ذات شخصية متميزة. مَن يراها يخالها متخصِّصةً في تصميم الأزياء لأناقتها وإطلالتها المتميزة، لكنه يتفاجأ عندما يسألها عن عملها، حيث تجيب بكل ثقةٍ «ميكانيكية». تهتمُّ بمساعدة الآخرين، لذا كثيراً ما تترجَّل من سيارتها لتمدَّ يد العون للشباب والفتيات عندما تتعطل سياراتهم على الطريق، إذ دائماً ما تحمل معها معداتها، التي تساعدها في الكشف عن الأعطال وتصليحها، وسط ذهول الجميع. ميريهان الباز، ميكانيكيةٍ سعودية، والأمهر في مجالها كذلك، وتعدُّ أول مَن عمل Recovery marshal في بطولة الفورمولا إي في الدرعية، والتي وصفت مشاركتها هذه بأنه حلم وتحقق.
عائلتي تحب الميكانيك
تشغل المرأة السعودية اليوم وظائف كثيرة، ومع ذلك بقيت بعيدةً عن ميكانيكا السيارات، فما الذي دفعكِ إلى دخول هذه المهنة؟
نحن النساء قبل سنواتٍ لم نكن نتخيَّل أبداً أن نعمل في مهنٍ عدة، كان الرجال يسيطرون عليها، أو بمعنى أدق، لم تكن المرأة تُقبِل عليها، إذ كان الفكر السائد في فترةٍ من الفترات، أن المرأة لا تستطيع العمل في مجالاتٍ معينة، وكان دخول هذه المهن أحد المستحيلات، ومهنة الميكانيك كانت من المهن التي لم تفكر أي امرأةٍ قبلي العمل بها، ولم يقع اختياري عليها لتصبح مهنتي، بل جاء الأمر بشكلٍ طبيعي، إذ تعلَّمتها في صغري، فقد كان والدي يحبُّ الميكانيك، ويعشق اقتناء السيارات «الكلاسيكية»، ويقوم بإصلاحها، كما أن والد أمي كان يمتلك ورشةً لتصليح السيارات. وما تجده المرأة من القيادة الرشيدة، والسماح لها بقيادة السيارة أسهم في فتح أبوابٍ جديدة أمامنا كالعمل في مهنٍ لم نكن نتخيَّل يوماً أن نعمل فيها، مثلاً لم أكن أبداً أتصوَّر أنني سأعمل ميكانيكيةً في بلدي، وقد تحقَّق الحلم بعد صدور هذا القرار، حيث ظهرت الحاجة إلى تدريب وتأهيل فتياتٍ للعمل بالمهن المرتبطة بالسيارات، والحمد لله، كنت إحدى هؤلاء الفتيات اللاتي مارسن هذا العمل، فبعد تخرُّجي في الجامعة بحثت عن عملٍ في تخصُّصي، لكنني لم أنجح في الحصول على فرصةٍ، لذا اتجهت إلى الميكانيك بناءً على نصيحة مقرَّبين مني، خاصةً أنني كنت أقوم بتصليح سياراتهم، وحقاً بدأت العمل ميكانيكية.
أستطيع القول هنا: إن شغفي بالسيارات، وحبي لتعديلها، وفك وتركيب القطع قادني إلى هذه المهنة.
حدثينا عن دعم والدك لك والخبرات التي اكتسبتها منه في المجال ؟
والدي في فترة من الفترات كان يحتاج إلى شخصٍ يساعده في تصليح السيارات، فتطوعت للقيام بالمهمة على الرغم من صغر سني وقتها، ومع مرور الأيام، بدأ والدي يكلِّفني بتصليح السيارات بمفردي، حيث كان يتصل بي وهو خارج المنزل، ويطلب مني إجراء بعض التصليحات عقب فترةٍ طويلة، كنت أكتفي فيها بإحضار الأدوات التي يحتاج إليها للتصليح، وقد استطعت خلال تلك الفترة تعلم الكثير عن الميكانيكا.
