في طفولتها عشقت قراءة القصص الخرافية مثل هاري بوتر، وقصص الماضي التي تأخذها من الواقع إلى عالم الخيال، أرادت ملء حياتها في واقع تلك الأيام الذي تألمت فيه بسبب انفصال والديها عن بعضهما، فوجدت القراءة ملاذاً دافئاً. مالت ميثة إلى الرسم، الذي ورثته عن أمها، التي كانت بارعة في رسم شخصيات ديزني، وانتقلت بعده إلى الرسم الياباني المانغا، والإنيميشن، وصارت تدخل مسابقات الرسم في المدرسة؛ حيث لاقت التشجيع من مدرساتها، لدخول مسابقة الشيخة لطيفة، ورسمت يومها فتاة تعزف على الكمان وهي تبدع عالمها الخيالي بالباستيل. إنها المخرجة السينمائية الإماراتية ميثة العوضي، التي كان لنا معها لقاء خاص في يوم المرأة الإماراتية 2023.
حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | غريغ أدامسكي Greg Adamski
تنسيق الأزياء | ناتالي الدكّاش Natalie El Daccach
الشعر والمكياج | مجموعة صالونات المصفف العالمي عمرو
موقع التصوير | theworkshopdubai@
ميثة العوضي
لم تكن تتجاوز 17 سنة يوم اصطحبتها أمها إلى أستراليا، كانت فتاة شديدة الخجل في مراهقتها، لدرجة تمتنع فيها من الرد على الهاتف، خوفاً من أن تفاجأ بصوت غريب، تتذكر ميثة عبارة أمها، التي تقول: «ابنتي ستحقق ما لم أتمكن أنا من تحقيقه»، لكنها شجعتها لتكون ما تريد، في صناعة الأفلام، وخلال 6 سنوات عاشتها في أستراليا تغيرت تلك الشخصية الخجولة، وأصبحت دائمة البحث عن كل ما هو جديد، كما تغيرت اهتماماتها من الشغف بالرسوم المتحركة، إلى عشق الأفلام، تتابع قائلة: «في الجامعة، كنت أريد دخول الإخراج عبر Character Designer وأطمح إلى العمل في شركة بيكسار، ودريم وورك، لم يكن الرسم بالنسبة إلي مجرد هواية، فالورقة والخطوط الملونة كانا يأخذاني إلى عوالم أخرى».
تابعي لقاء خاص مع النجمة لبلبة
حديث المشاهير
عندما عادت ميثة إلى الإمارات التحقت بالراديو كمذيعة وقامت بتغطية كل ما يخص الأفلام والتلفزيون وبما فيه المهرجانات السينمائية، تتذكر تغطيتها لمهرجان أبوظبي السينمائي ومهرجان دبي السينمائي، وكيف راقبت الممثلين والمخرجين، الذين أتوا من أنحاء العالم ليعرضوا علينا أفلامهم وقصصهم، وإبداعاتهم، وحديثها مع المشاهير على السجادة الحمراء، ومنهم المخرج الأمريكي ديفيد أو راسيل، فتملكتها رغبة، بأن تكون هي مكانه، والناس والصحافة يسألونها عن تميز شخصيات أفلامها.
تتابع قائلة: «حصلت على منحة لدراسة الماجستير في جامعة University of Sussex للأفلام في برايتون، المملكة المتحدة، وفي تلك الفترة، أخرجت نحو 10 أفلام قصيرة، منهما الفيلمان اللذان فازا بجوائز عالمية، وعندما دخلت حصص الأفلام في الجامعة شعرت برغبة لكتابة نص سينمائي، على أن أقوم أنا بإخراجه، فأخرجت فيلمي القصير «تشارلي» الذي فاز بأفضل فيلم قصير في Universal Film Festival الأميركي الذي عجزت عن إيجاد ممول له، ولأن أمي آمنت بي، مولت الفيلم من مالها الخاص، وجمعت لي باقي المال من جدتي وخالاتي ونساء أخوالي، الذين أرسلوه لي، ببساطة أريد أن أقول إن كل من دعمني هن من النساء، اللواتي كن فخورات بي، ثم عملن جميعهن مع جدتي للترويج لفيلمي، كنّ يوزعن بطاقات عملي ويتحدثن عني أمام جميع الناس».
