أظهر بحث جديد صادر عن عيادات "مايو كلينيك" للبحوث الطبيةMayo Clinic أن سلامة الجهاز الهضمي تتعلّق علاقة وثيقة بالنمط المعيشي، وتشمل الطعام الذي نتناوله ومقدار الرياضة التي نمارسها ووتيرة الحياة اليومية ودرجة التوتر التي نتعرّض لها. وتفيد التقديرات العالمية الصادرة عن "منظمة الصحة العالمية" WHO أن شخصاً واحداً من بين كل 5 أشخاص أصحّاء قد يصاب بمشكلة هضمية معيّنة ناتجة عن سوء التغذية أو الإفراط في تناول الأطعمة الضارّة المحتوية على نسبة عالية من الدهون المشبّعة التي تتسبّب بشكل مباشر في الاضطرابات الهضمية (ألم في المعدة وصعوبة في البلع وانتفاخ بالبطن وغازات معوية وعسر في الهضم وحرقة شديدة في المعدة).
وتجدر الإشارة إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الجهاز الهضمي إلى 50% منذ العام 1995، علماً أن هذه النسبة لم تكن تتجاوز مريضاً واحداً من بين كلّ 10 أشخاص أصحّاء. "سيدتي" اطّلعت من أستاذة التغذية العلاجية ورئيسة قسم التغذية في مستشفى الملك سعود نوال البركاتي عن أسباب انتشار الاضطرابات الهضمية ودور الغذاء في علاجها وطرق الحفاظ على صحة القولون وسلامة القناة الهضمية في الجسم.
يتألّف الجهاز الهضمي من أعضاء عدّة تقوم بنقل الطعام المتناول وتحويله إلى طاقة يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية وأنشطته البدنية. ويؤكّد خبراء "مايو كلينيك" أنّ لنوعية الطعام تأثيراً مباشراً على أعضاء الجهاز الهضمي كافّة، أبرزها:
- المريء: تقوم عضلات الفم والحلق بتمرير الطعام الذي تمّ تناوله عبر أنبوب المريء، لتتحرّك العضلات في داخله على شكل موجات متزامنة، واحدة تلو الأخرى، بهدف دفعه إلى الجزء السفلي من المريء في اتجاه المعدة لإتمام عملية الهضم. ويرى الخبراء أن لنوعية الغذاء تأثيراً كبيراً على سلامة المريء، إذ يؤدّي تناول الطعام الدسم المحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبّعة، وخصوصاً المهدرجة إلى الإصابة بارتجاع المريء وداء الحموضة المزمن وحرقة المعدة.
- المعدة: لدى وصول الطعام من المريء إلى المعدة، تبدأ العضلات الممتدّة في أعلى المعدة بالسماح له بدخولها لتقوم جدرانها المبطّنة بطبقات ثلاث من العضلات بخلط الطعام وتحويله إلى أجزاء صغيرة، يليها تدفّق العصارات المعدية من فتحات دقيقة مرتبطة بالغدد التي تبطّن المعدة. وتجدر الإشارة إلى أن الأطعمة الدهنية كاللحوم الحمراء تبطئ عملية الهضم وتعيق مرور الطعام بسلاسة عبر القناة الهضمية بخلاف الألياف القابلة للذوبان والتي تمتصّ ما يتجاوز حوالي 15 مرّة وزنها من الماء أثناء انتقالها عبر القناة الهضمية، ما يحسّن الهضم ويمنع الإصابة بالإمساك.
- القولون: وهو المعي الغليظ الذي يخزّن بقيّة الطعام الذي لا يمكن للجسم أن يهضمه بالكامل. ويشير خبراء التغذية إلى أنّ تناول الأطعمة الصلبة والمحتوية على سعرات حرارية عالية وقيمة غذائية منخفضة (المقرمشات أو المقالي) يؤدّي إلى بقاء أجزاء منها لفترات أطول في القولون، ما يجعل الجسم يزيد من امتصاص الماء من الفضلات لتصبح أكثر جفافاً وقسوة بالشكل الذي يصعب معه التخلّص منها وهو ما يعرف بالإمساك، والذي غالباً ما تصاحبه غازات معوية كريهة ناتجة عن تخّمر الطعام في الأمعاء.
أصابع الاتهام
تشير أصابع الاتهام إلى مجموعة من الأسباب المباشرة المسؤولة عن حدوث الاضطرابات الهضمية بشكل متكرّر، أبرزها:
- السرعة في تناول الطعام: تدفع طبيعة الحياة إلى السرعة في تناول الطعام بدون القيام بمضغه جيداً، وبالتالي عدم طحنه عبر الأسنان إلى أجزاء صغيرة، ما يلزم الجهاز الهضمي ببذل مجهود أكبر واستغراق وقت أطول في إتمام عملية الهضم. كما تؤدّي السرعة في تناول الطعام إلى ابتلاع كميّة أكبر من الهواء ممّا لو تمّ الأكل ببطء، ما ينتج ألماً في البطن وغازات معوية شديدة.
- ارتفاع معدّل الدهون في الطعام: من الملاحظ ارتفاع معدّل استهلاك الوجبات السريعة والمعلّبة من قبل من يعملون لساعات طويلة خارج المنزل، ما يجعلهم يحصلون على فائض من الدهون والسعرات الحرارية يفوق احتياجهم اليومي من الطاقة. واستناداً إلى عدد من الدراسات الطبية الصادرة عن جامعة هارفارد، فإن النظام الغذائي الغني بالدهون المشبّعة أو المهدرجة قد يضاعف خطر الإصابة بسرطان القولون، كما تشير الأبحاث الصادرة عن "مايو كلينيك" إلى أن النظام الغذائي المرتكز على تناول الدهون قد يؤدّي إلى تكوين مواد ضارّة في الجسم يتمّ تخزينها في الخلايا والأنسجة، محدثةً الإصابة بالسرطان على المدى الطويل.
- الخمول: يؤكّد خبراء "مايو كلينيك" على أن النشاط البدني وفرط الحركة ضروريان لإتمام عملية الهضم السليمة، وذلك لفعاليتهما في تسريع حركة تحلّل الطعام عبر القناة الهضمية والحفاظ على الوزن والصحة بصورة عامة.
- البدانة وزيادة مؤشّر كتلة الجسم: ممّا لا شك فيه أن الوزن الزائد يقترن بعدد من المشكلات الهضمية، ويعدّ داء الارتداد المعدي المريئي الأكثر شيوعاً بينها. ومن هذا المنطلق، يرى علماء "مايو كلينيك" أن الكيلوغرامات الزائدة قد تعمل على زيادة الضغط على المعدة، ما ينتج تراجع الحمض المعدي إلى المريء مسبّباً شعوراً بالحرقة والتهاباً في الأنسجة التي تبطّنه يعرف باسم التهاب المريء، كما قد يضاعف الوزن الزائد من احتمالية الإصابة بمرض الحويصلة الصفراوية، وربما سرطان القولون!
- التوتر والضغط العصبي: يتّفق الخبراء على أن الجسم لا يقوم بهضم الطعام بصورة جيدة أثناء التوتر أو الضغط العصبي، إذ يركّز حينها على كيفيّة التعامل مع الموقف الناتج عنه التوتر مخصّصاً حجماً أقل من الدم للوظائف الأخرى وأبرزها الهضم.
- التدخين: أشارت الدراسات الطبية الصادرة عن "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" إلى أن 33.7% من المدخّنين يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات الهضمية (عسر الهضم والقرحة وسرطان المريء).
