.
لنبدأ معك من رحلتك إلى مصر. إلى حيثُ دار الأوبرا المصرية حيث شاركت في مهرجان الموسيقى العربية بدورته التاسعة والعشرين دون أن تعير اهتماماً بالظروف غير الصحية التي فرضها فيروس كورونا. ماذا يمثل لك المهرجان تحديداً والفن بشكل عام؟
الفن بشكل عام هو الحياة. فبجانب أنه مهنتي فهو أيضاً حياتي، فأنا اتنفس "مزيكا". أما ما يخص مهرجان الموسيقى العربية فهو فخر لأي فنان عربي المشاركة فيه، والظروف لم تمنعني من المجيء إلى مصر والمشاركة في واحد من أهم مهرجانات الموسيقى في الوطن العربي، نظراً لقيمته ورسالته التي تتفق مع رسالتي الفنية، فالمهرجان يحافظ على أغاني التراث الموسيقي من خلال إحيائها وسط زخم الأغاني والتيارات الغنائية الهابطة التي تعجّ بها الساحة الفنية في الوقت الحالي.
ألهذا حرصت على تقديم أغانٍ من التراث التونسي في حفلتك بالمهرجان؟
طبعاً، الفنان يجب أن يكون سفيراً لبلده، وأنا كفنان لابد أن أنقل أغاني التراث التونسي والثقافة التونسية للجمهور المصري، ولا أستطيع أن أصف مدى سعادتي عندما أرى انسجام الجمهور مع أغاني التراث التونسي الذي بات يطلبها مني في حفلاتي. حينها أشعر بأنني قدمت رسالتي بنجاح.
ألم تخش من الظروف الصحية التي فرضها كورونا؟
أولاً الوضع في مصر مستقر مقارنة بالشعوب الأخرى، ثانياً الفن يجب أن يستمر، ومن هنا أحب أن أوجه تحية كبيرة للدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية لحرصها على مواصلة الحركة الفنية وإطلاق مهرجان الموسيقى العربية في هذه الظروف الصعبة التي وضعتها بالتأكيد أمام تحديات كبيرة.
ظهرت في فترة موجة تردٍ بالغناء لكنك رفضت الانجراف وراء هذا النوع الغنائي. إلام تردّ ذلك؟
الفنان كي يكون متميزاً، يجب أن يصنع لنفسه حالة فنية منفردة، وألا ينساق أبداً وراء أشكال وأنماط موسيقية لا يظهر فيها صوته ولا يحبها ولم يتعودها منها جمهوره أبداً، الفن بالنسبة لي ليس مهنة لجني الأموال، الفن رسالة سامية مبنية على مشاعر وأخلاق، لها أثر عميق على النفس ولها مغزى في الحياة، حيث يكمن الإبداع والتميز والأصالة والتفرد، وهي الوسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس. ولا شك أننا عندما نرى أي قطعة فنية، أو أي مشهد فني، أو قصيدة ما فغالباً ما تحرك مشاعرنا المختلجة تجاه ما نتلقاه. فالرسالة التي يحملها الفن أقوى رسالة مفهومة لدى الشعوب، وكل شعب له فنه الخاص وله صبغة تختلف عمن حوله، فهي اللغة العالمية التي يستطيع جميع البشر ترجمة معانيها، ورموزها وفك شفراتها.
"ع اللي جرى" وش السعد عليّ
جئت إلى مصر في فترة كان جواز مرور أغلب المطربين العرب لها هو أن تغني أغنية وطنية. لكنك عبرتها بأغنية "ع اللي جرى". حدثنا عن هذه المحطة؟
"ع اللي جرى" من أهم المحطات الفنية في حياتي، فهي نقلة بالفعل، فهي كانت بداية تعارفي بالجمهور المصري، الأغنية كانت "وش السعد عليّ" ، كما أن ملحنها الموسيقار حلمي بكر أعجب بصوتي وأدائي لها، وهذا في حد ذاته شهادة كبيرة.
