جيل الأبناء اليوم لم يعد كالماضي، فغالباً تعاني الأمَّهات من كسل الأبناء وحبهم للبعد عن المهام، التي تتطلَّب تحمُّل مسؤوليَّة أو مشاركة، مفضِّلين الرَّاحة والاستمتاع بألعابهم الإلكترونيَّة بعيداً عن بذل المجهود، لينشأ الطِّفل عاماً تلو الآخر مفتقداً لثقافة وماهية العمل، والذي يترتَّب عليه التَّعاون المجتمعي، وتشكيل الشخصيَّة.
في هذا الصَّدد، تقول أكاديميَّة علم النَّفس التَّربوي نور علي: اليوم أطفالنا يعانون من أزمة تظهر مع مرور السَّنوات، ألا وهي التهرُّب من المسؤوليَّة، والتي يندرج تحتها حب العمل والتمتُّع به والرَّغبة في المساعدة، لذا لابدَّ من حضور الوالدين لأخذهم إلى عالم المسؤوليَّة والتَّدريب والتَّعليم عليه منذ الصِّغر لإعطائهم جرعات بسيطة ومكثَّفة من الإرادة والتَّحدي والعزيمة والنَّجاح ترسخ في أذهانهم وتشكِّل مفهوم حب العمل لاستثارة تفكيرهم الإبداعي المستقل
ما القيمة الإيجابيَّة لغرز متعة حب العمل في الأبناء؟
• إكساب الطِّفل قواعد تحمُّل المسؤوليَّة والاعتماد على النَّفس.
• نمو المهارات الاجتماعيَّة والقدرة على القيام بالمسؤوليَّات.
• تنمية القيم والسُّلوك التَّعاوني عند الطِّفل.
• خلق الدَّوافع الإيجابيَّة عند الأطفال اتجاه العمل.
• تنمية المهارات الإبداعيَّة لدى الأطفال.
• تفريغ طاقة الأطفال في مهام إيجابيَّة تفيد الطِّفل والمجتمع.
• تنمية احترام الحقوق والالتزام بالأنظمة والقواعد العامَّة.
• تنمية قدرة الطِّفل على حلِّ المشكلات.
ما العمر المناسب لأحبب طفلي في العمل؟
الطِّفل بيئة خصبة للتعلُّم، وكلَّما اجتهدت الأم في العناية به، زاد نضجاً، ونتجت عنه ثمار من المعرفة والنُّمو الفكري والشَّخصي، وتهيئة الطِّفل لاستقبال حبِّ العمل ومتعته تبدأ من الصُّفوف الأولى من عمر الخمس سنوات بدخول الطِّفل في بيئة المدرسة، حيث تتشكَّل فيها قدراته، وتتكوَّن مفاهيمه للتَّعاون والعمل مع الجماعة والمساعدة، فتتسع لديه مدارك الأمور ومفهوم الإنجاز والسَّعي لتحقيق النَّجاح، كما من المفضَّل أن تمهِّد الأم للطِّفل وتعرِّفه بالعمل في عمر الأربع سنوات من خلال القصص المصوَّرة الكارتونيَّة.
كيف أنمِّي حب العمل ومتعته لدى أبنائي؟
كما هو متعارف عليه عند تعليم الأبناء، يجب اتِّباع السُّلم التَّدريجي من خلال وضع خطَّة لخبرات التعلُّم، التي نريد تحقيقها مع الطِّفل، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل أساسيَّة كالتَّالي:
المرحلة الأولى: الأطفال أقل من خمسة أعوام
في هذه المرحلة، عادة نجد الأطفال يقومون بمحاولة تقليد كل ما يرونه أمامهم من تصرُّفات أو تطبيق ما يسمعونه، وفي هذه المرحلة يتم تطبيق التَّالي:
• الاستعانة بالحكايات والقصص التي تتشكَّل في مخيلتهم: هنا تقدَّم النَّصائح لحب العمل للأطفال من خلال تجربة ممتعة ومشوِّقة تتمثَّل في قراءة القصص المصوَّرة عن حب العمل والتَّعاون ومتعة النَّجاح في تنفيذ الأهداف، لتتشكَّل لدى الطِّفل قصَّة حسيَّة متكاملة، حيث نجده يبدأ بالرَّغبة في أن يكون هو بطل القصَّة، ويبحث عن الطَّريقة التي تمكِّنه من مساعدة الآخرين، وهو بذلك يتعلم ما يستطيع أن يفعله ليقوم بمهمَّة ما.
• المسرحيَّات التعليميَّة: مشاركة الأطفال في مسرحيَّة علميَّة مصغَّرة داخل المنزل أو بين الأصدقاء بقالب ممتع في سياق "قصة" تغرس قيمة العمل، فتشبع الرَّغبة في ممارسة اللعب للطِّفل، وتكسبه قوَّة هائلة للتَّثقيف والتَّأثير.