تابع المذيد: من هي ابتسام الوهيبي خبيرة التراث غير المادي
الهندسة المعمارية
دراستكِ هل هي قريبةٌ من مجال عملكِ أم بعيدة؟
دراستي الجامعية كانت في بيروت. في ذلك الوقت لم تكن هناك مجالاتٌ واسعة للعمل أمام المرأة، وبالطبع لم تكن الميكانيك متاحةً أمامنا، لذا اخترت تخصُّصاً جامعياً بعيداً عن المجال، إذ درست الهندسة المعمارية لمدة ثلاث سنوات، لكنني لم أجد نفسي فيها، فعقلي كان وما زال يعشق الفك والتركيب، فغيَّرت تخصُّصي ودرست الإعلام وعلم النفس.
ولا أخفيكم، ندمت كثيراً على اختيار تخصُّص جامعي بعيدٍ عن الميكانيك، لكن ما يدعوني للفخر أن عملي جاء ثمرةً للتعليم والتدريب الشخصي، وأتمنى أن أسهم مستقبلاً في توفير مكانٍ، أستقبل فيه كل الفتيات اللاتي يعشقن الميكانيكا، ويرغبن في تعلمها، لكنهن لا يجدن الفرصة لدراسة التخصُّص، أو المكان الذي يوفر لهن ذلك.
وقد استفدت كثيراً من علم النفس في مجال عملي، فكثيراً ما يأتيني عميلٌ غاضبٌ، لكنني أتمكَّن من التعامل معه، واحتواء غضبه بما تعلمته خلال دراستي الجامعية، ثم حل مشكلته.
سيارة لا مثيل لها
هل تتذكرين المرة الأولى التي قمتِ فيها بتصليح عطلٍ في سيارة؟
نعم، أتذكر جيداً أول سيارة قمت بتصليحها مع والدي. حينها كنت صغيرةً في السن، وكانت سيارةً رياضيةً كلاسيكية، وحاولت مع والدي جعلها تعمل مجدداً، لكنها لم تستجب لكل محاولاتنا، التي استمرت أشهراً. ولأنني أمتلك إصراراً كبيراً على النجاح، استمررت في محاولاتي، خاصةً أنني كنت معجبةً كثيراً بهذه السيارة الرياضية، التي كان لها بابٌ واحد بأرقامٍ سرية، وكانت آنذاك فريدةً من نوعها، والكل يتمنى شراءها، والحمد لله، استطعت بعد محاولاتٍ عدة جعلها تعمل، ولو للحظاتٍ، وشعرت بسعادةٍ لا توصف لتحقيقي هذا الإنجاز.
ورشتي الخاصة
لماذا تأخرتِ في افتتاح ورشتكِ الخاصة على الرغم من أنكِ تمتلكين الخبرة والمعرفة وتحظين بالشهرة الكافية للنجاح؟
يراودني حلمٌ منذ الصغر بأن تكون لدي ورشةٌ خاصة بي لتصليح السيارات والتعديل عليها، لكنني أجد صعوبةً في افتتاحها، كما أنني أحتاج إلى تدريب العمالة على تصليح الأعطال، وهذا يأخذ وقتاً كبيراً.
أتمنى أن أسهم مستقبلاً في توفير مكان أستقبل فيه كل الفتيات اللاتي يعشقن الميكانيك ويرغبن في تعلمها
حالياً أسعى وأخطِّط لتحقيق هذا الحلم. أنا شخصيةٌ قوية، ولا أقبل إلا بالأفضل، وأرفض أن يكون لي شريكٌ في ورشتي، فالحياة التي عشتها، والظروف التي مررت بها، علَّمتني ألا أثق بأحدٍ، وألا أستعين بشريكٍ، لذا سيتوجَّب عليَّ أن أقوم بكل شيءٍ لوحدي في الورشة، وهذا أيضاً من أسباب تأخر افتتاحي لها، كما أنني لا أحب أن أستدين من أحدٍ، أو أطلب الدعم من الآخرين، فهذا الأمر لا أقبله. أريد أن أعتمد على نفسي فقط، لذا أدخر الآن بعض المال لافتتاح ورشتي.
