عاطفة من نوع آخر تتداخل خيوطها مع أمواج البحر، وتحدث ذلك التوازن الرقيق بين تلك الأمواج وطبيعة الحياة الصحراوية القاسية، وعلى متن يخت مترف فاخر، كانت موسيقا فن النّهمة وهو من أهم الفنون الأدائية التراثية الإماراتية، المرتبطة بالبحر والتي تؤثر في رحلات الصيد والغوص، هذ الأصوات الجميلة، كانت تتعالى من جدران اليخوت المصنوعة من قصب البامبو، وتتمايل فوق مياه ديسمبر وتعود بنا إلى ماض عمره مئات السنين، هو إرث الإمارات، الذي تحدثت عنه سيدة الأعمال عبير الشعالي، نائب العضو المنتدب، لشركة «جلف كرافت «، لـ «سيدتي»، والذي ترتبط به منذ طفولتها بالبحر.
حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | عبدالله رمّال Abdullah Rammal
تنسيق الأزياء | فرانك بينا Frank Pena
مكياج | لينا قادرLina Qader، باستخدام مستحضرات توم فورد Tom Ford
إنتاج | إيتشو دوكاو Icho Ducao
عبير الشعالي
ترى عبير الشعالي نفسها، في البدايةِ أماً، ثم امرأةً، ثم زوجةً، وتؤكِّد أنها تشعرُ بالرضا والامتنانِ لله لما وهبها من نِعمٍ، وتعودُ بذاكرتها إلى طفولةٍ جميلةٍ، تربطها بالبحرِ، مع حذرها في الوقتِ ذاته منه ومن غدره بعد حادثةٍ. تقولُ عن ذلك: «الحادثةُ كانت في نيويورك. كنا نعيشُ هناك، ولا أنسى ذلك اليوم الذي كدتُ فيه أن أفقدَ حياتي في البحر. كان عمري سبعةُ أعوامٍ، وكنا نحاولُ إيقافَ القارب. أخي كان على طرفٍ، وأنا على الطرفِ الآخر، وطلبَ مني أن أدفع القاربَ لربطِ الحبل، وعندما بدأتُ بالدفع، اختلَّ توازني، ووقعتُ في الماء. لم يكن هناك كابتنٌ للقارب سوى أبي، ونحن بحَّارته الصغار، وكنت أتقنُ السباحة، لكنَّ ملابسي علقت في مسمارٍ تحت الخشبِ في القاع. هنا لاحظني أخي الصغير، وكان عمره أربعةَ أعوامٍ، فاتَّجه نحو أبي، وأخبره بأنني أسبحُ تحت الماء، فهرع أبي إلي، وراح يشدُّني من تحت الماء. لم يدرِ أنني عالقةٌ في المسمار الذي قطع ملابسي، لكنَّه لم يؤذِ جلدي، وصدقاً لم أعد أذكر كيف وصلنا من المارينا للبيت. على الرغمِ من أن الحادثةَ كانت مخيفةً إلا أنها لم تُبعدني عن البحر الذي يمتلك كلُّ مَن يعيشُ معه قصصاً مثل هذه، وفي رأيي، يجب احترامُ البحر، وتقلُّباته، والحذرُ منها، وأن ينتبه البحَّارُ دائماً إلى الفريق، ويراقب عملَ كلِّ الموجودين على متن قاربه». وتتذكَّر عبير أسعدَ يومٍ في حياتها، وله علاقةٌ بالبحر، وكان تحديداً قبل زواجها بيومين، إذ أقيم لها حفلُ وداعِ العزوبيَّة على يختٍ. تسردُ: «كانت رحلةً في الخليجِ العربي، رافقني خلالها والدي، واصطدنا السمكَ في يومٍ لا أنساه ما حييت».