نجاح الأغنية هل يضاعف من حجم المسؤولية المُلقاة على عاتقك كفنان؟
أغنية "ع اللي جرى" للفنانة التونسية عليا، تقديمي لها كان بمثابة إحياء للأغنية التونسية الأصيلة، بالتأكيد تضاعف من حجم المسؤولية، فكان عليّ اختيار لحن وكلمات لا تقل في قوتها عن الأغاني التراثية، خاصة أن الجمهور أحبني في هذا اللون، لذا كنت أنتقي كثيراً في الكلمات قبل غنائها.
وما معايير الكلمة التي يبحث عنها صابر الرباعي؟
أن تحمل مغزى ومعنى، وفي نفس الوقت يكون وقعها سهلاً على المتلقي.
تابعوا المزيد: صابر الرباعي نقيباً للفنانين في تونس
جريدة الرجل الثاني
وهل اهتمامك بالكلمة قادك للبحث في كنوز نزار قباني التي خرجت منه بقصيدتين "أين أذهب" ومؤخراً "جريدة الرجل الثاني" التي حققت نجاحاً بعد طرحها على اليوتيوب؟
ومن مِنا لا يحلم بأن يغني من قصائد الشاعر الكبير نزار قباني الذي أراه "أبو الشعراء"، فهو صاحب كلمة موزونة، قصائده تروي قصة وحكاية، وكلماته تحوي مشاعر وتعبر عن أفكار وأحاسيس.
وماذا عن ردود الأفعال التي جاءتك عن "جريدة الرجل الثاني" رغم أنها قصيدة ومفرداتها عميقة؟
جميعها كانت طيبة، والأغنية لمست كثيراً من الجمهور، وسعيد أن هذا اللون لايزال يحقق نجاحاً كبيراً لدى الجمهور، في وقت تعج فيه الساحة الفنية بالأغاني السريعة السهلة في الكلمة والمعنى.
عندما قررت الغناء لنزار قباني هل تخوفت من المقارنة بالنجم كاظم الساهر الذي دأب على تقديم أغاني نزار؟
كاظم أخي وهو فنان كبير، وكل منا له أداء مختلف، وهذا ما يميز المطرب، كما أنني لست أول ولا آخر مطرب يغني لنزار قباني، فقد سبق وغنت من أشعاره الفنانة السورية أصالة واللبنانية ماجدة الرومي وحققتا نجاحاً كبيراً، والجمهور لم يضعني في مقارنة مع كاظم عندما طرحت "جريدة الرجل الثاني".
حرصت على تقديم قصيدة "جريدة الرجل الثاني" "فيديو كليب" رغم كورونا. لماذا؟
لأنه كما قلت سلفاً، الحياة يجب أن تستمر، البلاد تعاني من وباء لكن الحياة "ماشية" طالما نتنفس، قمت بتصوير الأغنية في لبنان وأخذنا احتياطاتنا التي تكفل الحماية للجميع، كما أن الفيديو كليب لا توجد فيه تجمعات. كورونا غيرت من نمط حياتنا ولكن لم تلغها.
تابعوا المزيد: صابر الرباعي ممنوع من الاحتفال بالعام الجديد مع جمهوره المصري والسبب كورونا
الألبوم الأرشيف الحقيقي للفنان
"جريدة الرجل الثاني" أغنية سينغل. هل سيتنازل صابر الرباعي عن الألبوم ويسلك طريق السينغل؟
الوضع فرض علينا كعاملين في القطاع الموسيقي أن نكون متواجدين بشكل دائم من خلال أغاني السينغل التي تطرح على اليوتيوب، ولكن هذا لا يعني التخلي عن الألبوم، فهو الأرشيف الحقيقي للفنان.
كورونا دمرتني نفسياً
كيف أثرت كورونا عليك كفنان وإنسان؟
أولاً كفنان عطلتني كثيراً، كورونا دمرتني نفسياً، فجأة توقفت الحفلات والتصوير، وكان عليّ أن أمكث في المنزل لفترات لا نعلم متى تنتهي، وكإنسان لا يختلف كثيراً عن الفنان، فكرة أن حياتك تتوقف مرة واحدة فكرة مرعبة، ولكن بمرور الوقت اعتدت على ذلك وحاولت أن أمارس حياتي بشكل طبيعي في إطار المنزل، حيثُ يحتوي مكتبي على إستديو أسجل فيه أغنياتي بمعية مهندس صوت.
