قادها شغفها في مكافحة الجرائم المالية إلى الحصول على شهاداتٍ متخصِّصة في مكافحة غسل الأموال من اتحاداتٍ ومنظماتٍ دولية. تعدُّ أول محققةٍ ماليةٍ سعودية تحصد شهادة محقق احتيالٍ معتمد «CFE» من جمعية مدققي الاحتيال المعتمدين «ACFE» في أمريكا، كما رُشِّحت لشغل عديدٍ من المناصب الدولية بفضل خبرتها وكفاءتها المهنية، وصُنِّفت ضمن 50 امرأةً الأكثر تأثيراً في السعودية بقائمة «أرابيان بزنس». نجود الكريثي، التقتها «سيدتي»، فكشفت عن أنها تخطِّط حالياً لتحقيق كل أحلامها، خاصةً في ظل الدعم الكبير الذي تحظى به المرأة السعودية، في مقدمتها إطلاق مبادراتٍ وبرامج تخدم «رؤية 2030»، وترصد أي أنشطةٍ ماليةٍ مشبوهة، وتأسيس مكتب استشاراتٍ مختصٍّ بالاحتيال المالي للمنشآت والأفراد، كما تطرقت إلى موضوعاتٍ أخرى، تخصُّ مجال عملها، وجوانب من حياتها الشخصية.
صُنِّفتِ ضمن أهم الخبراء المتخصِّصين في الاحتيال المالي بالسعودية، ما الذي دفعكِ إلى اختيار هذا التخصُّص؟
في بداية مشواري المهني بالتحقيق المالي تولَّد لدي شغفٌ كبيرٌ بمجال مكافحة الجرائم المالية، والاحتيال، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وقد أسهم ما نشهده اليوم من تمكينٍ للمرأة السعودية في عديدٍ من المجالات والتخصُّصات، بما في ذلك تلك الجديدة علينا نحن النساء، في اختياري هذا التخصُّص مجالاً لمسيرتي العملية، وحقاً حصلت على شهادة محقق احتيالٍ معتمد من الولايات المتحدة الأمريكية، ما خوَّلني العمل فيه. هذا الأمر لم يكن حلماً بعيد المنال، لكنَّ الطريق كان طويلاً ومجهداً، بدءاً من الدورات التدريبية المتعددة، التي تتوافق مع شغفي، وهدفي برفع نسبة الوعي والإثراء المعرفي بـ «الاحتيال المالي»، مروراً بدراستي لمدة ثماني ساعات يومياً بعد عملي، وقد كان وقتي ينقضي وكأنه ساعةٌ واحدةٌ لاستمتاعي ودهشتي كلما تعلَّمت أمراً جديداً، ووصولاً إلى اهتمامي بموضوعات وقضايا مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كل ذلك شجَّعني على الحصول على شهادتين في إجراءات التحقيق المالي بجرائم التهرب الضريبي وغسل الأموال من سكرتارية أكاديمية الضرائب الدولية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ما الصعوبات التي واجهتكِ للحصول على شهادة محقق احتيالٍ معتمدٍ من أمريكا؟
شعوري بعدم الاكتفاء بتلك الشهادات دفعني إلى الحصول على مزيدٍ من العلم في هذا المجال، حيث سعيت إلى أن أصبح «اختصاصي غسل أموال معتمد»، والحمد لله، درست التخصُّص، وحصلت على الشهادة التي حلمت بها من أمريكا.
جمعية مدققي الاحتيال المعتمدين في الولايات المتحدة الأمريكية تعدُّ أكبر منظمةٍ لمكافحة الاحتيال في العالم، ومزوِّداً رئيساً للتدريب والتعليم في مجال مكافحة الاحتيال مع أكثر من 90.000 عضوٍ.وتعمل الجمعية على الحد من الاحتيال بشتى أنواعه في جميع أنحاء العالم، ودعم ثقة الجمهور بالنزاهة والموضوعية داخل المهنة. وتوجد جمعيةٌ مشابهةٌ لها في السعودية، وهي جمعية مكافحة الاحتيال، وهي جمعيةٌ مهنيةٌ وغير ربحية، تسعى إلى توعية المجتمع بأضرار ومخاطر الاحتيال، وطرق كشفه والوقاية منه، وتمثِّل المظلة الموحَّدة لجميع المهنيين العاملين في مجال فحص وكشف حالات الاحتيال.
لديكِ خبرةٌ كبيرةٌ في معالجة القضايا ذات الطابع الجنائي، ما الدور الذي تقومين به؟
القضايا ذات الطابع الجنائي، هي قضايا تكون عقوبتها السجن، أو الغرامة، أو العقوبتان معاً، ويعدُّ مَن يرتكبها مهدِّداً لأمن وسلامة العامة ومصالحهم، وغالباً ما يتمُّ معاقبته من قِبل القضاء، وعادةً ما تحتوي القضايا المالية الجنائية على الخداع والاحتيال من خلال تحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، وتضمُّ هذه الجرائم على سبيل المثال وليس الحصر: أنواع الغش، والابتزاز، والاختلاس، وغسل الأموال، والتهرب الضريبي، والجرائم الإلكترونية، والتلاعب في الأوراق المالية.
ما أكثر الجرائم المالية التي ترتكب في وقتنا الراهن؟
هناك جريمتان، أراهما الأشد تأثيراً، والأكثر انتشاراً، الأولى الاحتيالُ في الشركات، وهذه الجريمة من شأنها التسبُّب في خسائر مالية كبيرة للمستثمرين، وضررٍ لا يقاس على الاقتصاد، إضافة إلى التأثير سلباً في ثقة المستثمر بطرق الاستثمار. أما الثانية، فهي سرقة الهوية، وتعدُّ اليوم الأكثر انتشاراً، حيث تقوم الجهات الاحتيالية بسرقة المعلومات الشخصية، وبيانات الهوية كاملةً لاستخدامها في تحقيق مكاسب معينة، واستمرار الاحتيال على مستثمرين آخرين.
كم تصل نسبة جرائم غسل الأموال عالمياً؟
جرائم غسل الأموال والاحتيال دائماً ما ترتبط مع بعضهما، فالأنشطة الإجرامية الاحتيالية تولِّد أموالاً، يجب غسلها، لذا يعدُّ الاحتيال جريمةً مقدّمة لجريمة غسل الأموال. ويعدُّ وقف عمليات غسل الأموال، والكشف عن أنشطة الاحتيال من أكثر الطرق أهميةً لإسهامها في رفع النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وقد صرَّح مكتـب الأمم المتحـدة للمخـدرات والجريمـة، أن نسـبة جرائم غسـل الأموال فــي سنة واحدة تتراوح مــن 2 % إلــى 5 % مـن الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بمـا يعـادل 800 مليـار إلــى ثلاثة تريليونات دولار.
تابعي المزيد: رشا الخميس: الرياضة تعزز الثقة بالنفس، وتمد المرأة بالطاقة الإيجابية
يعمل البنك المركزي السعودي على التصدي للاحتيال المالي من أجل استقرار القطاع المصرفي وانتعاش الاقتصاد
مبادرة الرياض GlobE
السعودية من الدول الرائدة في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما أبرز إنجازاتها في هذا المجال؟
بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، عملت السعودية خلال رئاستها مجموعة العشرين «G20» على تطوير وإطلاق شبكة مبادرة الرياض «GlobE» بقيمة عشرة ملايين دولار، وقد تمَّ تدشين هذه المبادرة لتأسيس شبكة عملياتٍ عالميةٍ لتبادل المعلومات بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم، وحتى تكون أداةً سريعةً وفاعلةً لمكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود، وتعزِّز التعاون بين السلطات المعنية بمكافحة الفساد. ولاقت المبادرة دعماً كبيراً من المنظمات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، منها الإنتربول، ومجموعة الإيجومنت، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومجموعة العمل المالي «الفاتف»، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. ومن أجل مباشرة عملها، عُقِدَ الاجتماع الأول لأعمال اللجنة التوجيهية لشبكة مبادرة الرياض «GlobE» خلال الفترة من 15 - 16 مارس الماضي في مدينة الرياض بمشاركة عددٍ من الدول الأعضاء.