خطّة غذائية لهضم سليم
يوصي خبراء التغذية في "مايو كلينيك" باتّباع مجموعة من الإجراءات التي تحسّن الهضم وتزيد كفاءة الجهاز الهضمي، أبرزها:
1- غذاء الطبيعة الطازج: تعتبر الأطعمة النباتية، بما فيها الفاكهة والخضر والأطعمة المصنوعة من الحبوب الكاملة، الحلّ الطبيعي لمشكلات عسر الهضم واضطرابات الجهاز الهضمي لاحتوائها على فيتامينات وأملاح معدنية ومركّبات مفيدة (الكيميائيات النباتية) من شأنها أن تحمي الجسم من الأمراض السرطانية. وهي تحتوي على نوعين من الألياف، هما:
- ألياف قابلة للذوبان: تسهّل انتقال الطعام عبر القناة الهضمية ما يمنع الإصابة بالإمساك، وتخفّض مستوى "الكوليسترول" الضار LDL عبر زيادة كميّة حمض الصفراء، بالإضافة إلى ضبطها مستوى "الغلوكوز" في الدم من خلال إبطاء تحرير السكر في مجرى الدم، وبالتالي توازن هرمون "الأنسولين" في الجسم والذي يعرف بـ"مخزن الدهون". ومن بين أهم مصادرها الغذائية: الشعير والبقول والفاكهة.
- ألياف غير قابلة للذوبان: تشمل الخضر والحبوب الكاملة والتي يؤدّي تناولها إلى تخفيف الضغط في القناة الهضمية، وبالتالي تقليص خطر الإصابة بالبواسير وأمراض القولون.
2- الإكثار من شرب السوائل: تساعد السوائل على إتمام عملية الهضم الصحي بكفاءة عالية من خلال تسهيل مرور الطعام في القناة الهضمية، ما يجنّب الإصابة بسوء الهضم والإمساك. وللسوائل دور في إذابة الفيتامينات والمعادن وغيرها من المغذّيات، ما يساعد أنسجة الجسم على امتصاصها بالكامل. وتتمثّل السوائل الصحيّة في الماء والحليب قليل الدسم والعصائر الطازجة التي يحتوي 90% منها على الماء. أمّا المشروبات المحتوية على الكافيين (المشروبات الغازية والشاي والقهوة) فهي لا تدخل ضمن تلك المجموعة لأنها تعمل كمدرّ للبول وتضاعف من فقد الجسم للسوائل.
3- اتّباع عادات غذائية سليمة: لا تقلّ الطريقة التي نتناول فيها طعامنا أهميّة عن مكوّنات وجباتنا، فالمشكلات الهضمية قد تنجم ببساطة عن عادات سيّئة. وفي هذا الإطار، يطرح خبراء "مايو كلينيك" مجموعة من العادات الصحيّة الواجب اتّباعها لتحسين النمط المعيشي، أبرزها:
- كميّات معتدلة: يعتبر الإفراط في تناول الطعام أحد أبرز الأخطاء الغذائية التي يرتكبها المرء.وفي هذا الإطار، تشير بحوث التغذية الحديثة إلى أن الجسم يكون قادراً على إفراز كميّة محدودة من العصارات الهضمية، ما يجعل الوجبات الكبيرة تمثّل عبئاً إضافياً على الجهاز الهضمي أثناء الهضم، ما ينتج ألماً في المعدة ومغصاً في البطن وانتفاخاً وغازات معوية.
- مواعيد منتظمة: يرى الأطباء أن الأجهزة الهضمية تعمل بشكل أفضل عند اتّباع جدول غذائي ينظّم مواعيد تناول الوجبات الثلاث الرئيسة، علماً أنّ إهمال إحدى هذه الوجبات يؤدّي إلى فرط الشعور بالجوع الذي ينتهي غالباً بالإفراط في تناول الطعام. كما يسمح الجدول الغذائي المنتظم بمنح وقت من الراحة للجهاز الهضمي بين الوجبات.
- الاسترخاء أثناء تناول الطعام: يساعد الاسترخاء أثناء تناول الطعام على المضغ بصورة أفضل، ما يحفّز المعدة على إفراز عصاراتها المعدية والمعوية بكميّات كافية لهضم الطعام الذي غالباً ما يكون تمّ طحنه جيداً، الأمر الذي يسهّل مروره في القناة الهضمية ويجنّب انزعاج المعدة من صعوبة هضم الأجزاء الكبيرة من الطعام والتي تسبّب الشعور بالحرقة والحموضة وألم المعدة.