ولماذا لم تقدم حفلات "أونلاين" مثلما فعل معظم المطربين؟
لم أفكر في هذه الخطوة، لأني أحب التواصل بشكل مباشر مع الجمهور على المسرح، لكن تواصلت مع جمهوري هذه الفترة من خلال "السوشيال ميديا" طوال فترة الحجر المنزلي، نتحدث في بعض الأمور الفنية.
هل أصابتك أعراض وهمية جراء الوباء؟
كلنا أصابتنا أعراض وهمية جراء الوباء، لم أخش على حالي بقدر ما خشيت على عائلتي وأولادي.
هل أنت راضٍ عن المشهد الغنائي الآن؟
المشهد الغنائي يحتاج لمزيد من الهدوء أكثر من ذلك، وعلى النقابات الفنية الاهتمام بتقديم ورش عمل تعليمية للموسيقيين والفنانين، وتجنب اللهث وراء المادة والسائد، واحترام ذوق الجمهور الذي يعشق الأصالة.
وما اللون الذي يرفضه صابر الرباعي؟
أنا ضد سياسة التعنت. كل مطرب عليه أن يختار اللون الذي يليق عليه وأحبه الجمهور منه، وأنا أسعى أن تكون اختياراتي الغنائية فيها دقة وكلاسيكية في الموسيقى واللون الموسيقي الشرقي؛ لأنه اللون الذي يحبه جمهوري فيّ، ووضعني في المكانة والنجومية التي عليها الآن.
غنيت المقسوم والقصيدة والكلاسيكي والرومانسي . فأين أنت من اللون الشعبي؟
الأغنية الشعبية صعبة وليست سهلة، فهي خطوة لمزيد من التأني، فعندما بزغت الأغنية الشعبية ذات حمولة ثقافية وسياسية تهافت عليها الجمهور، لأنها حاولت أن تعكس صوراً سياسية واقتصادية واجتماعية، ما يعني أن الأغنية الشعبية كي تنجح يجب أن تكون نابعة من الشارع ترصد مواقف معينة وتروي قصصاً وحكايات من الحارات والأزقة.
لاشك أن هناك انحداراً خطيراً تعرفه الأغنية العربية في الوقت الراهن . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل السبب هو تدني الذوق العام؟ أم إحجام الإعلام وإسهامه في طمس معالمها؟
في كل زمن وفي كل عصر، تظهر موجات غنائية جديدة، وبعد مرور سنوات باتت هذه الموجات واقعاً، لذا أنا مع التطوير الموسيقي ولكن ضد البذاءة، فما تتعرض له الأغنية العربية من محاولات طمس الهوية، ومن ابتذال وتحول عن مسار «الزمن الجميل»، جعلها تتراجع ذوقياً وأخلاقياً ويزج بها في قفص المساءلة؛ لكونها أصبحت تضرب بالعادات والتقاليد العربية عرض الحائط، والسبب في ذلك تسليط الإعلام الضوء على التيارات الغنائية الهابطة، لذا أطالب الإعلام بتجاهل أنصاف الموهوبين والاهتمام بالفن الحقيقي، وتفعيل الدور الرقابي على الكلمات المستخدمة.
تابعوا المزيد: غياب أنغام واصالة عن مهرجان الموسيقى العربية وصابر الرباعي نجم حفل الختام
زوجتي وأولادي
من يحرص على سماع أغنيتك الجديدة قبل طرحها؟
زوجتي وأولادي، أبنائي يحبون الأغاني الهادئة، أما زوجتي إخلاص فتحب الأغاني الرومانسية والطربية.
لكل فنان طقوس معينة تمنحه مساحة لكي يبدع. فماذا عن صابر؟
أحب الهدوء وأنا أعمل، وزوجتي مشكورة تحاول تهيئة الأجواء الصحية التي تمنحني الفرصة للإبداع.
تابعوا المزيد: شاهد بالصور صابر الرباعي يحتفل بعيد ميلاد زوجته: ملهمتي وكل شيء جميل في حياتي
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي