نعيش عالماً يضج بالتطوّرات التكنولوجية، بات لا شيء يتم إنجازه من دون اللجوء إلى جهاز أو تطبيق، وصحيح أن هذا التحوّل كان له أثرٌ على تسهيل الحياة، لكن تجلّى كذلك تأثير الاعتماد على التكنولوجيا على طاقات وقدرات الشباب.
ونركّز هنا حديثنا على الشباب لأنهم الأكثر تأثُّراً، وربما الأكثر استهلاكاً للتكنولوجيا. ففي حين تعَد مرحلة الشباب هي عماد المستقبل، ومن ثَم تتطلب كثيراً من الاجتهاد والبناء والتفكير والتعلُّم، يختصر أغلب الشباب الطريق بالاعتماد على وسائل التكنولوجيا لتحل محلها.
فيما يلي، نتناول كيف يمكن للتطوّرات التكنولوجية الحديثة أن تؤثّر على حياة الشباب، سواء بالسلب أو الإيجاب.
تأثير التكنولوجيا على الشباب
أشارت العديد من الدراسات إلى الآثار المترتّبة على الإفراط في التعاطي مع التكنولوجيا، وفيما يلي أبرز هذه التأثيرات:
تغيير نمط العلاقات الشخصية
قبل مواقع التواصل الاجتماعي، كانت العلاقات الاجتماعية التقليدية تعتمد على التفاعل المباشر، لكن الآن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تفرض نفسها كمنصة رئيسية للتواصل بين الشباب.
تعزيز الشعور بالوحدة
وهنا تشير الدراسات وفقاً لـ Pew Research Center"، إلى أن منصات التواصل لعبت دوراً مزدوجاً؛ ففي حين أنها تتيح للشباب البقاء على اتصال دائم مع الأصدقاء والعائلة، إلا أن هذه العلاقات الرقمية قد تؤدي إلى شعور متزايد بالوحدة.
انخفاض مهارات التواصل
كما سبق وذكرنا، يعيش أغلب الشباب ساعات طويلة في علاقات "افتراضية"؛ مما يخلق تحديات في بناء مهارات التفاعل الاجتماعي الواقعي. ولهذا السبب يواجه العديد منهم صعوبة في التعبير عن مشاعرهم وتوجيه الانتباه الكامل للآخرين في التفاعلات الواقعية. وهذا قد يؤدي إلى انعزال اجتماعي تدريجي؛ إذ أصبح الاعتماد على الرسائل النصية والتطبيقات هو الوسيلة الأسهل للتواصل.
التأثيرات السلبية على الصحة النفسية
استخدام التكنولوجيا بشكل مفرط، لا يخلو من التحديات النفسية؛ فقد أظهرت دراسة أن الشباب الذين يفرطون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يعانون بشكل متزايد من اضطرابات نفسية، مثل: القلق والاكتئاب. وتَزيد الضغوط الاجتماعية عبْر هذه المنصات نتيجة للمقارنات المستمرة بين الحياة الشخصية والحياة المثالية التي يعرضها الآخرون؛ مما يخلق شعوراً دائماً بالضغط والرغبة في المواكبة.
الإدمان الرقمي
أصبح الإدمان الرقمي أحد مشكلات العصر؛ حيث يتسبب الاستخدام المكثّف للأجهزة الذكية في تدهوُر الصحة النفسية؛ مما يؤدي إلى شعور الشباب بالتوتر والقلق المستمر. هذا الإفراط في استخدام التكنولوجيا، يعوق قدرتهم على الاسترخاء والاستمتاع باللحظات الحقيقية؛ فدائماً ما يتابعون الحياة من وراء الشاشة.
اقرأي أيضاً: هل الميمز تؤثر على ثقافة الشباب؟
غياب الترفيه الحركي
منذ سنوات، أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءاً رئيسياً من حياة الشباب، وتُوفّر لهم متنفساً لتفريغ الطاقة والضغط النفسي. ولكن، بعض الدراسات الحديثة تُبرز تأثيراتها السلبية؛ حيث أظهرت دراسة أعدّها معهد "American Psychological Association" أن الإدمان على الألعاب قد يؤدي إلى انغلاق الشباب على أنفسهم، وتقليل تفاعلهم مع العالم الخارجي. أيضاً هذا النوع من التسلية، قد يؤدي إلى تقليص الأنشطة الجسدية، وتحجيم الأنشطة التي تعتمد على التفكير الإبداعي، التي كانت تشكّل جزءاً من حياتهم في الماضي، مثل الأنشطة الرياضية والفنية.
بروز التعليم عن بُعد
أصبح التعليم عن بُعد في السنوات الأخيرة خياراً شائعاً بين الشباب. إذ يتيح لهم الوصول إلى المعلومات بسهولة ومرونة في الوقت والمكان. ومع ذلك؛ فإن الاعتماد على التعليم الرقمي يمكن أن يعزز الشعور بالعزلة؛ حيث يفقد الطلاب جزءاً كبيراً من التفاعل الاجتماعي الذي كان يحدث في الفصول الدراسية التقليدية. كما أن التحدي يكمن في قدرة الشباب على التركيز والتفاعل الفعلي مع المعلمين والزملاء.
العمل عن بُعد
الحياة عن بُعد ومن خلال وسائل رقمية، أصبح الطريقة التي يفضلها الشباب حتى في العمل، ورغم أنه يوفّر لهم مرونة أكبر، إلا أن بعضهم قد يواجه صعوبة في الحفاظ على الروتين اليومي والتوازن بين الحياة الشخصية والعملية. هذا التحوُّل قد يساهم في فقدان التواصل الاجتماعي المباشر مع الزملاء؛ مما يقلل من الفرص للتعاون والتبادل الفكري.