تشارك السعودية بسمة الميمان بقيادة منظمة السياحة العالمية من العاصمة الإسبانية مدريد، بمنصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية، كأحد أهم خبراء السياحة في العالم، وهي أول مسؤولة خليجية في المنظمة، وأول سيدة تشغل هذا المنصب في تاريخ المنظمة الدولية.. كما أنها حققت نجاحات كبيرة في تعزيز علاقات السعودية بمنظمات دولية مثل البنك الدولي واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والعديد من الشركاء الدوليين في مجال السياحة والآثار والتراث والمتاحف والتراث العمراني. وصولها إلى هذا المنصب العالمي لم يكن إلا تتويجاً لجهودها وريادتها في المشاركة في تأسيس السياحة في السعودية، حيث صنفت مؤخراً في المرتبة 13 ضمن أقوى 100 امرأة عربية ضمن قوائم فوربس، وكانت المرأة العربية الوحيدة في قطاع السياحة التي أدرجت فيها.. وبمناسبة ذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية في 22 فبراير، كان لنا معها الحوار الآتي، حيث تحدثت عن هذه الذكرى المجيدة، وعن مسيرتها العلمية والمهنية وتبوئها تلك المناصب الرفيعة.
تنسيق | عتاب نور Etab Nour
حوار | محمود الديب Mahmoud Aldeep
تصوير | عبدالله المشرف Abdullah Almusharraf
مكياج | الحسناء عبدالرحمن Alhasna Abdulrahman
العبايات من تصميم | أروى العماري Arwa Alammari - نوف السديري Nouf Alsudairi
تصفحوا النسخة الرقمية العدد 2137 من مجلة سيدتي
ذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية، فرصة لنتذكر أمجاد رجال ونساء هذا البلد وما قدموه قبل ثلاثة قرون
صنفت أخيراً ضمن قائمة فوربس الشرق الأوسط لأقوى 50 سيدة أعمال لعام 2022، وقبلها ضمن قائمة الأكثر تأثيراً في 2020 ماذا يعني وجود اسمك والعديد من الأسماء السعودية في هذا التصنيف العالمي؟
الحمدلله هذ المرة الثانية التي يتم تصنيفي. الأولى كانت في 2020 حيث نلت المرتبة 13 ضمن قائمة الأكثر تأثيراً، وكنت أول امرأة والوحيدة من الشرق الأوسط في قطاع السياحة. وفي 2022 كنت أيضاً ضمن قائمة أقوى 50 امرأة في الشرق الاوسط والوحيدة من قطاع السياحة، وضمن 4 سعوديات فقط في القائمة وهذا يحملني مسؤولية أكبر فالسيدات الثلاث (لبنى العليان، سارة السحيمي، وهوثم العليان) قامات رفيعة في مجالاتهن ولهن كل التقدير والاحترام، وفي الوقت نفسه وجود اسمي ليس تقديراً لي وحدي، بل أعده تقديراً لكل امرأة عربية تعمل في السياحة، وبالنسبة للمرأة السعودية فهي تصنف مع النخبة من المواطنات العربيات في المنطقة من المبدعات والمتميزات.
يوم التأسيس المجيد
ماذا تعني لك ذكرى تأسيس الدولة السعودية في 22 فبراير للاحتفاء بالبطولات التاريخية؟
ذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية، فرصة لنتذكر أمجاد رجال ونساء هذا البلد وما قدموه قبل ثلاثة قرون، والذي استمرت منافعه إلى اليوم. كما أن هذا اليوم التاريخي جدير بالاهتمام لنتذكر مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود - يرحمه الله - وليتعلم الأجيال ويقتدوا بمن سبقوهم من القادة حتى اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - الذي يشهد عهده تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة، بشهادة المجتمع الدولي، وزيادة الفرص لتمكين المرأة والشباب في مسيرة التنمية الوطنية الشاملة.
وكما قال الملك سلمان - أطال الله في عمره - إن المرأة «هي مصدر التطور لأي مجتمع، فمن غير نساء متمكنات يصعب إصلاح المجتمعات؛ حيث إن المرأة هي نصف المجتمع وهن مربيات الأجيال. وقد أثبتت عبر التاريخ دورها البارز والفعال في قيادة التغير وصنع القرار».