خور دبي
تحتفلُ الإمارات في ديسمبر باليومِ الوطني الـ 53، هذا الحاضرُ الذي يربطنا بالماضي والمستقبل، والمناسبةُ الغاليةُ على قلوبنا التي تحدَّثت عنها عبير قائلةً: «تاريخياً، كان القاربُ يُستَخدمُ للصيدِ والعملِ فقط، لكنَّه اليوم يختٌ، يجسِّد الترفَ في دبي، وهو أحدُ مفاهيمِ الرفاهيَّة التي توفِّرُ خياراتٍ مصمَّمةً بعنايةٍ، لتضمنَ تجاربَ معيشةٍ حصريَّةً، وأسلوبَ حياةٍ مميَّزاً. ما يجري في عروقنا، هو تعلُّقنا ببحرِ الإمارات الذي يمتلك خصوصيَّةً، لا تشبه أي بحرٍ آخر، لذا تنتابُ المرءَ مشاعرُ مختلفةٌ عندما يقف عنده، ويسمعُ من أمواجه حكاياتِ البحَّارة بشقائها، وعزيمتها، وأهازيجها التي يبدعها النهَّامُ في عرضِ البحر على مسامعِ بحَّارةٍ، يعيشون على وجبةٍ واحدةٍ من الأرز، وبعضِ حبَّات التمر لمدة أربعةِ أشهرٍ. اليوم تحوَّل كلُّ هذا، في اليومِ الوطني الـ 53، إلى ترفٍ ورفاهيَّةٍ وأمانٍ، يعيشها أهلُ الإمارات والمقيمون على أرضها».
"الشابات الإماراتيات حاضرات ويعملن في صناعة القوارب ويصمّمن الفكرة ويخضن غمار البحر بمهنة كابتن"
الذكاء الاصطناعي
وسط يختٍ مصنوعٍ من البامبو، يزيِّنه أثاثٌ مستدامٌ من جلدِ الجمل، وقصاصاتُ الرخامِ المُعاد تدويرها، واستخدامها بشكلٍ فنِّي، تجسِّده منضدةُ القهوةِ بمفهومها الإماراتي المضياف، والسجَّادةُ المصنوعة من شباكِ الصيد الليفيَّة، تحدَّثت عبير عن الاستدامةِ ومفهومها في الإمارات، وفي عملهم باليخوت، وقسَّمتها إلى ثلاثةِ أجزاءٍ، الأوَّلُ، هو الحفاظُ على الحِرفة، وتابعت: «نحن حريصون على الحفاظِ على أسسها، وندعمُ التغييرَ، والنموَّ الذي يحصلُ في تفاصيلها. أمَّا الثاني، فيتبنَّى الاستدامةَ سواءً من الطريقةِ التي تُصنَع فيها هذه اليخوت، وتشملُ بناءَ المصنع، والاعتمادَ المطلقَ على الطاقةِ الشمسيَّة، أو من ناحيةِ القواربِ نفسها، إذ نستخدم موادَّ، أعيد تدويرها، وفي الأثاثِ الداخلي هناك طرقٌ كثيرةٌ، نستخدمها في الأشياءِ التي نضعها داخلَ اليخت، وفي الديزاين الداخلي، نعتمدُ الأليافَ الزجاجيَّة المستعملة حيث تجعل القاربَ خفيفاً، بالتالي أكثر أماناً، ولا يصدأ من الماء، ولا يؤذي البيئة». وقد أثبتت الدراساتُ أن الذكاءَ الاصطناعي، يمكن أن يسهم في تقليلِ الحاجةِ إلى المناورة، وتنبيه الطاقمِ في الوقتِ المناسب بتغييرِ مسارِ السفينة، أو اليخت، لتجنُّب المواجهةِ المباشرةِ مع أهدافٍ بحريَّةٍ عاليةِ الخطورة مثل السفنِ، والعوَّامات، والكائناتِ البحريَّة. تزيدُ عبير: «على المدى القصير، سيُخفِّف الذكاءُ الاصطناعي من المهامِّ الملقاةِ على عاتقِ البحَّارة، وعلى الرغمِ من ذلك إلا أن العاملَ البشري مهمٌّ جداً في عملنا، فالذكاءُ الاصطناعي، بما يوفِّره من سرعةٍ ودقَّةٍ في المعالجةِ والتحليل، يمكن أن يُكمِّل القدراتِ البشريَّة، ويعزِّز قدرتنا على اتِّخاذ قراراتٍ أكثر استنارةً، لكنْ في الوقتِ نفسه، يظلُّ الذكاءُ البشري أساسياً لتوجيه هذه التقنيَّات الحديثة نحو أهدافٍ إنسانيَّةٍ، وضمان أن تبقى التكنولوجيا في خدمةِ البشريَّة، وليس العكس».
