من المتعارف عليه أنّنا نتناول الطعام للحصول على حاجة أجسامنا من الطاقة، التي تأتي على شكل سعرات حرارية ناتجة من عمليات الحرق داخل الجسم؛ حيث يصرف الجسم هذه الطاقة من خلال العمليات الحيوية داخله، فضلاً عمّا يستهلكه في النشاطات الجسدية والتمارين الرياضية. وللمحافظة على هذه المعادلة الصحية بأفضل حالاتها بعيداً عن السمنة وما يتبعها من أمراض خطرة، تتنوع أسباب السمنة بين أسباب جينية وغير جينية. ومن الضروري اتباع نمط حياة صحي وسليم، يضمن للجسم حصوله على حاجته الغذائية من الطعام، وحاجته الجسدية من التمارين الرياضية بطريقة سليمة ومدروسة حسب فئته العمرية. التقت «سيدتي» ولاء العمري، مستشارة التغذية، للحديث أكثر عن موضوع الجينات والسمنة.
مستشارة التغذية ولاء العمري: الجينات لا تحدد الصحة المستقبلية للإنسان، وإنّما تجعله أكثر عرضة من غيره للإصابة ببعض الاضطرابات كالسمنة
بداية تحدثت العمري قائلة: «تتنوع أسباب السمنة بين أسباب جينية وأسباب غير جينية، وتتمثل الأخيرة في الاضطرابات المرضية، والعلاجات الدوائية المختلفة، والعوامل النفسية، وعدم الحصول على نوم كاف»ٍ.
دراسات في علم الجينات
وتابعت: «أما بالنسبة إلى الأسباب الجينية، فأشارت الدراسات إلى أن الجينات تسهم في تحديد كميات الدهون التي يخزنها الجسم والمنطقة التي يخزنها فيها، كالبطن أو الفخذين. ومن ناحية أخرى، فإن اعتماد الأبوين على نظام غذائي غير صحي وغني بالدهون، يعرض الأبناء لخطر الإصابة بالسمنة والعكس صحيح؛ إذ إن تناول الأطعمة الصحية، واعتياد ممارسة الرياضة يحفز الأبناء على اتباع نمط حياة صحي؛ يقلل من فرصة إصابتهم بالسمنة، وما يتبعها من اضطرابات مرضية.
واستناداً إلى المعلومات العلمية المتوفرة، فإن العامل «الجيني» له دور لا بأس به في الإصابة بالسمنة؛ حيث تلتقي العوامل الجينية مع العادات اليومية، التي تتسبب بدورها بضرب اتزان المعادلة للطاقة المستهلكة والطاقة المفقودة في الجسم. وهناك العديد من الجينات المسؤولة عن الإصابة بالسمنة، أهمها جين (Fat mass and associated gene)؛ حيث إنه يتواجد في 43 % من الناس حول العالم».
بعض العلامات لوجود مثل هذه الجينات، منها:
- المعاناة من السمنة أو السمنة المفرطة في معظم مراحل الحياة.
- معاناة أحد الوالدين أو كليهما من السمنة أو السمنة المفرطة.
- طول فترة الشعور بالجوع.
- صعوبة الشعور بالشبع.
- التركيز على الأطعمة العالية بالسعرات الحرارية، كالسكريات والدهون.
- عدم السيطرة على الكمية المتناولة من الطعام.
- خلو الحياة من أي نوع من أنواع الرياضات أو النشاطات الجسدية.
- صعوبة نزول الوزن، حتى مع اتباع الأنظمة الغذائية وممارسة الرياضية.
ربما تودين قراءة المزيد عن دور العوامل الوراثية في الإصابة بالسمنة
ما أثبتته الدراسات بعلاقة الجينات بالسمنة
إن الجينات لا تحدد الصحة المستقبلية للإنسان، وإنّما تجعله أكثر عرضة من غيره للإصابة ببعض الاضطرابات كالسمنة، على أن تتزامن مع اتباع عادات غذائية غير صحية، ويأتي دورها في إعطاء الجسم الأوامر؛ حتى يستطيع التأقلم مع المحيط، وتكوين ردات فعل لما حوله.