عادت ميثة إلى الإمارات، لإنتاج الفيديوهات للشركات وللسوشيال ميديا، وأيامها شاركت في مسابقة لمهرجان الشيخ ماجد بن محمد بن راشد، وقد فازت بالمركز الثاني عن فيلم الرسوم المتحركة القصير «بصمة» وكان ذلك في فترة دراستها للبكالوريوس 2011 حيث عرضت فيلماً من تأليفها رسمت شخصياته بنفسها، وكان هذا أول ظهور لها بالإعلام، وهذا ما شجعها لتكمل، وتترقب تعليقات الناس.
في أفلامي اكتشفت نفسي بصفتي إماراتية من جديد عليها أن تفي بدينها لوطنها، من خلال حكايا الهوية الوطنية
أمي وجدتي
برزت الأم كثيراً في أفلام ميثة، ومنها فيلم موجود حالياً على اليوتيوب بعنوان (في اتحاد إماراتنا مستقبل صنعه التاريخ)، تناولت فيه تشجيع الأمهات لبناتهن، ليحققن أحلامهن؛ حيث يظهر في الفيلم تعلّق المخرجة الشابة بأمها وتصفها بالمثقفة، التي تزوجت صغيرة في عمر الـ 18، ومع ذلك حققت حلمها في تأسيس بيتها والحصول على منصب مدير حسابات بطاقات السفير في مؤسسة الإمارات العامة للبترول، تستدرك قائلة: «أمي بالنسبة إلي هي المرأة الحديدية، التي أعطتني الدفع لأكون مثلها، وعلمتني أن لا شيء مستحيل، حتى جدتي لم أكن أعرف شيئاً عن ماضيها المتعب، وكيف أنها كبرت من غير أم، ولم تكمل دراستها، وانفصلت عن زوجها، لتتفرغ لتربية بناتها، ورعاية أختها المريضة، الكل كان يطلب استشارتها في أموره الحياتية، وأنا إلى الآن أعيش معها، فهي التي شجعتني على دخول الإخراج، ودائماً تقول لي: «أنا لا أصدق أنك مخرجة، حتى أراك في التلفزيون، وأتابع أفلامك.. أنا نبتة، ترعرعت من سقيا أمي وجدتي، ووجودهما هو سبب ألوان حياتي».
«آكشن!»
تذكر ميثة المرة الأولى التي كانت تبحث فيها عن بيت إماراتي، للشركة التي كانت تعمل بها، لتصور فيه إعلاناً، يعرض في رمضان 2018، تستدرك قائلة: «أذكر يومها جدتي التي شبكت يداً بيد، وقالت، لماذا لا تصورين في بيتنا، ومع حرص الإماراتيين، على خصوصية بيوتهم، صورنا الفيلم بالفعل، والجميل في الأمر أن أختي الصغيرة شوق، شاركت فيه، وكان عمرها في تلك الفترة 8 سنوات، فيما جدتي كانت تجلس وتتابع التصوير وهي تشرب الشاي، وسط الطاقم الإماراتي، الذين كانوا جميعهم يعرفونها ويستأنسون بها، وتتعالى ضحكاتهم، كلما قلت «يلا يلا action كانت جدتي تقلدني وتردد العبارة ورائي».
كما ذكرت أنه سبق لجدتها أن سمحت لطاقم فيلم بالتصوير، في منزل والدها بحي الفهيدي عام 1994، مسلسل «مرمر زماني» من تمثيل الفنان القدير (رحمه الله) عبد الحسين عبد الرضا، والفنان القدير حسن رجب والفنانة القديرة فاطمة الحوسني، وتحدثت عن الدعم الذي لولاها، لن تجده في مكان آخر، وهذا ما أثر تماماً في بناء شخصيتها.