المساعدة والاستعراض
خلال عملكِ، هل مررت بمواقف طريفة، وما أجملها؟
كثيرة هي المواقف الطريفة التي مررت بها، ويصعب عليَّ حصرها، لكنني لا أنسى أبداً وجوه بعض الناس الذين يستغربون عندما يسألونني عن عملي، وأجيبهم بأنني ميكانيكية! ومن المواقف الطريفة التي تمرُّ علي دائماً، وما أكثرها، عندما أجد أحداً يقف في الطريق بسبب تعطُّل سيارته، وأتوجَّه إليه لتقديم المساعدة، فيقول لي بعد أن يشكرني: إن شاء الله سيأتي أحدٌ ليساعدني. هو يتوقَّع أنني أعرض عليه المساعدة كنوعٍ من الاستعراض دون أن أمتلك الخبرة والدراية الكافية بتصليح الأعطال، وعندما أقوم بإخراج أدواتي، وأبدأ في عملي، تظهر على وجهه علامات الاستغراب من قدرتي على القيام بتصليح سيارته وهو واقفٌ، ويكتفي بمراقبتي فقط.
أيضاً أتذكَّر موقفاً، حدث لي أثناء تصوير برنامجٍ للواقع الميكانيكي، كان مؤلماً ومضحكاً في الوقت نفسه، فأثناء التصوير، كنت أقوم بحمل قطعةٍ من سيارةٍ، ولاحظت أن الجميع ينظر إليَّ باستغرابٍ، وكأن لسان حالهم يقول: كيف تستطيع هذه الفتاة أن تقوم بهذا النوع من العمل. لحظتها تملَّكني شيءٌ من الغرور والفخر بنفسي، ولم أنتبه أين أضع قدمي، فوقعت في حفرةٍ، كانت أمامي، وعندما خرجت منها، جلست على الأرض، وصرت أضحك، وحينما تمَّ عرض هذا الموقف في التلفاز، حاول الحضور حولي ألَّا الحضور حولي ألَّا يضحكوا كيلا أشعر بالحرج والضيق.
أكبر الداعمين
أي شخصٍ، أو جهةٍ الأكثر دعماً لكِ في مجال عملكِ؟
الأميرة الدكتورة عهد بنت الحسن بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير خالد بن سلطان الفيصل، رئيس الاتحاد السعودي لرياضة السيارات والدرَّاجات النارية، الأكثر دعماً لي في مسيرتي، فقد وجَّها الاتحاد السعودي لرياضة السيارات بدعمي، خاصةً في مشاركتي في الـ «فورمولا».
في برنامج الواقع. كان لؤي السليماني يدافع عني، ويشجعني من كل قلبه، ودائماً ما كان يقول جملته الشهيرة، التي كانت تحفزني كثيراً، وهي: «هذه الفتاة تقوم بأعمالٍ لا تستطيع فتيات الدنيا كلها أن تنجزه». كان يؤمن بي وبقدراتي، مثلاً كانت هناك أنواعٌ من المعدات لا أستطيع من الناحية النظرية استخدامها بسبب قدراتي البدنية، ومع ذلك كنت أصرُّ على استخدامها، وهذا ما يزيد من إعجابه بشخصيتي القوية، وأشكره من كل قلبي لأنه علَّمني كيفية تصليح السيارات، إضافةً إلى أمورٍ أخرى، وعرَّفني بأسماء قطع الغيار. والدي عندما كان يعلِّمني التصليح، لم يكن يقول لي اسم القطعة، ويكتفي بقول: «أعطني القطعة التي أمامك». وأذكر أنه عندما سافرت إلى لبنان، أصبت بحيرةٍ شديدة لاختلاف أسماء القطع بسبب تنوُّع اللهجات.
أناقتي وسط الشحم
يتعجَّب الكثيرون من أناقتك اللافتة للنظر، كيف تحافظين على إطلالتك خلال عملكِ وسط الزيت والشحم، وهل تعتمدين على نفسكِ، أم تستعينين بخبراء؟
يتوقَّع الكثيرون أنني بوصفي ميكانيكيةً لا أهتمُّ بمظهري، وأن أظافري سوداء، ولا أستطيع الظهور بإطلالةٍ أنيقة، وأن الشحم والزيت يغطيان ملابسي!
أنا أتولى اختيار ملابسي بنفسي، وأنتقي القطع التي تناسبني، وأقوم بتسريح شعري، ووضع المكياج الخاص بي، وأحياناً تساعدني في ذلك أمي وأخواتي، كما أحرص على الاطلاع على خطوط الموضة، وأحدث صيحاتها، وفي الفترة الأخيرة، عرض عليَّ أكثر من صالون الاعتناء بإطلالتي.
السماح بقيادة المرأة السعودية السيارة أتاح لها القيام بأعمال كثيرة ودخول مهن كانت حكراً على الرجال.