مكافحة التدخين في العالم لم تأت ثمارها باعتبار أنّ "كل ممنوع مرغوب". ورغم توافق جميع صنّاع القرار والهيئات الصحية والمنظمات على أنّ مسألة مكافحة التبغ على مستوى العالم مهمّة وأساسية للحفاظ على صحة المجتمعات، إلا أنّ الحلول لم تبصر النور بعد.
كلّ من يطّلع على موضوع مكافحة التدخين سيلحظ أنّ القوانين والإجراءات العالمية التي ما زال يُسَنّ المزيد منها لحظر استهلاك التبغ، والحملات التوعوية التي ما زالت تنطلق من هنا وهناك، بالكاد أدّت إلى تقليص أعداد المدخنين، التي لا تزال مرتفعة نسبيًا في أنحاء العالم، وهذا ما أكّدته دراسة أجرتها جامعة ستيرلينغ ونشرتها أخيراً في مجلة "توباكو كونترول" Tobacco Control.
ومن المعلوم أنّ هذه القوانين والإجراءات لن تجدي نفعاً، وذلك لأنّها بمعظمها قد بُنِيت وصيغت وفقاً لأخطاء مفاهيمية أساسية حول العديد من القضايا المرتبطة بهذا الموضوع ومن أبرزها المخاطر الصحية، وآليات الحفاظ على الصحة والتشجيع على ذلك. كما تمّ الارتكاز على أرقام غير دقيقة أحياناً، بدوافع سلبية تجاه التبغ أكثر من الإقدام على ذلك بناءاً على دراسات معمقة وشمولية تتطرّق لاتجاهات الاستهلاك والعوامل النفسية السلوكية المحفزّة على تغييرها.
فهذه المرتكزات التي تمَّ الاعتماد عليها في مكافحة التبغ كأساس تنطلق منه أغلب القوانين والإجراءات والحملات والاستراتيجيات التنظيمية المكافِحة للتبغ، لم تأتِ بالنتائج المطلوبة، وإن لم يكن ذلك مقصوداً؛ كونها أدّت أحياناً دوراً معاكساً لما يُفترض بها تأديته.
إنّ اعتماد التشريعات المفرطة وتشديد القوانين ومواصلة فرض الضرائب بهدف تقليص تداول التبغ، قد أسفر حسب ما بيّنه المستشار الحكومي والموظف السابق في وحدة التحليل الاستراتيجي لرئاسة الوزراء البريطانية ومالك شركة Counterfactual الاستشارية حالياً، كلايف بيتس، في مقالة تحليلية نُشرت في الفاينانشال تايمز في أيلول 2017، عن دفع المستهلكين بشكل غير مباشر وغير متعمّد لتطبيق قاعدة "كل ممنوع مرغوب". كما أسفر عن التفريط في الالتفات لمسائل تُعتبر أكثر إضراراً بالصحة العامة مقابل المبالغة في الالتفات لمسألة مكافحة التبغ بنظريات وآليات وأدوات لا تسترعي التوجّهات السلوكية النفسية، متسبّبة بالتالي بقائمة طويلة من الآثار السلبية التي كان من أبرزها فتح الباب أمام التجارة غير المشروعة لمنتجات التبغ والتي ترتّب عليها المخاطرة بالصحة العامة لتداول المنتجات التقليدية المزوّرة والمقلّدة، مع المزيد من الخسائر الضريبية وسواها.
حلول بديلة أقل ضرراً
إذا ما تمّت قراءة المسألة بعين ناقدة ومن زاوية نظر مختلفة، سيرى المفارقة عند التمعّن بالآثار الإيجابية التي يحملها الجيل المُطَوّر من السجائر الإلكترونية كما المنتجات التي تعتمد على عملية تسخين التبغ بدلاً من عملية حرقه، حيث أنّ الأخير هو المسبّب الرئيسي للأمراض المتصلة بالتدخين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ منتجات تسخين التبغ تُنتِج "رذاذاً" بدلاً من الدخان الناتج عن الاحتراق، إلى جانب النيكوتين الذي اتفق الخبراء على كونه لا يشكّل العامل الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين، رغم طبيعته الإدمانية. هذا وكانت العديد من الدراسات الحديثة قد بيّنت التأثيرات الإيجابية لهذه المنتجات المبتكرة على الصحة العامة باعتبارها ذات احتماليّة تقليل الضرر مقارنةً بمنتجات التبغ التقليدية، ما يجعلها بديلاً أفضل للمدخّنين البالغين الذين لا يريدون الإقلاع عن استهلاك المنتجات التبغية.
ويذكر أنَ بروفسور القانون في جامعة أوتاوا، ديفيد سوينر، كتب مقالة حديثة له عن مستقبل التشريعات، نُشرت في صحيفة الفاينانشال تايمز أيضاً، حول القوانين المتعلقة بالتبغ والنيكوتين، وحول فوائد البدائل المبتكرة، مدعّماً ما كتبه بعدد من المقالات والدراسات التوضيحية.
لذا، قد يكون من الحكمة الاستفادة من التجربة الواقعية لإيجاد أرضية مشتركة تساهم في إيجاد الحلول الناجعة.