كانت كثيرة الفضول في طفولتها، ودائمة النظر إلى تفاصيل البيت، تتساءل لماذا تكون النافذة مربعة، ولماذا يكون الباب مستطيلاً، حتى مساحات الغرف مربعة، ومليئة بالزوايا الحادة؛ حيث لا وجود للدائرة، لماذا هذا التطابق، ما سببه، هل هناك خلل؟ وعندما كبرت رغبت في دخول مجال التصميم، لتبتكر أشياء جميلة لنفسها، بعيداً عن المربعات، وبعيداً عن الزوايا الحادة، كانت تحاول البحث عمّا يوافق خيالها وتجده مع اللعب في الطبيعة، التي أمضت أغلب أوقات طفولتها فيها، من الحدائق والبر والبحر، حتى في سفرها، كانت عائلتها تختار الأماكن التي تحكي طبيعتها قصة ملونة من إبداع الخالق. هي المصممة الإماراتية علياء المزروعي، الحاصلة على بكالوريوس الفنون الجميلة في التصميم الداخلي من جامعة زايد، التي اصطحبتنا في جولة دخلنا فيها عالمها الإبداعي من قطع الأثاث.
علياء المزروعي
تميل تصميمات علياء، إلى «المودرن» المستوحى من التراث الإماراتي، من البيئة التي تضيء فيها الصحارى الرملية وهي تحتضن أجمل كثبانها، فيما تنتشر واحاتها بهدوء بالغ في أمكنة لا يمكن تخيل جمال تكوينها، تتابع علياء: «حتى السلاسل الجبلية، والوديان، والشواطئ، وأشجار المانغروف والسهول في الإمارات، كانت بخاطري، عندما أفكر في تصميم جديد؛ حيث تنوعت المواد التي أستخدمها في تصاميمي، لأكتسب خبرات من أكثر من جهة، فبدأت مثلاً باستخدام الخشب، والأقمشة، والرزن؛ أي الأحجار، كما أنني أخيراً أستخدم السراميك، وترجمت العادات والثيمات الإماراتية في تصميماتي، فأبدعت في الجلسة التي تعبر عن الكرم في منطقتنا، درست طريقة الجلسات الإماراتية، وكيف تكون هيئة الرجل وهو جالس في هذا المكان، وصممت كرسيّاً يوحي بأن شخصاً جالساً عليه في وضعية معينة، والقطعة الثانية استوحيتها من سمكة اللخمة، التي تعيش بكثرة في الخليج العربي، وتميل إلى الاستقرار في الرمال الضحلة، والتي كانت ضمن الوليمة الغذائية التي يتناولها الإماراتيون منذ القدم، جسدت هذه الأيقونة أيضاً على شكل كرسي، لأعيد إلى الأذهان أهمية هذه السمكة، التي يصعب صيدها، في تاريخ موائدنا، أحببت أن ألفت النظر إلى رابط لم يتكرر كثيراً مثل السدر أو الغزلان التي تميز بيئتنا».
طرحت علياء أيضاً تصميمها «كاج»، وهو الشكل المخروطي لـ «الكجوجة»، وهي قاعدة طاولة مصنوعة من الجبس على نمط التريسة terrazzo يوضع فوقها هيكل عضوي شفاف ملون مع سطح يستخدم طاولة.
كل قطعة صممتها تحكي قصة إماراتية، استوحتها من مجالستها لكبار السن، للحصول على معلومات، قد لا تجدها في بحثها الدراسي.
فائدة التصاميم المجتمعية
اتجه المصممون الصناعيون لابتكار قطع متعددة الوظائف والأوجه، التي يتغير استخدامها بمرور الزمن، وذلك للحفاظ على البيئة، بهذه القطع المستدامة، ومنذ البدايات كانت رغبة علياء في تصميماتها أن تحقق هذا الغرض، وتحديداً الفائدة المجتمعية، تتابع قائلة: «ابتكرت نموذجاً لجلسة، يمكن تخصيصها للأماكن العامة، كي تحمي العمال من الشمس أثناء انتظارهم للباص، سقف أرضيتها يسمح للحيوان الأليف بالاحتماء، بينما جانبها مصمم بوصفه موقفاً للدراجات، هذا التصميم، أتاح استخدامات عدة تفيد أفراد المجتمع».
تابعي اللقاء الخاص مع المصممة كارن شكرجيان: الفنون والحرف كانت منقذة لي
أصعب المراحل
في إبداعها لا تميل المصممة الشابة إلى الإبداع في مساحات معينة، سواء كانت واسعة أو ضيقة، بل تجد أن الإبداع يتجسد مهما كانت المساحة، والنظرة الجمالية للمصمم، تظهر برأيها في القطع التي تميل إلى الواقع، تستدرك قائلة: «في فترة العمل على التصميم، ينتابني القليل من القلق، عمّا إذا كان الشكل النهائي لتصميمي، سيكون مثلما أتخيل، هل سينال إعجاب من حولي، لا يمكنني أن أتصور ما ستراه عيني إلا بعد أن أنجز تصميمي نهائياً، ربما كانت هذه من أصعب المراحل التي تمر بها قطعي الفنية؛ لأنني أكون بين نارين، خيالي المجنح وآمالي التي تؤمن بفني، وبين خوفي من ألا أصل إلى المستوى الذي أريده، وهو أمر لا يسبب لي الإحباط بقدر ما يمدني بشحنات من الحماسة».
أشياء قابلة للاستخدام
تعشق علياء العمل في فضاءت لا تتسع إلا لروحها وخيالها، وهذه الأجواء التي توحي لها بالتصميم الجديد، تعلقّ: «أحياناً أميل إلى صحبة الأهل لأربط بين أفكارهم وتصميمي الذي أتخيله بشكل عصري، أحب أن آخذ رأي نوعين من الناس، من لهم علاقة بالتصميم، ومن ليس لهم علاقة به أبداً، تعجبني وجهات نظرهم التي تنبع من حاجتهم، فهذا يساعدني كثيراً على تصميم أشياء قابلة للاستخدام الحي».
أحب أن أرى تصميماتي ضمن مجموعة المقتنين الذي يقدرون قيمة الفن، وهم أنفسهم المولعون بجمع اللوحات، وهم أناس جديرون بالتقييم
قيمة الفن
تحب المزروعي أن ترى قطعها ضمن مجموعة المقتنين الذي يقدرون قيمة الفن، وهم أنفسهم المولعون بجمع اللوحات، وهم أناس جديرون بالتقييم؛ لأنها مصممة تربط الفن بتصميم قطع الأثاث، كما أنها لا تفضل رؤية ما تبدعه في البيوت، بقدر ما تتخيل وضعه في الأماكن العامة، مثل الأستديو الفني، أو مكان استقبال لفندق، يعتمد تصميمه على خلفية فنية، تستدرك قائلة: «ما زلت أرتبط بشكل خاص بتصميم كرسي اللخمة، وأحب أن أراه في أمكنة تفهم معناه، وتقدر ارتباطه بالتراث الإماراتي، وقد عملت مع مجموعة مصممين برعاية هيئة الثقافة والشباب، في مشاريع أشرفت عليها نورة الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في دولة الإمارات العربية، وقد أتيحت لي الفرصة لعرض تصميماتي في ميلان بإيطاليا، ثم لندن، تلاه الأسبوع الإماراتي في فرنسا، ثم عدت لعرض منتجي في دبي، عرضت في كل بلد قطعة فنية، بدأتها بكرسي اللخمة، وطاولة من الأحجار، ثم تصميم فني للأطفال، مستوحى من مجلة ماجد، كنّا عشرة مصممين، عرضوا تصاميمهم، التي لاقت إعجاب الجمهور كثيراً، في معارض شكلت حواراً ثقافياً راقياً بين البلدان، بلغة الفن».
