مما لا شك فيه أن الإنسان أصبح يعيش تحت وطأة التكنولوجيا في مختلف مناحي الحياة، سواء رغب بذلك أم لم يرغب. وقد خلقت تلك التقنيات المتسارعة للتطور مشاكل عديدة بين شباب اليوم بينهم وبين أهاليهم إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن أيضاً لتلك التقنيات الحديثة العديد من الفوائد، من حيث التواصل مع الأهل، أو اطلاعهم على كل ما هو جديد في رمضان من تطبيقات مفيدة، أو فن الاستماع للكتب الإلكترونية، ومتابعة الأحداث العالمية لحظة بلحظة.
باختصار فإن التكنولوجيا سلاح ذو حدين تعتمد فائدتها أو مضارها على المستخدم نفسه. فكيف ينظر الشباب إلى هذا الموضوع، وكيف يتعاملون مع الأهل تكنولوجياً؟ هذا ما نطرحه لكم في التحقيق الآتي.
الرياض | يارا طاهر Yara Taher - جدّة | أماني السراج Amani Alsarraj
دبي | لينا الحوراني Lina Alhorani - تصوير | عبد الله رمّال Abdullah Rammal
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
تونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach - الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
رهام بخاري: التقنيات الحديثة من الممكن أن تتسبب في عزلة أهل البيت عن بعضهم البعض
بداية تقول رهام بخاري، فنانة تشكيلية، من السعودية، عن تجربتها مع أهلها: «أشعر بأن الأهالي متقبلون جداً في الفترة الحالية للتكنولوجيا، بل إن هذا ممكن يقربهم من عائلتهم، ويجعلهم أكثر تواصلاً وأسرع، وكل شخص منهم يُخرج فنونه في هذه المناسبة الدينية كالمعايدة بصور وعبارات مختلفة، وكذلك فإن وقت الطبخ الجماعي يمكن استثماره في الاستماع لبودكاست أو يوتيوب بصوت عالٍ والاستمتاع معاً». وتضيف: «أشعر في الآونة الأخيرة بأن الأهالي أصبحوا أكثر استخداماً للجوالات، والفارق في أن الأبناء يستخدمون حسابات تويتر وسناب شات وإنستغرام وتيك توك وغيرها، أما الأهالي فيكتفون بالواتس أب والسناب شات». أما من ناحية العيوب فتشير رهام إلى أنها من الممكن أن تتسبب في عزلة أهل البيت عن بعضهم البعض، واقتصار التواصل على الطرق الإلكترونية.
الأضرار أكثر من المنافع
عبد الله الغامدي: أنصح بتجربة روشتة استخدام الجوال ساعة في اليوم لمدة أسبوع في رمضان
فيما يشاركنا عبد الله الغامدي، كاتب ومصرفي، من السعودية أيضاً، معارضاً التكنولوجيا في رمضان، ويقول: «أعتقد أن أضرار التكنولوجيا في رمضان (الذي يتسم بالروحانية) أكثر من منافعها؛ لما فيه من عبادات دينية وأحداث دنيوية عظيمة لا تتكرر في الأشهر الأخرى، وكذلك هناك تقارب أسري كان في السابق يذكي روح الإخاء والتكافل الاجتماعي في هذا الشهر الفضيل، أما الآن فقد أضحت مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة تقلل من فرص اللقاء والاجتماعات التي إن حصلت فإن الهواتف تكون فيها سيدة الجلسة ومحورها، ولكن لا يستطيع الأهل المعارضة؛ فمن الصعب السير عكس عقارب الزمن وعدم مواكبة العصر بفرض إجراءات تحيد من استخدامها، خصوصاً أن بعض الأهالي يستخدمونها أكثر من الأبناء». ويستدرك عبدالله: «لكن من الممكن التوجيه والإرشاد وتقنين استخدامها. أعتقد أن التكنولوجيا اليوم تشربت في جسد الكبير قبل الصغير ولايكاد يخلو منزل منها، فبالتالي بات الجميع مُجبراً على التعايش معها، وكأن لسان حال الأهالي «اليد التي لا تقوى عليها، صافحها»، وأنصح بتجربة روشتة استخدام الجوال ساعة في اليوم لمدة أسبوع في رمضان».
تابعي المزيد: عادات لإدارة وقتك
استخدمها ولا تدمنها
يارا حجازي: لا يمكن أن نعيش بمعزل عن التكنولوجيا التي أصبحت لغة العصر في العالم، سواء شئنا أم أبينا
ترفض يارا حجازي، طالبة جامعية، من السعودية، الرأي القائل إن تزايد الفجوة بين الآباء والأبناء بسبب التكنولوجيا، تقول: «لا يمكن أن نعيش بمعزل عن التكنولوجيا التي أصبحت لغة العصر في العالم، سواء شئنا أم أبينا، ولكن علينا أن نعي الجوانب الإيجابية لهذه التكنولوجيا حتى نؤهل أنفسنا للمستقبل ونكون أشخاصاً رقميين ناجحين، بالنسبة لي الهاتف المتنقل يشكل فائدة غير محدودة تساعدني على اكتساب الثقافة والعلم، وأيضاً الترفيه وتزكية الوقت وتصفح الكتب، ولكن الاستفادة من كل تلك الإمكانات والخدمات المتاحة، يتوقف على إرادة الفرد واختياره واستخدامه المقنن».
وتستطرد: «قد أواجه صعوبة في اقناع والديّ أن استخدام وتصفح النت لن يؤثر سلباً على حياتي الاجتماعية أو الصحية خصوصاً في الأيام التي يزيد فيها معدل استخدامي للجهاز اللوحي سواء للترفيه أو إنجاز الفروض الدراسية، الأمر الذي يخلق بعض المشكلات بيننا، ولكن والدتي وضعت بعض القوانين في العائلة لا يمكن تجاوزها جميعها يندرج تحت شعار (استخدم التكنولوجيا ولكن لا تدمنها)، ومن تلك القوانين أن هناك أماكن مقدسة لا يجوز فيها لأي منا التواصل عبر الإنترنت، مثل مائدة العشاء بما في ذلك تناول الطعام في الخارج وفي السيارة، فهذه الأماكن لتجاذُب أطراف الحديث بيننا كعائلة، كذلك خلال العطلات؛ حيث يكون التركيز على وقت الأسرة».
في الشهر الكريم
تتابع قائلة: «أنا ضد مقاطعة التكنولوجيا في رمضان ولكني مع التوازن والإرادة الجيدة في استخدامها وتسخيرها للتواصل المثمر سواء في النطاق العائلي أو الخارجي، نحن كعائلة نحرص على التواصل مع أقربائنا عبر الاتصال المرئي في أول يوم رمضان كوننا نعيش في مدينة بعيداً عن الأهل، ذلك الأمر ساعدنا كثيراً في التعامل مع مشاعر الاشتياق للفطور الجماعي أول يوم رمضان مع العائلة الكبيرة، كذلك حرص والداي على عمل قروب لختم القرآن الكريم يضم أفراد الأسرة، وتنزيل بعض التطبيقات لقراءة الكتب القصيرة ومناقشتها لاحقاً في فترات المساء، إضافة لذلك فإني أستخدم بعضاً من التطبيقات والأدوات كساعتي الذكية التي تنظم احتياجنا من الماء والطعام خلال نهار رمضان».
تابعي المزيد: هل تؤيدون إقامة حفلات الزفاف من خلال «الميتافيرس»؟
التطبيقات تختصر الوقت
هند سعيد أمين: التكنولوجيا تفيدني في قراءة القرآن والأدعية وأذكار الصباح
تعترف هند سعيد أمين، مهندسة تطوير من الإمارات، بأن الموبايل يستنفدُ منها وقتاً طويلاً، لكنها لا تجده مضراً في رمضان، تتابع قائلة: «التكنولوجيا هي العالم، قبل سنوات كانوا يعتمدون على وسائل أخرى للتواصل، لكن الآن كل شيء أصبح له علاقة بالتكنولوجيا، أهلي لو كانوا لا يرغبون باستخدامي للتكنولوجيا، فهم بهذا يبعدونني عن العالم الخارجي، الذي أجد بها كل من أريد».
جيلنا يختلف عن جيلهم، هو أمر تؤكده هند، تستطرد قائلة: «قد ينصدمون لأنني أستخدم التلفون كثيراً، ويجدون أن الأمر مجرد مضيعة وقت، لكنني أختصر كل ما أريد عبر تطبيقات الهاتف، بدءاً من الأوراق الرسمية الحكومية، ومروراً بمشترياتنا المخفضة الأسعار، وليس انتهاء بتعلم أشياء جديدة تواكب العصر، وهذا يسهل عليّ يومي فأنا أداوم في عملي بإماراة العين، وأسكن في دبي، والوقت يكون ضيقاً». في التطبيقات تبحث هند عن مراكز التبرع، وقراءة القرآن والأدعية وأذكار الصباح، في فسحة العمل، تعلّق قائلة: «في موبايلي تذكير لكل هذه العبادات في أوقاتها، عبر برامج خاصة. الأهالي متعودون على نظام معين، هم يعرفون كيف يستخدمون «الآب»، لكن أغلبهم لم يجرب الانتقال إليه».
امتعاض قبل الإفطار
نور رأفت: الساعات الذكية تساعد الأشخاص الراغبين في الحصول على نظام غذائي مناسب
الطالبة نور هشام رأفت، 16 عاماً، من مصر، في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية تقول: «يوجد قانون في البيت عندنا بسحب الهواتف منا عقب عودتنا من المدرسة ولا ترد إلينا إلا ونحن متجهون إلى سرير النوم، فمتعتنا مع الهواتف والتفاعل مع أصدقائنا تبدأ ونحن في الفراش، وعندما يبدأ شهر الصوم يكون لدينا متسع من الوقت لاستخدام اللعب بتطبيقات الهواتف خلال فترة النهار، لكن والدتي تعبر دائماً عن كثير من الامتعاض خاصة وأنها تطلب مني بعض الأمور لتجهيز الإفطار في الوقت الذي استخدم فيها التطبيقات التي تساعدني في مذاكرتي مع أصدقائي عبر الإنترنت، وما يحدث معي هو بالضبط ما يحدث لصديقاتي مع أمهاتهن، وعلى الرغم من حالة الرفض ومقاومة التكنولوجيا المتاحة حالياً، لكنهم دائماً ما يلجؤون إليها من خلالنا في بعض الأوقات وخاصة فترات الصيام. لقد أصبحت التكنولوجيا اليوم جزءاً أساسياً لا يتجزأ من أيامنا وأوقاتنا، وأصبحت تدخل في جميع نواحي حياتنا اليومية حتى أنها أخذت دوراً كبيراً من حياتنا الاجتماعية، فعلى الرغم من أنها سهلت أموراً كثيرة وقربت البعيد إلا أنها أيضاً تدخلت حتى في علاقاتنا الخاصة».
تابعي المزيد: كيف تكونين فعالة في المجتمع؟
فوائد الساعات الذكية
توضح مستدركة: «هناك مثلاً الساعات الذكية التي تساعد الأشخاص الراغبين في الحصول على نظام غذائي مناسب عبر قياس السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم، فدائماً ماما وبابا يلجآن إليّ قبل الإفطار لمعرفة كيفية تشغيل هذه الساعة لتجهيز ما هو مناسب من الأغذية المفيدة وغير الضارة. وهناك العديد من التطبيقات التكنولوجية الشهيرة التي تعمل على تنبيه الأشخاص إلى ضرورة شرب كميات محددة من المياه كل فترة على مدار اليوم، وأقوم بتشغيلها بطلب من والدي بتخصيص التطبيق بحيث يتوافق مع ساعات الصيام والإفطار، من أجل تحديد كميات المياه المطلوبة لتعويض قلة السوائل خلال فترة الصيام، وتجنب حدوث جفاف للجسم».
وتضيف قائلة: «أما بالنسبة لتطبيقات اللعب والمحادثات التي نرغبها ونهواها فهي التطبيقات التي يحدث الشجار بسببها مع والدينا، لكنني بعد كل مشاجرة خلال فترة الصيام أصطحب الهاتف وأتوجه إلى حجرة النوم وأبدأ مرة أخرى ممارسة اللعب والمحادثات الممتعة؛ لأنها وسيلتي في التواصل مع صديقاتي للتسلية أثناء صيامنا وامتصاص حالة الضيق التي تنتابنا من تقييدنا في استخدام الهواتف والتكنولوجيا».
همزة وصل بين الأبناء والآباء
بلقيس النّوري: بفضل التكنولوجيا فإنّي أشارك أهلي عن بعد يوميّاتهم وأستنجد بهم وقت الضّرورة
بلقيس النّوري (22عاماً)، طالبة تونسية تدرس بالسنة الأولى في اختصاص علوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات بجامعة مدينة «ميونيخ» في ألمانيا، وهي حالياً في إجازة «الرّبيع» تقضيها مع أسرتها في تونس؛ لتعيش معها أجواء رمضان وتنعم باللمّة العائليّة.
أداة تُجمِّع ولا تُفرّق
تقول لـ«سيّدتي»: «لا أعتقد من خلال تجربتي الشّخصيّة أنّ التّكنولوجيا أحدثت فجوة بين الأبناء والآباء أو أنّها أثّرت سلباً في العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة، بل إنّها في أغلب الأحيان تُيسّر التواصل وتُقوّي اللّحمة بينهم»، مضيفة: «بوساطتها وبفضلها فإنّي أشارك أهلي - عن بعد - يوميّاتهم، وأستنجد بهم وقت الضّرورة وأستشيرهم وقت الحاجة وكأنّني أعيش بينهم، وبفضلها لم ينتبْنِي شعور بالوحدة وأنا بعيدة جغرافيّاً عن العائلة وعن الوطن».