أثبتت الدراسات أن هناك الكثير من الجينات المسؤولة عن الإصابة بالسمنة بنسبة تصل إلى 40-70 %. وإن وجود اختلاف في الأوزان بين الأخوة، وخاصة التوائم، عزز فكرة دور الجينات المرتبطة بالسمنة؛ ما جعل العلماء يبحثون في سبب هذا الاختلاف، خاصة عندما تكون هناك فروقات واضحة بالسلوكيات الروتينية التي يعيشونها، مثل الإدمان على تناول الأكل عند أحدهم، أو ميل جسمه إلى تخزين الدهون، وعدم وجود تحفيز لعمليات الأيض لديه، وهذا يدل على الفرق الجيني الذي أدى إلى مثل هذه الاختلافات في الأوزان والروتين اليومي المبني عليه.
هناك بعض الجينات المسؤولة عن السمنة، يكون الخلل فيها مختلفاً عن باقي الجينات، مع أنه نادراً ما يحدث، ولكن تعدّ المعالجة منه صعبة من دون استخدام بعض الأدوية، ومن أهم هذه الجينات:
نقص في هرمون اللبتين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالشبع عند امتلاء المعدة، ولكن هناك أشخاص لديهم نقص جيني فيه؛ حيث يعانون من عدم الشعور بالشبع.
نقص في الجين المسؤول عن إرسال إشارات الشعور بالجوع والشبع للدماغ؛ حيث ثبت أن من لديهم هذا النقص الجيني يعانون من عدم تفسير الدماغ للإشارات بشكل صحيح؛ ما ينتج منه الشعور الدائم بالجوع.
التاريخ المرضي للعائلة
لحسم موضوع ما إذا كانت السمنة وراثية أم لا، عادة ما يتم الطلب من المرضى المصابين بالسمنة تقديم معلومات كافية ووافية عن التاريخ المرضي لعائلاتهم، فيما إذا كان أحد منهم مصاباً بالأمراض الناجمة عن السمنة، مثل: السكري النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، أو أمراض القلب والشرايين؛ لأن الأبناء عادة يرثون أغلب جيناتهم من الآباء، لذلك يمكن أن يكون سبب السمنة وراثياً لدى المريض، ويمكن الكشف عن ذلك بالاستناد إلى التاريخ المرضي لعائلة ذوي المريض.
وبناء عليه، يتم إلزام المريض باتّباع نظام غذائي صحي مناسب له، مع ممارسة التمارين الرياضية المناسبة بشكل ثابت لمواجهة هذه التوليفة الجينية لديه. ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة ليس من شأنها تعديل الخلل الناجم عن الجينات، ولكنها ستساعد المريض على التعديل من الممارسات الخاطئة، ونظام الحياة التي يعيشها؛ حيث إن الاستمرار سيحافظ على صحة العائلة كاملة، وحتى على الموروثات الجينية الجيدة التي ستنتقل إلى الأجيال القادمة وراثياً.
تحدي الوراثة
إذا ورثت بعض الجينات التي تتعلق بالسمنة من أبويك، فلنفترض أنك خسرت 50 % من الحرب، ولكن الجانب المضيء يقول إنك ما زلت تملك الـ50 % الباقية، وأنت الآن المسؤول عما تقوم به، وما تورثه لأبنائك من عادات غذائية صحية، تساعدهم على التغلب على جينات السمنة وقلبها لصالحهم وصالح لما بعدهم من الأجيال، وهذا ما يسمى «تحدي الوراثة».
وهنا، لا يمكن القول إن السمنة الوراثية ليس لها علاج أو حل، وإنّما يتطلب التعامل معها جهداً ووقتاً أكبر من تلك التي تأتي من أسباب بعيدة عن الجينات والوراثة، وهناك الكثير من الطرق، مثل:
- العمليات الجراحية، مثل: عمليات قص المعدة، وتحويل المسار.
- التقنيات غير الجراحية، التي من شأنها تصغير حجم المعدة، كحقن البوتوكس، وتركيب حلقة المعدة... وغيرها.
- الأدوية التي تعمل على زيادة إفراز بعض الببتيدات في الأمعاء المسؤولة عن تقليل الشهية وإعطاء شعور الشبع.
- النظام الغذائي الصحي المناسب، الذي من الضروري أن يكون تحت إشراف ومتابعة أخصائي تغذية.
هل ترغبين بالتعرف إلى جديد الطب: علاج السمنة بفعالية وفقاً لاحتياجات كل الشخص
*ملاحظة من "سيدتي نت": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.