من عالم الديكور نقترح عليك قراءة اللقاء مع المصممة الأردنية العنود النابلسي: أبحث عن التنوع في اختيار المواد من جميع أنحاء العالم
طاقات إبداعية لا تنضب
بدت علياء معجبة بتصميمات الإماراتي عبد الله الملا، فهو صاحب أسلوب فني يعتمد على طاقات إبداعية لا تنضب؛ يبتكر أفكاراً جديدة ويطورها للارتقاء بتصاميمه. وتؤلف المنهجيات التي يستخدمها سلسلة من الاستكشافات التصميمية النظرية والمرئية ضمن موضوع محدد، تردف قائلة: «لقد قام بتجسيد الملامح البصرية للكثبان الرملية، من خلال عمل فني استخدم فيه تشطيبات من القطع النحاسية العتيقة التي صورت جمال التراث الإماراتي من جهة، ووقفت بصلابتها تؤكد جودة الفن أمام اختبارات الزمن».
أمر يثير القلق
نحن في عصر التصميم عبر الذكاء الاصطناعي، وقد ظهرت مواقع تعتمد فقط على صورة المكان المراد تصميمه، لتعطي للعميل خيارات تصميمية عدة، فهل حقاً هذا ما وصلنا إليه، هنا تكشف علياء أنه أمر قد يوتر المصممين بالفعل، لكن مدى تأثيره في المصممين غير معروف بعد، تتابع: «هو شيء جميل، ويسهل للعميل فكرة التصميم، لكن هل يلبي طلباته في التصميم الداخلي، من حيث الجودة، كما يفعل المصمم أثناء تواصله مع العميل.. لا أدري، فالمستقبل ليس واضحاً بعد».
استفادت علياء من التكنولوجيا في أعمالها، من خلال البرامج التي ساعدتها على التخطيط ثلاثي الأبعاد، وبما أن عملها يدوي، فقد اقتصر استخدامها على هذه البرامج. لترى نتيجة عملها قبل انتهائه.
تقليد غير مدروس
تتجنب علياء تكرار التصميمات، التي تراها منتشرة في محلات تصميم الأثاث، ويبدو أن هذا الأمر يضايقها إلى حد كبير، وهذا ينشر ثقافة التقليد غير المدروس... تشعر أيضاً بأسف شديد لتباين الأسعار، وتعلّق: «أنا بصفتي مصممة داخلية، قد أقصد مكاناً أشتري منه قطعة فنية بسعر مرتفع، لأتفاجأ بعد أسبوعين، بوجودها في محل آخر بنصف السعر، هذا أمر، قد يقلل من ثقة العميل، فكل الأثاث متكرر، سابقاً كنت أقصد معرضاً للأثاث بقصد اقتناء قطع تميل ناحية طابع معين، لكن التشابه الآن يصعب الأمر على المصمم، وعندما يطلب العميل تصاميم متفردة، أصنعها بنفسي بكل خطواتها، فجميع قطع أثاثي أصنعها في مصانع خارج الدولة، لا ألجأ أبداً للجاهز المعروض في الأسواق».
تقدم علياء مجموعة نصائح للأمهات، عندما يقبلن على تصميم غرفة لأطفالهن، وتكون مستدامة، وتحافظ على البيئة؛ إذ تقول:
أولاً: اختاري الألوان الفاتحة، وتجنبي ألوان الأحمر والأصفر، وركزي على الأخضر الفاتح والبيج.
ثانياً: اختاري القطع الخشبية، وابتعدي عن المعدن.
ثالثاً: ركزي على القطع التي تعتمد على المنسوجات، من الصوف والقطن والفابريك.
رابعاً: اختاري القطع بأحجام صغيرة، وليست ذات زوايا حادة، بل الجئي إلى الطاولات المستديرة.
ما برأيك بمتابعة اللقاء مع المهندسة نهى محسن: أترك توقيعي على التصميم بعيداً من التأثر بأحد