هديّة رمضان
كان والد بلقيس سبّاقاً لاكتساب هذه الاستخدامات التكنولوجيّة، أمّا والدتها فقد أبدت في البداية تخوّفاً من استعمال هذه الوسائل التكنولوجيّة الجديدة. تقول بلقيس إنها أهدت لأمّها بمناسبة شهر رمضان لوحة «كندل»، وهو جهاز لقراءة الكتب الإلكترونيّة لتساعدها على مطالعة ما يروق لها منها. ووالدتها حريصة جدّاً في شهر رمضان على متابعة المسلسلات في مواعيد بثّها، ولمّا أصبح لها - بفضل حرص ابنتها بلقيس- حسابٌ على «السوشيال ميديا» صارت مقبلة على استخدام وسائط جديدة تيسّر لها مشاهدة المسلسلات في أيّ وقت تريد.
تروي بلقيس قائلة: «ساعدتُ والدتي أيضاً بمناسبة شهر رمضان لتشترك في صفحات الطّبخ، ولتتابع على إنستغرام واليوتيوب كل ما يقدّم ويعرض من أكلات مستقاة من مطابخ عربية وعالميّة، كما مكّنتُها أيضاً من تطبيق «الكتاب المسموع»؛ حتّى تستمع لبعض القصص عن طريق السّرد لمّا تكون منهمكة في استعدادات الإفطار أو وهي مستلقية لأخذ قسط من الراحة».
تابعي المزيد: الأسر العربية في رمضان 2022 لا للهدر والإسراف .. ونعم للسعادة الاجتماعية
حلاّل المشاكل
أمين حلاق: أنصح الشباب بالاستفادة من المهارات التي تقدمها التكنولوجيا لأن المستقبل كله مقبل على هذا العالم
أمين حلاق، 20 سنة شاب مغربي، طالب في مجال التكوين المهني يقول: «إن التكنولوحيا لا ولم تشكل له عائقاً مع العائلة، بل العكس فإن مواهبه التقنية مع الهواتف الذكية والإنترنت، جعلته يكون محاطاً باستمرار بكثير من العناية؛ لحل عدد من المشاكل التي يقع فيها والداه أو إخوته البنات أو حتى بعض أقربائه». يضيف موضحاً: «تعلمت منذ صغري بشكل تلقائي مع أصدقاء آخرين التعامل مع التقنيات والتكنولوجيا، خاصة مع الطفرة التي يشهدها الهاتف المحمول وتطوره المستمر وما يحمله من جديد مثير، شغفي وتمكني من التكنولوجيا جعلني الشخص المطلوب من طرف الجميع؛ لأنني حلاّل المشاكل والجميع في البيت يحتاج لخدماتي. لم أجد صعوبات تذكر مع الأهل بخصوص تعلقي بهذا العالم اللهم بعض التخوفات التي يبديها والدي ووالدتي أحياناً حتى لا أنشغل بها عن الدراسة وأهمل حياتي كطالب». ويستطرد: «ومع اقتراب موعد رمضان أتلقى كثيراً من الطلبات وبإلحاح لتحميل -مثلاً- أوقات الصلاة وبعض تطبيقات الألعاب الإلكترونية التي يروق لوالدي متابعتها في رمضان مثل الشطرنج ولعبة الورق وغيرها، أما والدتي فأساعدها على تطبيق تجويد القرآن الكريم، كما أساعدها للبحث على وصفات الطبخ أو بعض المسلسلات».
جسر الثقة
ويمضي قائلاً: «أظن أن الشباب الذي يعاني أو يجادل عائلته كثيراً هو من ينغمس كلياً في عالم التكنولوجيا ويدمن الموبايل خاصة بعض الألعاب الإلكترونية، صحيح أنني مررت ببعض الفترات التي أخذني فيها المحمول بسبب تعلقي الكبير بعالم التكنولوجيا المغري، لكنني سرعان ما أسترجع توازني بفضل الثقة الكبيرة التي أحظى بها من طرف والداي ولأنني أدرك بمسؤولية ما أقوم به». ويضيف: «أظن جسر الثقة الذي يبنيه الآباء مع الأبناء يعفي الأسرة من وضع التشنج والمشاحنات التي للأسف تنتشر باستمرار في عدد من الأوساط الاجتماعية خاصة في رمضان. في هذا الاتجاه أنصح الشباب بأن ينتبهوا حتى لا يقعوا في فخ التكنولوجيا بل الاستفادة من المهارات التي تقدمها لأن المستقبل كله مقبل على هذا العالم؛ لأجل التطور والتنمية».
تابعي المزيد: كلمات تتجنب فيها الخسارة في النقاش مع شخص عنيد