كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك فتترك لهم مستقبلاً مشرقاً يدوم؟

صورة لأم تحكي مع ابنتها بحب وتفاهم
أم وابنتها تتشاركان الحديث والاهتمام
إنَّ تربية الأبناء ليست مسؤولية بسيطة تُلقى على عاتق الآباء، بل هي فنٌّ يحتاج إلى صبر وتخطيط، ودراية وتفهم وإبداع مستمر، وفي المقابل هناك آباء يطمحون أن يصبحوا قدوة لأبنائهم، لكن الأمر يتجاوز مجرد إلقاء الأوامر أو وضع القوانين وقل هذا ولا تقل هذا أو أفعل ولا تفعل ذاك. إنَّ القدوة الحقيقية تنبع من الداخل؛ من السلوكيات، والقيم، والأخلاق التي يتبناها الآباء وعاشوا وما زالوا يعيشون على هديها، ومن ثَمة يلقنونها ويورثونها بشكل غير مباشر لأبنائهم الذين يشاهدون ويراقبون كل حركة وكلمة وتصرف يقوم بها الأهل فيطبقونها في حياتهم.
في هذا التقرير يستعرض معنا الدكتور محسن الدكروري أستاذ علم النفس بمركز البحوث، الطرق التي يمكن من خلالها أن يصبح الآباء نموذجاً يُحتذي به وقدوة حسنة لأبنائهم .

أولاً: من هم الآباء القدوة؟

القدوة الحسنة تأثير يستمر وكنز لا ينتهي

أسرة سعيدة متفاهمة
يحملون بداخلهم سمات الآباء القدوة من قيم وأخلاقيات حميدة صادقة، تنعكس بشكل جيد على الأبناء وعلى كل من يتعاملون معهم داخل أو خارج نطاق المنزل.
القدوة إرث ثمين يتركونه لأبنائهم؛ فيثروا حياتهم بكل جوانبها النفسية والعملية والاجتماعية، وهم إرث يدوم ولا ينضب مهما اغترف منه الأبناء.
أن تكون قدوة حسنة لأبنائك ليس بالأمر الذي يحدث بين عشية وضحاها، بل هو عملية تتطلب الالتزام والمثابرة، والاتزان بتصرفاتك وكلماتك وفي كل ما يصدر عنك.
القدوة أجملها أو قيمتها تتمثل بأن تأثيرها طويل المدى لا يزول، كالنبتة اليانعة التي يحصد ثمارها الأبناء اليوم وغداً وبعد غد، روح تتخلل مسارهم وشخصياتهم وخطط مستقبلهم.
تذكر دوماً، أيها الأب وأيتها الأم القدوة، أن الأطفال يتعلمون بالمشاهدة وليس بالكلام أو الأوامر -افعل ولا تفعل- أو بالمواعظ والحكم؛ فكن فخوراً ومعتزاً بما تغرزه في نفوسهم، وتتركه في عقولهم من قيم ومفاهيم.
لا شك أن الصدق من الأسس الرئيسية التي تُبني عليها شخصية القدوة؛ فعندما تصدق في ما تقول وتفعل، فإنك ترسم لأبنائك خريطةً واضحة لكيفية التعامل مع العالم.
اعرف أن قرون استشعار الأطفال تميزهم بالقدرة على تمييز النفاق، فإذا لاحظوا أنك لا تطبق ما تقول؛ يفقدون الثقة بك، ويتعلمون منك أن التناقض بين القول والفعل أمر طبيعي.
اعترف بأخطائك، عندما يلاحظ طفلك أنك ترتكب خطأً ما، لا تخجل من الاعتراف به؛ فهذا يساعده على فهم أن الجميع يخطئون، والأهم هو كيفية التعامل مع الخطأ.
ابتعد عن الكذب؛ فحتى الأكاذيب الصغيرة يمكن أن تكون مدمرة، فعندما يتعلم الأطفال أن الكذب مقبول في بعض الحالات، قد يلجئون إليه في حياتهم.

ثانياً: شارك أطفالك اهتماماتهم

أب يتابع القراءة مع ابنه
الاحترام حجر الزاوية في بناء العلاقات السليمة، وهو عنصر أساسي في شخصية القدوة الحسنة، عندما يشاهدك أبناؤك تتعامل مع الآخرين باحترام، سيتعلمون أن كل شخص يستحق المعاملة الحسنة بغض النظر عن موقفه أو منصبه.
ولاتنسَ حق الأسرة عليك من الحب والاهتمام والتعاون، حتى تنمو في جو من السلام؛ كل يمد يد المساعدة من أجل الآخر وراحته، كل يحترم الآخر؛ الزوج لزوجته والأبناء لوالديهم، كلهم يظللهم الحب والوفاق.
الاستماع للآخرين؛ فعندما يتحدث شخص ما، سواءً كان طفلاً أو بالغاً، استمع له بانتباه؛ فتعليم أبنائك قيمة الإنصات للآخرين يعزز لديهم القدرة على الحوار واحترام ومحاولة تفهم وجهات النظر المختلفة.
احترام الحدود الشخصية، علِّم أبناءك أهمية احترام المساحة الشخصية للآخرين، سواء من خلال تجنب التدخل غير المبرر في شؤونهم أو التعامل بلطف مع احتياجاتهم ومشاعرهم.
التسامح مع الاختلافات، الأطفال يتعلمون من خلال المشاهدة أو الملاحظة، عندما يرونك تتعامل برحابة صدر مع أشخاص من خلفيات أو معتقدات مختلفة؛ فإنهم يتعلمون تقبل الاختلاف واحترام التنوع.

كيف تعلمين طفلك فنَّ الحوار؟

ثالثاً: كن نموذجاً للعمل الجاد والاجتهاد

الأبناء عموماً يتعلمون أهمية العمل الجاد من خلال مشاهدة الآباء والأمهات يثابرون ويكرسون أنفسهم لتحقيق أهدافهم، فإذا رأوك تعمل بجد وتحترم التزاماتك المهنية أو الشخصية؛ فسيتعلمون أن النجاح يأتي بالمثابرة.
تحدث عن يومك العملي، شارك أبناءك صغاراً أو كباراً كلاً بأسلوب خاص، ببعض التحديات التي تواجهها في العمل وكيف تتغلب عليها؛ فهذا يعطيهم فكرة عن مدى أهمية الجهد والمثابرة في الحياة العملية.
علِّم أطفالك أن يقدروا الجهد المبذول في إنجاز شيء ما، سواء كان ذلك في الدراسة، أو الرياضة، أو أي نشاط آخر؛ هذا يغرس فيهم قيم الاجتهاد والمثابرة.
تقدير العمل الجماعي، علِّم أطفالك أهمية التعاون والعمل بوصفكم فريقاً من خلال إشراكهم في مهام منزلية أو أنشطة تتطلب العمل المشترك.

رابعاً: اغرس فيهم قيم التعاطف والتعاون

طفلة تشارك معلمتها زراعة الورود
قد تكون من أكثر الصفات التي تميز القدوة الحسنة هي قدرتها على إظهار التعاطف والتعاون مع الآخرين، وعندما يتعلم الأبناء من آبائهم كيف يمكن أن يكونوا داعمين ومتفهمين للآخرين؛ فإنهم يكتسبون مهارات اجتماعية تجعلهم محبوبين وقادرين على بناء علاقات صحية.
كيف تغرس قيم التعاطف؟ كن مستمعاً جيداً لأطفالك، وعندما يعبر طفلك عن مشاعره، حتى لو كانت بسيطة، خذ وقتك للاستماع والتفاعل مع ما يشعر به، هذا يعلمه أهمية الاستماع للآخرين وتفهم مشاعرهم.
ساعدهم على فهم مشاعر الآخرين أيضاً، عندما يكون هناك موقف يخص أحد أصدقائهم أو زملائهم، تحدث معهم عن كيفية شعور الآخرين في هذا الموقف، هذا يساعدهم على تنمية قدرتهم على التعاطف.
كما أن إشراك الأبناء في الأنشطة التطوعية، سواء كانت صغيرة مثل مساعدة الجيران أو المشاركة في أنشطة المجتمع، يعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين.

خامساً: كن قدوة في التحكم بالعواطف والمواقف الصعبة

الحياة مليئة بالتحديات والمواقف الصعبة التي تحتاج إلى تحكم في العواطف واتخاذ قرارات حكيمة، وعندما يشاهد أبناؤك كيف تتعامل مع الضغوط بطريقة هادئة وعقلانية، فإنهم يتعلمون منك كيفية إدارة مشاعرهم ومواجهة الأزمات.

نصائح لإدارة العواطف أمام الأطفال:
لا تفقد أعصابك أمامهم: من الطبيعي أن يشعر الآباء بالغضب أو التوتر أحياناً، لكن المهم هو كيفية التعبير عن هذه المشاعر. علِّم أطفالك أن الغضب يمكن التعبير عنه بطريقة صحية، دون اللجوء إلى الصراخ أو الأفعال العنيفة.
تحدث عن مشاعرك: قد تكون بعض الأوقات المناسبة لمشاركة أطفالك بما تشعر به ولماذا، هذا يساعدهم على فهم أن المشاعر جزء طبيعي من الحياة، وأن كل شعور له طريقته الخاصة في التعامل.
قم بقديم حلول للمشكلات: عندما تواجه تحدياً اشرح لأطفالك الخطوات التي تتخذها لحل المشكلة، هذا يغرس فيهم أهمية التفكير المنطقي والعقلاني في مواجهة الأزمات.

سادساً: اعتنِ بنفسك لتكون قدوة قوية

أب ينظف أسنانه والابن يقلده
  • الاهتمام بنفسك من الناحية الجسدية والنفسية: وهو جزء لا يتجزأ من كونك قدوة حسنة، عندما يرونك تهتم بملبسك وصحتك، وتغذي نفسك بشكل جيد، وتأخذ الوقت للاسترخاء؛ فإنهم يتعلمون أهمية العناية الذاتية.
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم: لا تفيد صحة الجسم فحسب، ولكن أيضاً صحة العقل، علِّم أبنائك أن النشاط البدني جزء أساسي من الحياة الصحية.
  • اتباع نظام غذائي متوازن: حاول أن تُظهر لأطفالك كيف يمكن أن يكون الطعام الصحي لذيذاً ومفيداً، يمكنك إشراكهم في تحضير وجبات صحية؛ ما يعزز لديهم حب الأكل الصحي.
  • الراحة والتوازن بين العمل والحياة، علٍّم أطفالك أن النجاح لا يعني العمل المتواصل دون راحة، أخذ فترات استراحة والاستمتاع بالوقت مع العائلة يعزز لديهم فكرة التوازن بين الحياة الشخصية والعملية.
* ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.