نساء دعمنني
لا تنسى ميثة عبارات معلمة اللغة الإنجليزية السيدة كلثاوي في مدرسة دبي الوطنية، التي قالت فيها: «تابعي ما بدأت به في الكتابة، لا تجعلي أحداً يقف أمامك ويمنعك، أنت موهوبة، فلا تسمحي لأحد أن يحبطك، ويقول لك كتابتك ليست بالمستوى المطلوب». ولا تغفل موقف صديقاتها، اللواتي طالما تلقت منهن عبارات التشجيع، ومنهن الصديقة بشرى المدني، التي شجعتها، وجمعت لها أطفال العائلة، من أبنائها وأبناء أخواتها، في الفيلم الذي صورته في اليوم الوطني الـ 50، وكانت أعمارهم تتراوح بين 9 أشهر و12 سنوات، يومها جمعت لها أكثر من 10 أطفال.وهي تركز كغيرها من المؤلفين والمخرجين الإماراتيين، على إبراز الهوية الإماراتية في أفلامها، التي تجد ضرورة دعمها، والحديث عنها، تستدرك: «نحن دولة صغيرة أكملنا 50 سنة، فهويتنا وانفتاحنا على عالم الأفلام جديد، بعد أن أصبح لدينا العديد من المخرجين والمخرجات المرموقات مثل نائلة خاجة وعلي مصطفى والنواف الجناحي ومحمد سعيد حارب، هم من بدؤوا مسيرتنا، التي بحثنا وعالجنا فيها جميعاً، بوصفنا مخرجين، الهوية الإماراتية، لنظهر للناس من نحن، ونركز على عاداتنا وتقاليدنا، التي تميزنا حتى عن باقي الدول الخليجية، وعندما عدت من السفر كنت أقول أريد أن أخرج أفلاماً أجنبية أو هندية، لكنني عندما اطلعت على قصصنا، واكتشفت نفسي بصفتي إماراتية من جديد عليها أن توفي بدينها لوطنها، وضرورة تحديد مواقف أطفالنا وأحفادنا في المستقبل تجاه هويتنا، ولباسنا وعاداتنا، وتلاحم عائلاتنا، لذلك لا بد أن نشرح لمن يشاركوننا أرضنا طبيعة أحلامنا كإماراتيين حتى يفهموا ويدركوا أهمية تمسكنا بهويتنا».
نقترح عليك اللقاء مع الفنانة التشكيلية والخزفية الإماراتية حصة العجماني
حكاية صوت لم يُسمع
يدور فن السينما حول مشاركة أسوأ وأفضل ما في الإنسانية؟ هذه الحالة تركز عليها ميثة، التي تجد أن وجود الشخصيات الشريرة في السينما، يقابله شخصيات مليئة بالخير والسلام، فهناك الغيرة والمحبة والكراهية والطيبة، تتابع قائلة: «في النهاية يريد المتلقي أن يتابع فيلماً يذكره بنفسه، ليس هناك فيلم سلبي أو إيجابي، لا بد من وجود التوازن بينهما، وعلى المخرج والممثل أن يمتلكا خلفية عن طبيعة الشخصية، وسيكولوجيتها، وأنا دائماً أقول إن الممثل يعطي الروح للشخصية، التي أحب أن أسمِع صوتها للناس، وهذا ما أريده في فيلمي الجديد «نور».
كتبت ميثة نصاً سينمائياً اسمه نور، وهي قصة مؤثرة تنوي إخراجها بإنتاج سوري، تحكي ظروف الحرب مع عائلة سورية تعاني من مشاكل خارج إرادتها، من 2013 إلى 2015، تستطرد قائلة: «يوم كتبت السيناريو، كنت أشتغل صحفية في الراديو، وأتابع كل ما يحصل، فتأثرت جداً بالحرب، وقررت كتابة نص لقصة أحب أن أسمعها لكل عربي، ليدركوا حكاية هذا الصوت، عبر ممثلين في هذه القصة الإنسانية».
فاز سيناريو فيلم «نور» الذي ألفته ميثة في جائزة أوريغون السينمائية الدولية، وجائزة مهرجان المكسيك السينمائي، وجائزة مهرجان الحصاد الذهبي «جولدن هارفيست» للأفلام.
أشاهد أمام عيني أختي وصديقاتها اللواتي لم يتجاوزن الـ 16 سنة، وتلك الثقة الكبيرة التي يمتلكنها في أنفسهن
شكراً لكم
تحت شعار «نتشارك للغد»، تحتفل الإمارات بيوم المرأة الإماراتية، الذي يصادف يوم 28 أغسطس من كل عام. وبهذا اليوم، تشكر المخرجة ميثة، شيوخ الإمارات وقادتها، الذين أتاحوا للمرأة أن ترفع صوتها عالياً، فحققت نجاحات أوصلتها إلى الفضاء، وتغلبت في بعض المواقع الحيوية التي كانت تقتصر على الرجال، وبدعم يبدأ من رجال عائلتها أنفسهم، تستدرك: «أفتخر بالجيل الإماراتي من الفتيات الصغيرات، اللواتي تشجعني مواقفهن أن أكون قدوة لهن، أشاهد أمام عيني أختي وصديقاتها اللواتي لم يتجاوزن الـ 16 سنة، وتلك الثقة الكبيرة التي يمتلكنها في أنفسهن، بينما أذكر أنني في سنها، كانت حاجتي كبيرة للدعم، حتى أتمكن من الثقة بنفسي».
تجد المخرجة العوضي أن للمرأة الإماراتية مكانة رائعة في مجال السينما، حيث إن العديد من النساء قد طرحن بالفعل رؤى مبتكرة وجديدة للموضوعات التي لم تتم مناقشتها كثيراً في مجتمعنا، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير لتحقيقه لترك بصمتنا والتأثير على المجال بسبب نقص الفرص وإمكانية العثور عليها، تعلّق: «نحتاج إلى البدء ليس فقط في منح النساء الإماراتيات فرصة في قيادة المشاريع، ولكن أيضاً الرجال الإماراتيين، كما أتمنى مستقبلاً أفضل للممثلات في الإمارات، اللواتي أتأمل وجودهن أكثر قوة وعدداً، وأطلب منهن إعطاء ثقة أكبر للكتاب والمخرجين الإماراتيين، الذين يحرصون ألا تخالف شخصيات أفلامهم العادات والتقاليد، فأصولنا التي لن تختفي من حواراتنا، والدين الإسلامي سيظل راسخاً في تعاملنا مع بعضنا، وطريقة وجودنا في هذه الأفلام، ليس هناك سبب يمنعهن من التواجد في هذا المجال، فلا أحد يمكن أن «يرمس» حكاية إماراتية إلا الوجه الإماراتي».
في أفلامي اكتشفت نفسي بصفتي إماراتية من جديد عليها أن تفي بدينها لوطنها، من خلال حكايا الهوية الوطنية
أحلم بالأوسكار
بناء ثقافة تركز علينا نحن كمجموعة وليس كأفراد، هو ما تطمح إليه المخرجة الإماراتية، حيث يمكننا إحداث فرق أكبر، كما تقول، سوياً وليس بمفردنا، تعلّق قائلة: «أشعر بأن الخطوة الأولى هي مساعدة بعضنا البعض على الارتقاء إلى القمة، لأن كل إنجاز يحققه أحدنا يخلق فرصة للآخرين للنجاح أيضاً».
تم اختيار أفلام ميثة وسيناريوهاتها رسميًا في أكثر من 40 مهرجانناً حول العالم، وفازت الأفلام بحوالي 13 جائزة في المجمل. كما شاركت في محادثات TEDx حيث تحدثت إلى شباب مدرسة جميرا الناطقة بالإنجليزية حول موضوع، كان يعني لها شخصياً الكثير وقد كانت تعاني منه عندما كنت صغيرة، وهو موضوع «الهوية» ومعرفة من أنت حقاً.
تحلم ميثة أن تكون من أوائل الإماراتيين، الذين يفوزون بجائزة الأوسكار، لتسلط الضوء على منطقتنا وأفلامنا وقصصنا، كما تتمنى نشر ثقافة التعاون في صناعة السينما المحلية، حتى نتمكن من إنشاء مجموعة تستقطب المواهب، وهي ترغب في دعم صانعي الأفلام وتحفيز الطموحين على صنع أفلامهم الخاصة، تعلّق: «نحن صانعو أفلام مستقلون من دون أي هيئة تمويل، نحتاج إلى مساعدة بعضنا البعض من خلال التعاون لضمان ازدهار صناعة السينما الإماراتية ولتصبح مركزاً لصناعة الأفلام في المنطقة».
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المخرجة التونسية كوثر بن هنية: المخرجون السعوديون لديهم كنز ثمين بين أيديهم