هل العزلة عن الناس نضج فكري أم مرض نفسي؟

امرأة تجلس بمفردها - المصدر freepik
امرأة تجلس بمفردها - المصدر freepik

بعض الأشخاص يميلون إلى العزلة الاجتماعية، وهو أمر يثير الريبة؛ لأن التفاعلات الاجتماعية هي الأساس لعلاقات سوية، لكن هذه العزلة قد تكون إشارة للنضج الفكري لدى البعض، بينما قد تمثل لدى آخرين علامة على المرض النفسي.
أما بالنسبة للعلم، فقد اختلفت آراء الخبراء في هذا الشأن، حيث تُسهم عوامل مثل الشخصية، الظروف، والثقافة في تشكيل نظرتنا للعزلة.
في كل الأحوال، يجب الانتباه لأسباب العزلة؛ لأنها قد تحتاج إلى تدخل من المحيطين للحد من آثارها السلبية. أما إذا كان الشخص واعياً لما يقوم به؛ فقد تكون العزلة مجرد مرحلة تشمل التأمل ورسم المستقبل.

إعداد: إيمان محمد

هل العزلة دلالة على النضج الفكري؟

نعم، قد تكون العزلة دلالة على الوعي وليس العكس، وفي هذه الحالة؛ فإنها تشمل عدة مزايا تنعكس على الشخص، مثل:

امرأة تتأمل النافذة - المصدر freepik

النمو العقلي والنفسي

يعتبر بعض الباحثين أن العزلة، إذا كانت اختيارية ولفترة محدودة، يمكن أن تكون أداة فعالة للنمو الشخصي والتأمل الذاتي. في تقرير لمجلة Psychology Today، أشار الباحث شيري بورج كارتر إلى أن العزلة تساعد على تقليل الضغوط الاجتماعية، وتعطي مساحة للتفكير بعمق وتحليل التجارب الشخصية بعيداً عن المشتتات، كما اعتبر أن العزلة يمكن أن تكون خياراً مفيداً للأشخاص الذين لديهم مواهب أو تفكير إبداعي، مما يُسهم في اتخاذ قرارات إستراتيجية في حياتهم.

الذكاء العاطفي

الأشخاص الذين يبحثون عن العزلة بشكل واعٍ؛ قد يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي، لأن الأفراد الذين يفضلون قضاء الوقت بمفردهم غالباً ما يكونون أكثر قدرة على فهم أنفسهم، وتحديد أهدافهم بدقة، مما يعكس نضجاً فكرياً واضحاً.

متى تكون العزلة مؤشراً على اضطرابات نفسية؟

رغم مزايا العزلة، إلا أنها قد تكون مؤشراً سلبياً في بعض الأحيان، فقد تكون العزلة الاجتماعية في بعض الحالات علامة على اضطرابات نفسية. أشارت مجلة Harvard Business، إلى أن الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو الاكتئاب؛ غالباً ما يلجأون إلى العزلة كوسيلة لتجنّب التفاعل مع الآخرين. وقد يؤدي هذا النوع من العزلة إلى تفاقم مشاكل الصحة النفسية، حيث تؤدي الوحدة إلى زيادة مستويات التوتر والضغط النفسي.

العزلة تؤدي إلى بعض الأمراض الجسدية

وبحسب المجلة المتخصصة، فإن العزلة الاجتماعية ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض جسدية؛ مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم. ليس هذا فحسب، بينما أشار الخبراء إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في عزلة لفترات طويلة يتعرضون لانخفاض المناعة، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.

كيف نوازن بين العزلة والتفاعل الاجتماعي؟

لا يمكن وصف العزلة على نحو مطلق، بينما الأمر يخضع لمعايير يمكن تمييزها، وفقاً للتالي:

العزلة الاختيارية

إذا كانت العزلة نابعة من رغبة الشخص في الاسترخاء أو التركيز، فإنها غالباً ما تكون إيجابية.

العزلة القسرية

إذا كانت نتيجة شعور بعدم القبول أو ضعف الثقة بالنفس؛ فقد تصبح ضارّة.
إن التوازن هو المفتاح، يحتاج الإنسان إلى العزلة بين الحين والآخر، لكنه يحتاج أيضاً إلى الروابط الاجتماعية؛ لتلبية احتياجاته العاطفية والنفسية.

الآثار النفسية والجسدية للعزلة

هناك معيار آخر لتحديد ما إذا كانت العزلة خطوة إيجابية أم مؤشر لتدهور الحالة النفسية، وما الآثار المترتبة على العزلة، والتي قد تشمل:

القلق المؤقت

إن الأشخاص الذين يختارون العزلة المؤقتة قد يعانون من قلق طفيف في البداية، لكنهم يطورون بمرور الوقت القدرة على التعامل مع مشاعرهم وإعادة تقييم أهدافهم الحياتية.
ويمكنك من السياق التالي التعرف إلى 10 أسباب للشعور بالوحدة.. و5 طرق للتغلب عليها

الاكتئاب

على العكس، إذا امتدت العزلة لمدة طويلة؛ فقد يكون من بين آثارها إصابة الشخص بالاكتئاب والقلق المزمن.

آثار جسدية

أما من الناحية الجسدية، فقد أظهرت أبحاث أن الوحدة المزمنة تزيد من مستويات هرمون الكورتيزول (وهو هرمون يرتبط بالتوتر) في الجسم، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على وظائف القلب والجهاز المناعي. وهذا يفسر سبب توجيه الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية نحو طلب الدعم من الأصدقاء أو المتخصصين في الصحة النفسية.
في نهاية المطاف، لا يمكن تصنيف العزلة بشكل قاطع كنضج فكري أو مرض نفسي؛ إذ يعتمد ذلك على الظروف المحيطة بالشخص والسبب وراء العزلة. بالنسبة للبعض، قد تكون العزلة وسيلة للنمو الشخصي وإعادة التوازن، بينما قد تكون بالنسبة لآخرين نتيجة لمشاكل نفسية تتطلب تدخلاً وعلاجاً.
لذلك، من المهم مراقبة تأثير العزلة على الصحة النفسية والجسدية. إذا كانت العزلة تُشعرك بالراحة وتساعدك على تحقيق أهدافك؛ فقد تكون علامة على النضج. أما إذا كانت تزيد من شعورك بالحزن أو الوحدة؛ فمن الضروري البحث عن مساعدة.

العزلة والهروب من الواقع

قد تكون العزلة ليست للتأمل ولا نتيجة لمرض نفسي، بينما طريقة للهروب من الواقع، وهنا يطلق عليها الخبراء تسمية "العزلة الرقمية"، وهي نتيجة للمبالغة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يفضل هؤلاء التواصل ولكن من خلف الشاشات.
هذه العزلة لا تتعلق بعدم وجود تواصل، بل بنوعه. بينما يبقى الأفراد متصلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن التفاعل يصبح سطحياً ومحدوداً، مما يقلل من جودة العلاقات الإنسانية. هذه العزلة قد تؤثر على الصحة النفسية للأشخاص، مما قد يتسبب لاحقاً في إصابتهم بالقلق، والاكتئاب، وفقدان الاتصال بالواقع الاجتماعي المحيط بهم.

* ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب مختص.