ما أسباب انتشار عمليات الاحتيال على الحسابات البنكية، وما نصائحكِ للحد منها؟
الاحتيال على الحسابات البنكية عمليةٌ شائعةٌ في الوقت الراهن، وقد بدأت قبل سنواتٍ عدة، واتَّخذت طرقاً وأساليب احتيالية متنوعة. من أسبابها استخدام تطبيقات البنوك، وأجهزة الصراف الآلي، أو شبكات الإنترنت العامة غير الآمنة، إضافةً إلى الاستجابة للعروض والرسائل الوهمية التي تستهدف اهتمامات الأفراد، على سبيل المثال لا الحصر: القروض، والمشتريات، والاستثمارات، ومدارس تعليم القيادة، هذا، مع وجود ضعفٍ في أنظمة الرقابة على العمليات البنكية. ويعمل البنك المركزي السعودي على التصدي لحالات الاحتيال المالي لما لذلك من أثرٍ في استقرار القطاع المصرفي، وتعزيز الثقة به، وانتعاش القطاع الاقتصادي في وطننا، فمع كثرة أساليب الاحتيال، تقلُّ ثقة المستثمرين في القطاعات الاستثمارية، وعمليات الشراء من المنشآت الصغيرة التي تستخدم التجارة الإلكترونية، لذا يجب بذل مزيدٍ من الجهد لتحسين كفاءة وقوة البنية التحتية لأنظمة مكافحة الاحتيال.
هل ما زالت هناك جرائم مالية يمكن أن ترتكب ويصعب الوصول إليها على الرغم من التطور الكبير الذي يشهده مجال رصد الجرائم المالية؟
نعم، على رأسها غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والرشوة، والفساد. كل هذه الجرائم لها تأثيرٌ سلبي في المصالح السياسية والاقتصادية، وتشكِّل تهديداً خطيراً على أمن الدولة.
تابعي المزيد: الرئيسة الجديدة لأكبر مطار في كندا عمرها 101 عام
تخصُّص المحاسبة
هل تعدُّ المحاسبة من التخصُّصات التي تتوافق مع متطلبات سوق العمل والاقتصاد الوطني، وما نصيحتكِ للطلاب الراغبين في دراسة المجال؟
أطلقت جامعة تبوك أوَّل برنامج ماجستيرٍ في المحاسبة القضائية، ولو كانت المسافة قريبةً، لانتسبت لهذا البرنامج. اختيار التخصُّص الجامعي قرارٌ كبير، خاصةً إذا كانت لديك اهتماماتٌ متعددة، ولا تعرف نوع المهنة التي ترغب في مزاولتها، وانطلاقاً من «رؤية السعودية 2030» وبرامجها، يعـدُّ برنامج تطوير القطـاع المالي أحد البرامج التنفيذية لتحقيـق الرؤية، وأرى أن هناك تخصُّصاتٍ ستشهد مستقبلاً مزهراً، وهي: العلوم المصرفية، والرياضيات المالية والاكتوارية، والمحاسبة القضائية، والإدارة المالية، والاقتصاد الإسلامي، وإدارة المخاطر، والتأمين، وأنصح الطلاب بدخول المحاسبة الجنائية باعتبارها الأداة الديناميكية والاستراتيجية التي تساعد في مكافحة الفساد والجرائم المالية والاحتيال. هناك اعتقادٌ مفاده بأن المحاسبة تدور حول الرياضيات، وهذا غير صحيح. ستصبح جيداً في المحاسبة إذا كنت مهتماً بمعرفة كيفية قيام المحاسب بتسجيل المعاملات التي تقوم بها في حياتك اليومية، فنصف جرائم الاحتيال ماليةٌ بحتة، والمحاسبة لها دورٌ كبيرٌ في الفصل في القضايا المالية وحماية المال العام، ما من شأنه رفع الثقة في الاقتصاد الوطني.
تابعي المزيد: دالين الخالد أصغر عازفة موسيقية تطرب الآذان
أطمح إلى مبادرات وبرامج تسهم في قياس ورصد أي أنشطة مشبوهة
الشغف سر الإبداع
لديكِ مسيرةٌ متميزةٌ وشغفٌ كبيرٌ بالعلم، هل هناك مَن وجَّهكِ إلى ذلك أثناء دراستكِ الجامعية؟
الشغف هو الوقود والدافع النفسي لتحدي نفسك في المجالات والمهام الصعبة والجديدة عليك. عندما تفعل شيئاً تحبه من المرجَّح أن تصبح أكثر إبداعاً وإنتاجيةً في العمل، وأن تقوم به بشكلٍ أفضل، وما كان لي أن أحقق هذه الإنجازات لولا دعم ومساندة أسرتي لي.