المرحلة الثَّانية: الأطفال من عمر 5 أعوام إلى 7 أعوام
بعد أن أصبح لدى الطِّفل مخزون واعٍ عن ماهيَّة العمل، والذي يقترن بدخوله للسَّاحة المدرسيَّة والاختلاط الاجتماعي، هنا يجب على الأم أن تعمل على تدريب الطِّفل على استكشاف متعة التَّعاون والالتزام بالأنظمة وكيفيَّة تطبيقها، حيث يكون الطِّفل بمثابة دخوله في مرحلة التَّجريب للاعتماد على النَّفس وإظهار شخصيَّته، وذلك من خلال التَّالي:
• المشاركة في المهام: لتطبيق ما سبق من نجاح ومخزون، يجب على الطِّفل أن يعتاد على المشاركة في بعض الأعمال الصَّغيرة على حسب قدراته، كأن يكلَّف بمهمَّة ترتيب ألعابه، أو تنظيم أدواته المدرسيَّة، أو تنظيف حجرته، دون إجبار؛ حتى لا يشعر الطِّفل بأنَّ العمل عبء عليه، ولكن بمشاركة وتعاون الوالدين، ليجد الطِّفل متعة في العمل.
• وضع برنامج يوميّ منظَّم: عندما يشارك الطِّفل في أنشطة مختلفة ضمن برنامج نظامي يوميّ يتطلَّب الالتزام، فإنَّ ذلك يعلِّمه المسؤوليَّة والحرص من قبله على الانضباط، ويفضَّل وضع برنامج بمشاركة الطِّفل عن رغبته في كيفيَّة قضاء وقته بتخصيص وقت للدِّراسة ووقت للرِّياضة ووقت للتَّرويح عن النَّفس والاستمتاع بما يفيد.
• الثَّناء والتَّشجيع: التَّحفيز الدَّائم للطِّفل وتشجيعه ليس فقط على تحقيق النَّتائج المرجوَّة، ولكن على إسهامه ومشاركته في أحد الأعمال لمساعدة الغير أو لإنجاز مهام كلِّف بها، الأمر الذي يضفي طاقة حماسيَّة على الطِّفل تزيد من ثقته بنفسه، وتجعله يستمتع بالنَّجاح وعبارات الثَّناء التي نالها بجانب المكافآت الماديَّة.
المرحلة الثَّالثة: الأطفال من عمر 7 أعوام إلى 10 أعوام
في هذه المرحلة، يجب خوض الواقع العملي، حيث يستخدم من خلالها الأبناء خبرتهم الغنيَّة بالتَّدريب والتَّوعية، والتي تؤهِّلهم للمشاركة المجتمعيَّة لتعزيز فهمهم للمفهوم العملي والنَّظري بتوفير فرص الاحتكاك والتَّفاعل لتعلُّم المعايير الاجتماعيَّة السَّائدة في فهم الآخرين ومساعدتهم وتشجيع رغبته في ذلك من خلال التَّالي:
• المشاركة التطبيقيَّة: لغرس حب العمل وتطبيقه، على الوالدين إشراك الأبناء في العمل، بهدف تقبل المسؤوليَّة الاجتماعيَّة، وإتاحة الفرصة لممارستها في خدمة المجتمع كمشاركتهم بالمخيمات الصيفيَّة أو الدَّورات التدريبيَّة في النَّوادي والمراكز الثقافيَّة، ليشعر الابن بمكانته وقدراته ودوره الإيجابي، ولا مانع في مشاركتهم كذلك في الأعمال الخيريَّة البسيطة والجماعيَّة التي تشجِّعهم على العمل بشكل أكثر كفاءة، وتكسبهم تدريباً متميِّزاً ليحققوا أداء متميِّزاً.
• اتِّخاذ القرارات: السَّماح للأبناء في هذا العمر باتخاذ قراراتهم بأنفسهم تحت إشراف الوالدين والتَّوجيه، وذلك لإعطائهم دفعة لمواجهة قراراتهم واختياراتهم وتحمُّل نتائجها.
• الصُّمود والثَّبات: قد يتعرَّض الابن للفشل في إحدى المهام العمليَّة، التي حاول إنجازها وسعى بكل ما يملك لإثبات نفسه فيها، ولكنَّه حظي بالفشل، هنا يجب على الوالدين توجيهه في كيفية استعادة جهوده بعد الفشل ببث التَّجارب الواقعيَّة للنَّجاح والفشل في العمل التي تعطي قوة معنويَّة له للصُّمود من جديد.