نصائح "مايو كلينيك" لهضم صحي
- خصّصي حصّة تتراوح من 25 إلى 30 غراماً من الألياف يومياً، تستمدّينها من مصادر منوّعة من الأطعمة (الفاكهة والخضر والحبوب الكاملة). ولتجنّب الانزعاج الهضمي والغازات التي تنتج عن تناول كميّة كبيرة من الألياف، قومي بمضاعفة استهلاكك تدريجياً لها على امتداد أسبوعين.
- يستحسن تناول مشروب دافئ، عند كل صباح، عوضاً عن المرطّبات الباردة، خصوصاً في حال الإصابة بالإمساك المزمن.
- رتّبي أولوياتك حسب الوقت، إذ يجدر بك عدم الانشغال بمسائل أخرى عند محاولة التخفيف من الوزن، وذلك لأن تغيير العادات الغذائية والسلوكيات تستلزم طاقة ذهنية وجسدية كبيرة.
- حافظي على التزامك قدر المستطاع، وذلك بعدم السماح للعقبات العرضية التي تواجهك بالتأثير سلباً على التزامك، بمعنى إن وجدت نفسك تعودين من جديد إلى اتّباع عادة غذائية قديمة سيّئة يجدر بك وقتها العودة إلى الاستراتيجيات التي ساعدتك على التخلّص منها في المرّة الأولى.
- سيطري على درجة التوتّر والتي من شأنها أن تؤثّر سلباً على عمل الجهاز الهضمي، إذ معلوم أن الجسم يقوم بضخّ كميّة إضافية من الدم إلى العضلات بما يمكّنها من الحصول على مزيد من الطاقة لمواجهة هذا التوتر، ما يترك كميّة أقل من الدم لدعم العملية الهضمية وبالتالي إبطاء حركة بقيّة الطعام في القناة. وبناءً عليه، ينصح الخبراء بممارسة بعض التمرينات الخفيفة واستخدام تقنيات الاسترخاء (التدليك والسونا والبخار) للتخلّص من التوتر وتحسين الهضم.
اكسترا
5 نصائح من "مايو كلينيك"
- تجنبي استخدام العقاقير الطبية التي تؤثر على الهضم، علماً أنّه غالباً ما يكون مفعولها خفيفاً وغير ملحوظ، بينما يسبب بعضها عوارض واضحة خصوصاً إذ ما تم تناولها بانتظام ولفترات طويلة.
- تعرّفي على عاداتك الغذائية واكتشفي الأسباب التي تدفعك إلى تناول الطعام، ومن بينها: الشعور بالضجر أو الغضب أو التعب أو الإجهاد أو الضغط العصبي.وفي هذا الإطار، ينصح خبراء "مايو "كلينيك" بالقيام بأي نشاط أخر عند مقاومة الرغبة في تناول الطعام، كالتحدّث إلى صديقة عبر الهاتف أو القيام بنزهة سيراً على الأقدام.
- لا تعتمدي على تجويع نفسك، فالوجبات السائلة وأقراص الحمية ومركبات الأطعمة الخاصة لا تشكل وسائل للحفاظ على الوزن وتحسين الصحة على المدى الطويل.وتفيد "مايو كلينيك" أن أفضل طريقة لخفض الوزن هي تناول أكبر كمية من الأطعمة المغذية والتقليل من استهلاك الأطعمة المحتوية على الدهون.
- تجنبي التدخين، فهو يجعلك عرضة للحرقة المعدية، إذ يزيد "النيكوتين" من إفراز حمض المعدة عبر خفض إنتاج "بيكربونات الصوديوم"، كما يسبّب الهواء الذي يبتلعه المدخن الانتفاخ والغازات المعوية.
- ضاعفي من مستوى نشاطك البدني عبر إدراج التمرينات الرياضية ضمن روتين حياتك اليومية، ما يحافظ على سلامة بنيتك العضلية.