سليم توربالي رجل مسلم مهاجر في فرنسا في الثّانيّة والأربعين من العمر وهو في الأصل من جزيرة "الموريس" الواقعة في المحيط الهندي. هاجر إلى فرنسا منذ أن كان عمره 16 عاماً، و يعمل منذ عشرة أعوام حارساً ويتقاضى أجراً زهيداً نسبيّاً، وهو متزوّج من امرأة تكبره بـ 8 سنوات وله ابنة وحيدة، ويقيم ويعيش مع أسرته الصّغيرة في شقّة متواضعة في إحدى الضواحي الباريسيّة.
فجأة أصبح هذا الرّجل الكادح المغمور "نجماً" في فرنسا كلّها، واحتلّت صوره وأخباره كبريّات الصّحف والمجلّات، وتصدّرت تصريحاته كلّ الإذاعات والقنوات التلفزيّونيّة بل إنّ وسائل إعلام عالميّة كثيرة تهافتت عليه للظّفر منه بحديث أو لقاء معه، وسبب هذا الاهتمام المفاجئ نجاحه بصفته حارساً في منع أحد الإرهابيّين الانتحاريّين من الدّخول إلى "ستاد دي فرانس" (ملعب فرنسا)، الواقع في ضاحيّة "سانت دوني" بضواحي باريس، يوم إجراء مباراة ودية في كرة القدم بين المنتخبين الفرنسيّ والألماني، بحضور الرّئيس الفرنسيّ نفسه فرانسوا هولاند، وبذلك حال دون حدوث مأساة وكارثة.
الحادثة
بدأ دخول الجماهير الغفيرة منذ السّابعة مساء عندما فتحت الأبواب الكثيرة للملعب حيث يقف على كلّ باب يوجد حارس. وعند السّاعة الثّامنة والرّبع تقدّم شاب عشريني من سليم توربالي راجيّاً منه السّماح له بالدّخول، ولمّا منعه بسبب عدم إظهاره تذكرته، إذ زعم أنّه سينادي صديقه الموجود داخل الملعب لأنه نسي التذكرة معه. وبكلّ برودة دم وهدوء منعه سليم من الدخول من دون أن يشكّ في أمره، فلا شيء يدلّ على أنّه إرهابي انتحاري ولكنّه صدّه رغم إلحاحه، لأنّه لم يكن يحمل تذكرة.
وتبيّن بعد ذلك أن الإرهابي بلال الهادفي كان يحمل حزاماً ناسفاً ويعتزم تفجير نفسه وسط الجمهور الحاضر في الملعب ليقتل أكبر عدد ممكن منهم. حصل هذا يوم حدوث الهجمات الإرهابيّة في باريس يوم 13 نوفمبر الماضي، والتّي أسفرت عن وفاة 130 شخصاً وجرح المئات.
توزّع الارهابيّون على عديد الأماكن في فرنسا وثلاثة منهم توجهوا إلى ملعب فرنسا وكلّهم يحملون أحزمة ناسفة، واتفقوا جميعاً على أن يكون موعد التفجيرات في ساعة محدّدة وبتوقيت واحد. بلال الهادفي أراد مراوغة الحارس سليم واجتياز المراقبة، ولكنّه لم يفلح، وعندما اتّجه إلى باب ثان قام سليم بتنبيه زميله الحارس فمنعه هو الآخر.
الساعة التّاسعة و20 دقيقة استمع سليم إلى دويّ انفجار رهيب. لم يفهم في البداية ما حصل، بعد أن استحال عليه الدّخول ابتعد الإرهابي الانتحاري قليلاً ثمّ فجّر نفسه، وكذلك فعل بعد قليل اثنان آخران كانا في جانب آخر خارج الملعب. تطايرت الشظايا في كلّ مكان وتمّ إجلاء الرّئيس بسرعة. لم يمت أحد في المكان هذا، وأمرت الشرطة الجمهور بعدم مغادرة الملعب خشية حصول انفجارات انتحاريّة عند الخروج.
يقول سليم في شهادته لقناة "nbc" إنّ ما سمعه كان يشبه البركان. وعندما رأى بقية أشلاء بلال الهادفي أكّد للشّرطة –وهو يرتعش- أنه هو فعلاً الشّخص الذّي تقدّم إليه. لم يتذكّر جيّداً ملابسه ولكنّه يذكر وجهه الطفوليّ. أدرك سليم أنّه مرّ بجانب الموت مضيفاً: "كان من الممكن أن أكون أحد الضّحايا، كما كان ممكناً موت المئات لو دخل الإرهابي الانتحاري إلى الملعب".
في التوقيت نفسه هاجم إرهابيون آخرون مسرح "باتاكلان" ومقاهٍ ومطاعم في العاصمة الفرنسيّة باريس وقتلوا 130 شخصاً، جلّهم من الشّباب ومن بينهم عرباً ومسلمين وجرحوا المئات.
سليم مسلم ويقوم بجميع فراضه ويؤكد أنّه لا يعدّ نفسه بطلاً، ولكنّه فقط قام بعمله كما يمليه عليه واجبه وضميره، حسب تعبيره.
الجدير بالذّكر أنّ 5 ملايين مسلم يعيشون ويقيمون في فرنسا، أي نسبة 7 في المائة من السكّان، وتعدّ الدّيانة الاسلاميّة هي الدّيانة الثانية في فرنسا.