كيف ترين مشاركة المرأة السعودية في رسم ملامح هذه المرحلة المهمة من تاريخ السعودية؟
هذه الأرض شهدت مشاركة المرأة، عبر التاريخ، في القرارات السياسية والاقتصادية والتنمية الاجتماعية. السيدة خديجة كان لها دور رئيس في نشر رسالة دولية. كما أن العديد من الاكتشافات الأثرية في مناطق المملكة، تثبت دور المرأة في العديد من المجالات، ومنها التنمية العمرانية في حقب تاريخية مختلفة. وللمواطنة السعودية تاريخ مشرف في تأسيس الأركان الاقتصادية والاجتماعية وفي النهضة التعليمية للمملكة. القصص التاريخية تعكس ثقة الملك عبدالعزيز بشقيقته الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وكان يستشيرها، وذكر المؤرخون أنها تعلمت القراءة والكتابة في زمن كان قلة من النساء يتعلمن ذلك. كما كان لها دور في العلاقات الخارجية، ذلك الوقت، حيث كان الملك عبدالعزيز يكلفها بمقابلة النساء، من مختلف أنحاء العالم، اللاتي يزرن المملكة مع وفود الحج، وكان يفتخر يها ويقول: (أنا أخو نورة). وكان لعمته الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي التي وقفت بجانبه وساندته وشجعته على استعادة تأسيس الدولة، ودعته إلى تثقيف النساء في قصره وتعليمهن. كما أن للملكة عفت الثنيان، يرحمها الله، دور كبير وأساسي لتعليم البنات الرسمي. وفي عهد الملك فيصل، يرحمه الله، أصبح تعليم البنات عاماً ويشمل الجميع. كل تاريخنا القديم والحديث يثبت أن للمواطنة دور رئيس في النماء والتقدم، حتى لو كان في اتجاهات محدودة، لكن للأسف لم يتم توثيقه بشكل كاف.
مسيرة التنمية في عزها
اليوم أين ترين المرأة السعودية من عجلة التنمية وخارطة الإنجازات؟
اليوم، ولله الحمد، مسيرة التنمية في عزها، والمجالات أصبحت متاحة بشكل أكبر للمواطن والمواطنة. ولحكومتنا الفضل في تمكين المواطنة السعودية حتى أصبحت تتقلد عدداً كبيراً ورفيعاً من المناصب، داخل المملكة وخارجها. اليوم هي السفيرة والقيادية في المنظمات الدولية، وكل ذلك تحقق في تاريخ زمني وجيز مقارنة بوضع المرأة في بعض الدول، التي لم يصلها الحق في التصويت وصناعة القرار إلا بعد مئات السنين من تأسيس دولهن. اليوم نحن في مملكة عز ونماء يعمل فيها المواطن مع المواطنة معاً بيد واحدة والمعيار في التطور هو الكفاءة وليس النوع الاجتماعي.
المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط
كيف تم ترشيحك لمنصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية؟
عقب تخرجي في جامعة الملك فيصل حصلت على ماجستير إدارة أعمال من الجامعة بالتعاون مع جامعة أكسفورد وكنت في هذه الأثناء على رأس العمل، وكان عملي يستنزف كل وقتي وطاقاتي لكن إصراري وعزيمتي قادني لأن أصبح من الدفعات الأولى للتخرج من هذا البرنامج الطموح، وعقب ذلك وجهني الأمير سلطان بن سلمان، يحفظه الله، حينما كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة السياحة، أن أبتعث لدراسة الدكتوراه، وفي أثناء ابتعاثي كان هناك منافسة دولية لمنصب مدير إقليمي في المنظمة الدولية للسياحة وترشحت رسمياً من المملكة لشغل هذا المنصب عام 2018 وتنافست للحصول على هذا المنصب مع سفراء سابقين ومتقاعدين وشخصيات رفيعة ووجهاء من دول مختلفة ووفقني الله للفوز بمنصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في المنظمة، لا سيما وأنه لم تسبقني أي امرأة من دولة عربية لشغل هذا المنصب في المنظمة. ولله الحمد أصبحت أول مسؤول خليجي في تاريخ هذه المنظمة الدولية يفوز بمنصب رسمي فيها وأول امرأة عربية، وأول امرأة تشرف على الإقليم. وهذا بعد جهد سنوات طويلة وكفاح مستمر كرست له وقتي ومعرفتي في العلاقات الدولية.
قمت بهندسة علاقة السعودية بمنظمة السياحة ومنظمات دولية حدثينا عن ذلك؟
بعد سنوات من العمل والتأسيس، أصبح عملي في الهيئة يركز على تطوير وتعزيز علاقات المملكة مع المنظمات الدوليّة المرتبطة بأعمال الهيئة كالبنك الدولي، واليونسكو والمشاركة في تسجيل المواقع السعودية على قائمة التراث العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها.
تأسيس اللجنة الدولية للبرامج والميزانية
ما تفاصيل دورك البارز في تأسيس اللجنة الدولية للبرامج والميزانية في منظمة السياحة العالمية وإصدار أول ميثاق دولي للسياحة في الأمم المتحدة؟
أسهمت، كأول مسؤول عربي، في تأسيس اللجنة الدولية للبرامج والميزانية في منظمة السياحة العالمية التي استمرت عضويتي فيها، ممثلة لإقليم الشرق الأوسط، حتى فوزي بمنصبي الجديد، كما أنني عضوة مجلس إدارة المؤسسة الدولية السياحة المستدامة والحد من الفقر، التابعة لمنظمة السياحة العالمية، الذي كان يضم في عضويته وزراء السياحة؛ وكنت العضو الوحيد في هذا المجلس الدولي دون مرتبة وزير حتى تحول هذا المجلس إلى منظمة دولية. وفي أثناء انعقاد الجمعية العامة (22) للمنظمة في الصين، تم اختياري بالإجماع من الدول الأعضاء لأكون نائبة رئيس اللجنة المتخصصة بإعداد المشروع النهائي لاتفاقية منظمة السياحة العالمية الإطارية لآداب السياحة، المعنية بأول ميثاق دولي للسياحة في الأمم المتحدة.
ما هي الإنجازت الملموسة التي حققتها السعودية في تجاوز أزمة كورونا وصناعة السياحة مستقبلاً؟
قدمت السعودية برنامج التأشيرات الإلكترونية الجديد في سبتمبر2019 للمساعدة في جذب السياح الأجانب. لدي قناعة بأن السياحة ستتعافى بشكل أسرع بكثير من ضربة فيروس كورونا في الخليج مقارنة بالاقتصادات الأوروبية وغيرها من الاقتصادات المتقدمة. بالنسبة للسياحة السعودية الأضرار والخسائر أقل بكثير مقارنة بالدول الأخرى. كما أن وزارة السياحة تعمل على تحقيق مستهدفات المملكة 2030 في السياحة وقامت بإطلاق مبادرة المجتمع المحلي في السياحة، وإطلاق صندوق ائتماني بالتعاون مع منظمة السياحة العالمية والبنك الدولي. بجانب دعم المملكة للدراسات الدولية في تمكين المرأة في السياحة والتعليم والتدريب.
أنماط السفر تتغير
ما هي أبرز أنماط السياحة الجديدة التي ظهرت في منطقتنا العربية والخليجية؟
بدأت أنماط السفر تتغير على مستوى العالم وفي منطقتنا العربية بشكل خاص، ولم تعد تلك الأنماط التقليدية التي ظلت سائدة لسنوات وسنوات. فعلى سبيل المثال انتعشت السياحة الداخلية في المملكة العربية السعودية وحدث ذلك بداية من صيف 2020، وكذا كان لجمهورية مصر العربية حضور قوي على خارطة السياحة الإقليمية فقد قامت بفتح وجهاتها الساحلية. فالجائحة أجبرت المسافر والسائح على السفر لعدد مرات أقل بعد ظهور الجائحة، لكن تزامن مع ذلك رغبته في إقامة أطول من السنوات السابقة. لقد أصبح السائح يفضل السفر إلى أماكن قريبة من مقر إقامته ولا يحبذ السفر إلى وجهات بعيدة مخافة حدوث أي تطورات تتعلق بإجراءات السفر. ومن التوجهات الجديدة للسياحة في المنطقة الإقبال الكبير على الوجهات الريفية والطبيعية للاستماع بالطبيعة. وحدث تحول وتغير كامل في سياحة الأعمال والمؤتمرات والاجتماعات وكانت هذه الأنواع من السياحة مصدراً مهماً ورئيساً لشركات الطيران والفنادق، فالاجتماعات عن بعد أصبح لها تأثير كبير على سياحة الأعمال وقد يستمر هذا التأثر لفترة طويلة يصعب تحديدها في الوقت الآني. وأصبحت السياحة الترفيهية هي القادرة على قيادة دفة السياحة والنهوض بها بعد تراجع سياحة الأعمال، وظهور هذه الأنماط الجديدة من السياحة لا يقتصر على منطقتنا فقط بل ينعكس بشكل كبير على باقي دول العالم.
