« كنت أفكر كم أصبح العالم مخيفاً وغير عادل، ما جعلني أتساءل، ماذا يعني أن تكون إنساناً اليوم؟» بهذه العبارة استهلت د. ربى محيسن كلمتها، بعد الحصول على جائزة حقوق الإنسان من قبل منظمة فايتل فويسز للقيادة العالمية في دورتها الثامنة عشرة لمؤسستها هيلاري كلينتون في واشنطن، وذلك لعملها الإنساني مع اللاجئين السوريين، ولمثابرتها على النهوض بالتغيير في هذه القضية.
الدكتورة ربى الحاصلة على دكتوراه بالجندر والتنمية الاقتصادية من لندن، ومؤسسة ومديرة جمعية «سوا للتنمية والإغاثة». كانت مع «سيدتي» في لقاء خاص بهذه المناسبة، لخصت فيه ثماني سنوات من عملها الدؤوب في هذا المجال الإنساني.
اختارتني منظمة فايتل فويسز الأميركية
مبروك الجائزة.. حدثينا كيف تم اختيارك للحصول عليها؟
- أسست هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة منظمة «فايتل فويسز»؛ أي الأصوات الرائدة التي تكرّم من خلالها النساء الرائدات، وهذه السنة تم اختيار 4 نساء كنت من ضمنهن. الحدث تم في أميركا في أوبرا جون كيندي، وقد حضره 2500 شخص، بينهم المصممة ديان فون فيرستنبرغ، والممثلة الأميركية جاسمين سيفاس، المغنية تينا ترنر، والرئيسة نانسي بيلوسي. وعندما وقع الاختيار عليَّ من قبل الشبكة، أرسلت هيلاري كلينتون فريقاً فنياً صوّر فيلماً مدته 4 دقائق عن عملنا مع اللاجئين السوريين والفلسطينيين ومع المجتمعات المضيفة، شرحت من خلاله كل ما نقدمه من مساعدات تعليمية وطبابة وإغاثة. وقد ألقيت كلمة صغيرة خلال حفل الاستقبال الذي تلي المناسبة، والذي حضره العديد من الشخصيات المهمة من حول العالم.
ما هو تأثير هذه الجائزة على عملك؟
- أصبحت جزءاً من شبكة «فايتل فويسز» لمؤسستها هيلاري كلينتون، وهي من أكبر الشبكات الداعمة للنساء عالمياً، والتي تواصلت إعلامياً مع كل أنحاء العالم، ونقلت الحدث إليه. وقد تمت استضافتنا أكثر من 10 أيام في واشنطن قبل التكريم، حيث تعرفنا إلى السياسيين الموجودين والجمعيات والشركات الكبرى، وأصبح لدينا تواصل مع جميع المانحين والإعلاميين، الذين قد يساعدوننا في عملنا. كما أصبحت جميع مصادر الشبكة تحت تصرفنا، فنحن اليوم نعمل مع «ديلويت» و«جونسن إن جونسن» وهي شركات رائدة في الاستشارات.
أنتِ من الأقلية المسلمة المحجبة الملتزمة التي تم تكريمها عالمياً، كيف تصفين شعورك؟
- أنا فخورة جداً أنني إنسانة عربية مسلمة، استطاعت أن تقدم صورة مختلفة قليلاً عن الصورة التي يرى بها الغرب بلادنا ومجتمعاتنا. هذه الجائزة هي مسؤولية على عاتقي؛ تلزمني بالمضي إلى الأمام والمثابرة. ففي حفل التكريم تمت دعوة 500 يافعة، تتراوح أعمارهن بين 9 و15 عاماً، غالبيتهن من الأصول الأفريقية والمسلمات والمحجبات المهاجرات إلى أميركا؛ حتى تكون لديهن رؤية إلى أين يمكن أن يصلن إذا ما آمنّ بقدراتهن، وحتى نكون لهنّ قدوة في المستقبل. وفي آخر الحفل، اصطففن بخط طويل، ووقفن معي؛ لالتقاط الصور وهنّ يعبّرن لي عن سعادتهن؛ لأنني أعطيتهن الأمل بمستقبل أفضل. فأنا بعمر الـ30 استطعت أن أحقق شيئاً لبلديّ لبنان وسوريا. لذلك، أدعو الله أن يرى الشباب العربي، وبرغم الوضع المظلم ومساحة الحلم الضيقة والتهميش الحاصل، أن بإمكانهم تحقيق أحلامهم وتقديم ما يفيد بلدهم.
ماذا دار بينكِ وبين هيلاري كلينتون من أحاديث؟
- لقد قالت لي إنها تفتخر بعملنا مع اللاجئين. وأبدت رغبتها بالعمل معنا؛ من خلال مؤسستها لتنمية قدرات الشباب الذين لا مستقبل لهم. وطلبت مني أن أتواصل معها في أول العام المقبل لنتعاون معاً. أما أنا فقد قلت لها إن أملنا كان كبيراً في أن تصبحي رئيسة لأميركا، فردّت وأنا كذلك، وضحكنا معاً، ثم أضافت أنه لو حصل ذلك لكان المشهد الآن مختلفاً؛ لأنني وضعت على سلم أولوياتي إنهاء الحرب في سوريا.
هل كنتِ تتخيلين أنكِ ستكونين في موقع كهذا في هذا العمر الصغير؟
- أنا تربيت على ثلاثة حروف تشكل العلم والعمل. فهي سلاحنا في الحياة. فالفرص تتوفر للجميع لكن يتوجب عليك أن تكون مستعداً لالتقاطها. فالحظ بالنسبة لي هو تلاقي الفرصة مع العمل الدؤوب. أكيد توجد امتيازات أكثر للبعض، الذي يأتي من عائلة متعلمة، ولكنّ هناك فرصاً للجميع. ورغم ذلك، أنا لم أتخيل أن أصل إلى هنا، وأنا مدينة بذلك للشعوب التي استفاقت من الواقع، وقررت أن تثور وتغيّر وتسعى إلى الحرية وكرامة الإنسان.
إنجازات ومواقف صلبة
ما هي أبرز إنجازات جمعيتك «سوا»؟
- أبرز إنجازاتنا هي توفير خمسة مراكز للتعليم تساعد الأطفال السوريين على العودة والانضمام إلى مقاعد الدراسة الرسمية لاحقاً. وفي رمضان، تمكنّا من إعداد وتوزيع 6000 وجبة يومياً في المخيمات، كما لدينا اختصاصيون يعملون على تنمية القدرات والتدريب التقني والعلمي للشباب الذين هم فوق الـ15 عاماً، والذين لم يعد بإمكانهم العودة إلى الدراسة. كذلك نعمل على الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين، ونستخدم الموسيقى مع التعليم من خلال مشروع اسمه «الهارمونيكس» يدرب الشباب مع فنانين وموسيقيين عالميين على الموسيقى والفن والرياضة والتكنولوجيا؛ حتى يستطيعوا تجاوز المحن التي مروا بها. فالكثير من أطفال المخيمات لا يعرفون من أين هم، وعند سؤالهم؛ يقولون: نحن من مخيم رقم كذا. ولا يعلمون أنهم ينتمون إلى مناطق وعواصم مليئة بالثقافات. لذلك، نستخدم هذه الأدوات لنعيد لهؤلاء الأطفال هويتهم وثقافتهم ونساعدهم على تجاوز الألم.
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي منذ مدة إلقائك كلمة في الأمم المتحدة، أحرجت رئيس الأمم المتحدة حينها.. ما هي ظروف هذا اللقاء؟
- الكلمة التي ألقيتها في الأمم المتحدة كانت نقطة تحوّل في مسيرتي العملية بالعمل الإنساني. فقد دعيت إلى مؤتمر سوريا للمانحين في لندن، وكنت السورية الوحيدة بين 40 رئيساً ورئيسة ووزيراً ووزيرة عالميين. وكان رئيس الأمم المتحدة وقتها بان كي مون، وقد منحني دقيقتين للكلام عن قصة عن سوريا لأستجدي عطف الموجودين. وكانت الأوضاع في سوريا عصيبة والمجازر في كل مكان فيها. فألقيت كلمة رفضت فيها أن يكون وقتي فقط دقيقتين، وقلت إنني سآخذ كامل وقتي؛ لأنني السورية الوحيدة الموجودة، ولأنني أخاطب أشخاصاً مسؤولين، والحل بأيديكم وبإمكانكم التغيير، وفي النهاية حمّلتهم مسؤولية ما يجري. وكان وقع كلمتي قوياً أثّر في الجميع، حتى إنني تلقيت رسائل من داخل سوريا لديهم أولاد استشهدوا، يقولون لي فيها إنها المرة الأولى التي يتكلم فيها أحد باسمهم. عندها أحسست أن هناك مسؤولية تقع على عاتقي، وأن من واجبي استخدام كل الامتيازات التي لديَّ لتوصيل الصوت في هذه اللقاءات.
ما الكلمة التي تودين إيصالها من خلال «سيدتي»؟
- أحب أن أقول إن لدينا جميعاً القدرة على التغيير. صحيح أن المشاكل كبيرة والعالم محبط، لكن أنا أرى العالم دوائر صغيرة مترابطة، فمن خلال إتقان عملك تستطيع التغيير، ومن خلال الحنو على أهلك أو حتى التبسم في وجه سائق التاكسي تستطيع التغيير. فإذا استخدم كل منا حسّ المسؤولية الذي لديه لتغيير المحيط الصغير الذي يعيش فيه ابتداء من أهله ومجتمعه؛ نستطيع تغيير العالم. فقط آمن بقدراتك ولا تتكاسل. وكما قلت سابقاً: «إذا كنت ترغب في تغيير العالم، فاجعل حياتك في خدمة الآخرين».