بعيداً عن التعقيدات المالية من احتيالٍ وجرائم، ما أهم اهتماماتكِ الأخرى؟
أحبُّ أن أقرأ في مجالاتٍ عدة. حالياً أقرأ كتاب «Billion dollar whale»، الذي يتحدث عن رجل أعمالٍ ماليزي هاربٍ ومطلوب دولياً، ويواجه تهماً عدة، تتعلَّق بالاحتيال على الأفراد، والشركات، وصندوقٍ سيادي في ماليزيا، إضافةً إلى غسل الأموال والرشاوى والفساد، ويعدُّ ما قام به من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ. كذلك أحبُّ السفر إلى أماكن جديدة لاستكشافها، والاستماع إلى الـ «بودكاست»، إذ يمكنني فعل ذلك وأنا أقوم بأعمالٍ أخرى، ويعجبني «بودكاست ثمانية»، الذي يتضمَّن كثيراً من الإذاعات، منها «سقراط»، الذي يستضيف قادة التحول، و«فنجان»، الذي يلتقي عديداً من الأشخاص في مجالاتٍ مختلفة، و«احتيال»، الذي يكشف عالم المحتالين.
تخصُّصك الدقيق، هل كان له تأثيرٌ على شخصيتكِ وحياتكِ العائلية؟
العمل في التحقيق المالي، يتطلَّب الدقة، أما متابعة القضايا، فتتطلَّب صفاتٍ، أحرص على ألَّا أجلبها معي إلى المنزل. التأثير الوحيد، هو أنني أخوض توعيةً دائمةً لأسرتي وأصدقائي ومعارفي حول الاحتيال.
تابعي المزيد: زهراء عبدالكريم مبتكرة مثبط الزهايمر
العمل خارج السعودية
مسيرتكِ المشرِّفة ربما توفر لك فرصة عملٍ خارج السعودية، هل توافقين على ذلك؟
لن أمانع أبداً إذا ما أتيحت لي الفرصة لتطوير مهاراتي، وتوسيع آفاقي، والاستفادة من القدرات والخبرات الدولية المكتسبة، ونقلها إلى وطني، والمساعدة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للسعودية، التي تتضمَّن تنوَّع الاقتصاد واستدامته.
في الحقيقة سبق أن تم ترشيحي للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً في البنك الدولي، وقد اجتزت اختباراً مقدَّماً من وزارة المالية في السعودية، واختبارين من مركز الأمم المتحدة في الرياض، كما اجتزت مقابلةً واحدةً من أصل اثنتين.
أيضاً تمَّ ترشيحي للعمل في المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية عام 2018 في مقرها بمدريد، وكان عدد الخطوات آنذاك ثماني خطوات، لكن بعد الخطوة الخامسة اعتذروا لي، وفي 2019 رُشِّحت مرةً أخرى للعمل في الجهة نفسها، وبعد الخطوة السابعة اعتذروا لي مجدداً، وفي نهاية ذاك العام جرى ترشيحي للعمل في السلطة النقدية بسنغافورة، وبعد اجتيازي المتطلبات والمقابلة الشخصية، تمَّ قبولي للعمل في بداية عام 2020، لكن بسبب ظروف أزمة كورونا تقرَّر إلغاء البرنامج.
أخيراً، ما خططكِ المستقبلية؟
أطمح خلال الفترة المقبلة إلى المشاركة، من خلال «رؤية السعودية 2030»، في إعداد مبادرات وبرامج، تسهم في قياس ورصد أي أنشطةٍ مشبوهة قبل حدوثها، والحد من المخاطر المترتِّبة على تلك الممارسات، إضافةً إلى تأسيس مكتب استشاراتٍ، يختصُّ بالاستشارات المتعلقة بالاحتيال المالي للمنشآت والأفراد، ويخدم على سبيل المثال تطوير نظامٍ لمكافحة الاحتيال في المنشآت، واعتماد نهجٍ قائم على المخاطر، يضمن منع وكشف الاحتيال، وكذلك معالجة حالات الاحتيال، بما في ذلك إجراء التحقيقات اللازمة، والكشف عن دليلٍ على أصل الاحتيال «عدم الدقة المالية، والانتهاكات التنظيمية، وادعاءات المبلِّغين عن المخالفات، وتضارب المصالح، وغسل الأموال»، وأن يكون المكتب أحد أفضل عشرة مكاتب للاستشارة في السعودية، ويتميز بجودةٍ عالية.
تابعي المزيد: مي المزيني: جيل الشباب الصاعد لديه نظرة كونية في خدمة المجتمع