المجتمع الإسباني يعشق السعودية
بحكم إقامتك في مدريد، هل أنت منخرطة بشكل كامل داخل المجتمع الإسباني؟
المجتمع الإسباني يعشق السعودية والسعوديين كثيراً وهذا ما لمسته في أثناء تعاملاتي اليومية في العاصمة الإسبانية مدريد، لكن للأسف حرمتني الساعات الطويلة التي أقضيها في العمل داخل المكتب من الانخراط بشكل كبير داخل المجتمع هناك، ولم يسمح لي وقتي بتلبية الكثير من الدعوات التي أتلقاها للمشاركة وحضور الأنشطة والفعاليات في إسبانيا. وعلى الرغم من ذلك، تعرف إلى مجموعة من القياديات في المجتمع الإسباني إضافة إلى سيدات فاضلات.
كيف تصفين لنا مدريد؟
مدريد مدينة ساحرة وشاسعة المساحة مقارنة بعواصم أوروبية أخرى، كما أنها تحتضن أعرق وأحدث المتاحف في العالم إضافة إلى المسارح والمطاعم، ويمكن وصف جمال وبهاء مدريد بأنها مليئة بالحياة والبهجة.
متى بدأت أولى خطواتك في التعرف إلى الأمم المتحدة والمنظمات العالمية؟
بدأت في التعرف إلى الأمم المتحدة عندما كنت طفلة صغيرة في مدرسة أمريكية في إسلام آباد، ففي تلك الفترة كان والدي ملحقاً عسكرياً، فالمدرسة تقوم بتدريس الكثير من المناهج حول التمثيل في الأمم المتحدة وكيفية العمل، إضافة إلى المنهج الأمريكي الذي كنا ندرسه، ومع أن التحاقي بهذه المدرسة ودراسة تلك المواد لم يكن مخططاً له لتأهيلي للعمل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. ولكن كان بداية التعرف حتى وفقني الله للانضمام إلى الأمم المتحدة في عام 1989، وكان ذلك بالتحديد في 24 أكتوبر وكان من أهم أيام حياتي.
دعم الوالدين
نعلم ارتباطك الكبير بوالديكِ رحمهما الله، ما دورهما في دعمك خلال مسيرة حياتك؟
لم يكن عام 2020 عاماً عادياً، فقد فقدت والدتي بشكل فجائي وزادت أحزاني بوفاة والدي في ديسمبر 2021، بعد وعكة صحية لم تمهله طويلاً، وتلك الحادثتان أثرتا علي كثيراً، خاصة أنني الفتاة الوحيدة بين ثلاثة أشقاء، وقد عاملاني معاملة أشقائي نفسها من دون أي تفرقة، ونشأت على حب القراءة والمعرفة وكان الفضل لوالدتي فهي كانت قارئة من الطراز الأول، وهي من شكلت شخصيتي ووعي وكانت بالنسبة لي مدرستي وجامعتي الأولى التي تعلمت فيها الكثير من فنون الحياة والثقافة والعلم. وتنقلت مع والدي بحكم عمله كملحق عسكري بين عدة بلدان، وكان لكل بلد لغته ومناهجه الدراسية التي تختلف عن الأخرى، وأدين لوالدي، رحمه الله، بكل بالفضل. وما وصلت إليه في عملي الدولي لم يكن الإنتاج دعمه ووقوفه بجانبي.
وجود اسمي في قوائم أقوى سيدات الشرق الأوسط ليس تقديراً لي وحدي، بل أعده تقديراً لكل امرأة عربية تعمل في السياحة