وجودي يريح الأهالي
رحلةُ اليخوت، تمرُّ بالفكرةِ إلى الصناعةِ، والتسويقِ، ثم البيع، وكلُّ هذه المجالات، يقودها شبابٌ وشابَّاتٌ من الإمارات. تضيفُ عبير: «يبهرني المصمِّمون المبدعون، والمهندسون في مجالاتٍ مختلفةٍ ومتطوِّرةٍ. عندهم طموحٌ، وإبداعٌ، وطاقةٌ. ربما لا يمتلكون الخبرةَ الكافية، لكنَّهم يمتلكون تلك النظرةَ الجديدةَ للعمل، والطاقةَ التي تُعطي بلا حدودٍ، وهذا أمرٌ رائعٌ في عملنا، واللافتُ فيه أن فئةَ الفتيات أعلى من فئةِ الشبابِ بمراحل. أنا مثلاً إماراتيَّةٌ، وموجودةٌ في شركةٍ، يُخيَّل لكثيرٍ من الأهالي أن أعمالها ذكوريَّةٌ، لذا وجودي يُريحهم من حيث التعامل، ومع أن إرثنا، يعطي الطابعَ الذكوري لهذه المهنة، لكنْ الفتياتُ موجوداتٌ، ويعملن في صناعةِ القوارب، ويصمِّمن الفكرة، ويخضن غمارَ البحرِ بمهنةِ كابتن، ولديهن حبُّ البحر، لكنَّني أدعو هذا الجيلَ، في الوقتِ نفسه، إلى اكتسابِ خبراته من شركاتٍ، تمَّ تأسيسها، فمن أكثر أخطاءِ الخريجين توجُّههم المباشرُ لتأسيسِ عملهم الخاصِّ دون وجودِ أي خبراتٍ».
وتجدُ عبير أن جيلَ اليوم على عُجالةٍ من أمره، وأغلبهم يخطئ، لكنَّهم لا يدفعون ثمنَ هذا الخطأ، بل أهلهم. تعلِّقُ قائلةً: «صحيحُ أن الراتبَ مهمُّ في بيئةِ العمل، لكنْ على الشبابِ إثباتُ أحقيَّتهم لهذا الراتب، فكثيرٌ منهم يقفزون من عملٍ إلى آخر بحثاً عن الراتبِ الأعلى! وليسأل الشابُّ نفسه: هل يُعطي بصدقٍ؟ هم يعرفون الكثير عن التكنولوجيا، لكنْ كيفيَّة الاستفادةِ منها، ما زالت تحتاج إلى دراسةٍ».
نفترح عليك متابعة هذا الحوار مع دانة الفـهـيم سيدة الأعمال الإماراتية
أولادكم ليسوا لكم
بعد 40 عاماً من تاريخِ الشركة، وعمرِ الاتحاد الـ 53، تقولُ عبير: «الإمارات، الحمد لله، بألفِ خيرٍ، وأمورنا ممتازةٌ، وثقتنا بقيادتنا لا حدودَ لها، وكما يقولون في لغةِ البحار: أنا أؤمنُ بالكابتن، والكابتن، الحمد لله، يقودنا إلى مستقبلٍ مشرقٍ، فاقتصادنا ينمو، وليس عندي خوفٌ على إماراتنا، ربما السوقُ العالمي يتأرجح، وهذا أمرٌ لا مفرَّ منه».
عبير أمٌّ لفتاتَين وشابَّين، وتتبنَّى قولَ جبران خليل جبران: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناءُ الحياةِ المشتاقة إلى نفسها». وتجد أن مهمَّتها، تقتصرُ على تربيتهم على الدينِ والأخلاقِ فقط، وأن يكونوا ممتنِّين، ونيَّتهم صالحةٌ في أعمالهم، والباقي يتبعُ لخياراتهم، وهي تعملُ في شركةٍ، يجري تاريخها في دماءِ عروقها، كما تذكرُ. تزيدُ: «الذي تعلَّمته في الحياةِ، أن على الشخص أن يعرفَ متى يتوجَّب عليه أن يكون صارماً، ومتى عليه أن يكون ليِّناً. هناك مواقفُ، لا تستحقَّ أن يعطيها طاقته، لكنْ من الطبيعي، أن ذلك لا يتمُّ إلا عبر الدعم، وأنا دون دعمِ والدي وزوجي وأبنائي، لن أتمكَّن من العملِ بهذه الطاقة، ولا يمكنني أن أنسى دعمَ الموظفين الذين يقدِّمون كلَّ ما لديهم بصدقٍ من خلال سواعدهم، وعقولهم النيِّرة».
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط