شابة تعمل من خلال منصبها على بناء القدرات في أكاديمية «بادري»، الذراع التعليمية لمؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة، وشعارها في الحياة: «لا حدود للتعلم وتطوير الذات». تتولى الإشراف على تنفيذ برامج ومبادرات متنوعة بتخصصات مختلفة تُسهم في بناء قدرات المرأة وتساعد على تحليها بالجاهزية والمهنية، بدءاً من إثراء مخزونها المعرفي وانتهاءً بإكسابها مهارات جديدة تُميزها وتُمَكّنها في المجتمع وسوق العمل. استناداً إلى رؤية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة والتي تبنتها قرينته الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي عبر تطوير نهج صمم خصيصاً بتمكين المرأة ودعمها في دولة الإمارات والعالم بشكل عام وفي إمارة الشارقة بشكل خاص، اختارت مجال تطوير القدرات والمهارات المستدام، هي الدكتورة منى آل علي التي استضفناها في هذا الحوار، لتبوح عمّا يخالج نفسها، وعن طبيعة شخصيتها الفنية والعملية في الحياة.
كيف تعرّف الدكتورة منى نفسها على الصعيد الشخصي؟
سؤال صعب بصراحة، فليس من السهل أن يتحدث المرء عن نفسه، أنا منى آل علي، ترعرعت في إمارة أم القيوين في بيئة بسيطة ومحافظة، كوني إنسانة عملية، فأنا دائماً ما أحاول إيجاد الحلول لأي تحدي، حيث أرى التحدي من أكثر من منظور، لأصل في النهاية لأكثر الحلول واقعية وعدالة.
شَغَفُ المتاحف
أنت أول إماراتية حاصلة على دكتوراه في الدراسات المتحفية، لماذا ابتعدت عن هذا الميدان؟
لم أبتعد أبداً، سبق وأن عملت في هيئة متاحف الشارقة، وقمت بتدريس تخصص فن المتاحف في جامعة الشارقة، ثم عملت كمستشارة في وزارة الدفاع في قسم التاريخ العسكري للدفاع، كما عملت على مشاريع مختلفة مع متاحف مختلفة في الإمارات، وحالياً افتتحت شركة استشارات في شؤون المتاحف، شغفي بالمتاحف يشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافتي وشخصيتي.
تابعي المزيد:الفنانة البصريَّة منال الضويان:الفن مساحة تبحث في الأسئلة الصَّعبة
أثر المعرفة
وصفت أكاديمية «بادري»، التي تديرينها، بأنها تحوّل يواكب احتياجات النساء، ما الاحتياجات التي تنقصهن برأيك؟
برأيي وبعد الدراسات الدورية التي أجريناها في أكاديمية «بادري» لمعرفة التحديات التي تواجه السيدات واحتياجاتهن من مهارات، وجدنا أن أكبر تحدي تواجهه المرأة هو التردد، حتى لو كانت هذه المرأة عالية الثقة بالنفس، تجدينها تسأل نفسها، هل أنا أستطيع؟ أو كيف ستكون نظرة المجتمع لي؟ والتحدي الآخر هو الاحتياجات المالية لكن الحل يمكن أن يرتبط مباشرة بتطوير المهارات، لدى السيدة حيث يمكن أن يساعدها بشكل كبير بدءاً من إدارة مصروفها الشخصي وانتهاءً بمشروعها الخاص، ونحن في أكاديمية بادري نبدأ بتغيير طريقة تفكيرها، باستخدام اسم المؤسسة وهو «بادري» أي لا تنتظري الفرصة حتى تأتيك؛ وهذا الاسم لم تقم باختياره سموها عبثاً، فسموها تؤمن كثيراً بأثر الكلمة والمعرفة في حياة أي إنسان.
ما الوسائل والأساليب التي تستخدمها أكاديمية «بادري» لسد هذه الاحتياجات؟
تعزيز وبناء قــدرات المرأة وتمكينهــا مــن المشــاركة بفاعليــة فــي مختلــف القطاعات المحلية والعالمية، وذلك عبر البرامج وورش العمل الحضورية مختلفة التخصصات والتي تُسهم في بناء قدرات المرأة وتساعد على تحليها بالجاهزية والمهنية، بدءاً من إثراء مخزونها المعرفي لمواكبة التطور المجتمعي، وانتهاءً بإكسابها مهارات جديدة تُميزها وتُمَكّنها في سوق العمل. أو عبر منصة بادري الإلكترونية التي من خلالها نقوم بتوفير المساقات الجماعية مفتوحة المصادر (MOOCs) المتاحة مجاناً باللغتين العربية والانجليزية لكل من يرغب في تطوير مهاراته الشخصية والمهنية والمستقبلية من جميع أنحاء العالم.
شغفي بالمتاحف جزء لا يتجزأ من ثقافتي وشخصيتي
خُطواتٌ واثقةٌ
ما مستوى أفكار النساء التي من المفترض تحويلها إلى مشاريع رائدة، كيف تشاركون في ذلك؟
تركز بادري على تطوير المهارات الشخصية والمهنية والمستقبلية، وليست مختصة فقط في مجال ريادة الأعمال؛ حيث تستقبل فكرة السيدة، التي يفترض أن تكون واقعية، أو يمكن تنفيذها، وتصلنا أفكار كثيرة مثل الرغبة في افتتاح مطعم، أو مشغل، لكن يصعب على صاحبة الفكرة البدء، وهنا يبدأ دورنا، بتزويدها بالتدريب والمعرفة اللازمة التي تساعدها بالبدء بخطوات واثقة؛ تتضح لها ملامح المشروع، ثم يأتي دور الرخصة، بالانتساب إلى مجلس أعمال سيدات الشارقة، وهي المؤسسة الأخت لأكاديمية بادري والتي تندرج أيضاً تحت المظلة الأم مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة.
تحدٍ وليس إشكالية
ما الإشكالية في تطوير مهارات النساء اللواتي يلتحقن بالأكاديمية؟
ليست هي إشكالية، بقدر ما هي تحدٍ، للتمكن من الخروج من مساحة الراحة، ليبدأن بشيء جديد، خصوصاً بعد جائحة كورونا.، التي أثرت تداعياتها في أغلب النساء.
بعيداً عن الدور الوظيفي الذي تقومين به، ألم تشدك مشاريع غيرك لتكوني رائدة أعمال، صاحبة فكرة تديرين مشروعك الخاص؟
فضلاً عن مشروعي في الاستشارات المتحفية، أحب الإكسسوارات وأحب شراء قطع تخص ثقافة كل بلد أسافر إليه، وأتمنى أن أدير عملاً خاصاً بالإكسسوارات؛ أقوم بتصميم وتصنيع قطع تأخذ طابعاً إماراتياً، تبرز جمال المرأة من جهة، وتكون أسعارها في متناول اليد من جهة أخرى. هي ربما موجودة لكن أسعارها خيالية.
اكتشاف العالم
ما الذي يمثله لك السفر؟ وما أجمل رحلة قمت بها، وما الذي اكتشفته فيها؟
السفر هو اكتشاف لدولة جديدة وثقافة جديدة، وتغيير من الروتين، والتوقف عن تعب العمل، ليبدأ المرء بطاقة جديدة وإيجابية، ومن أجمل الرحلات التي قمت بها كانت مع الأهل إلى أوروبا، وكان مخطط الرحلة هو زيارة المتاحف التراثية والمعارض الثقافية. يحضرني عند زيارتي إلى أمستردام بيت الفنان الرسام فان كوخ، الذي عاش قصة حزينة من الفقر، ومن هنا خرجت أعمال فنية رائعة، تأثرت جداً بقصة حياته، وقد كتبت شيئاً بعد زيارتي إلى المتحف محتواه، «الرحلة، علمتني أن أرى العالم كما أحب أنا أراه»، كان فان كوخ يرسم ويرى أشياء أبعد من نظر الآخرين، لكن الناس من حوله لم يكونوا قادرين على تخيّل ما يريده. كان يجرد الأشياء من المعاني، وهو ما أثّر فيّ كثيراً.
ما الذي زرعته فيك الغربة التي عشتها لـ 10 سنوات، وأي المواقف كانت تزعجك، وأيها التي كانت تقوي عزيمتك؟ هلاّ ذكرت لنا أمثلة؟
أهم ما تعلمته من الغربة هي الاستقلالية والاعتماد على النفس والانفتاح على الثقافات مع التمسك بالهوية الإماراتية، هي أفكار كانت صعبة في المجتمع الإماراتي الذي ما زال يحافظ على مفهوم العائلة الكبيرة، ولكنه تغير حالياً من حيث القيود. الغربة للدراسة جعلتني أعيش تحولاً كبيراً وأتجه نحو التعرف على ثقافة البلدان بالرغم من أني لم أكن أهتم بالثقافة والتراث.
ما الذي كان يقوي عزيمتك؟
أنني عندما اتخذت القرار، وأكملت المشوار، وأثبت أنني بحجم المسؤولية، فعندما تخصصت في مجال المتاحف، لم يكن هناك خبراء في الإمارات بهذا التخصص، وكان الأمر تحدياً بالنسبة لي. دولتنا أعطتنا أجمل الفرص، فلماذا لا نستغلها ونرد لها جزءاً من الجميل؟
تابعي المزيد:لاعبة المنتخب السعودي للسهام هيفاء الخنيزان:المرأة السعودية قادرة على تحقيق ما تريد
علاقة فريدة
أجمل مكالمة تَلَقَّيْتِها وأنت في الغربة؟
كل مكالمات أمي كانت تسعدني وتبدد وحدتي، علاقتي مع أمي فريدة من نوعها، كنت عندما أطلب نصيحتها ورأيها، تقول لي: «ليس هناك من سيقدم لك الجائزة، إحساسك هو الأصح»؛ أي لا تنتظري مكافأة من أي أحد، افعلي ما تشعرين أنه مناسباً، ساعدتني كثيراً هذه الجملة في اتخاذ الكثير من القرارات، وأصبحت أنصح صديقاتي بها.
موقف مفرح في حياتك، وآخر محزن لا تتمنين أن يتكرر؟
الموقف المفرح هو عندما حصلت على البعثة من قبل الجامعة التي رشحتني للدراسة في نيوزيلندا، فقد حققت هدفاً على الرغم من معارضة من حولي. أما الموقف المحزن فهو وفاة أختي بسبب مرض مفاجئ، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي.
أهم ما تعلمته من الغربة هي الاستقلالية والاعتماد على النفس والانفتاح على الثقافات مع التمسك بالهوية الإماراتية
القراءة والعلم والمهارات هي السلاح الذي يواجه به الانسان المستقبل
سلاح المستقبل
ما العائق الذي تجدين أنه ما زال يقف أمام النساء؟ وهل تبررين كل حججهن؟
العقل والتفكير هما اللذان يسببان العائق، الذي قد يكون عدواً للإنسان، ليس كل ما يدور في عقلك صحيحاً، هناك كلام سلبي كثير يجب تجاهله، تستطيعين تدريب عقلك؛ لتكوني النسخة الأفضل من نفسك؛ وتتجنبي المقارنة بالآخرين.
ما نصائحك لشابات الجيل الجديد؟
أن يتمسكن بالعادات والتقاليد والهوية الإماراتية، ولا يواكبن كل شيء يرينه في مواقع التواصل الاجتماعي فليس كل ما يلمع ذهب، كنّ انتقائيات، وركزن على شغفكن في أي مجال، بشرط ألا تنسلخن عن العادات، ففي النهاية نحن ضمن مجتمع عربي مسلم له قواعده الجميلة.
ما شعارك في الحياة؟
«لا حدود للتعلم وتطوير الذات»، ومع أنني تخرجت من تخصصات مختلفة، لكنني لم أتوقف عند هذا الحد، فالتغيرات الحاصلة عالمياً تحتاج منّا بوصفنا أفراداً إلى الاستمرار في تطوير أنفسنا، لمواكبة هذا التغيير، واليوم أصبح التعليم في كل مكان وزمان. «اقرأ» هو أول أمر من القرآن الكريم نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إشارةٌ إلى فضل القراءة في العملية التعليمية، إذا إن الإنسان محور التنمية وهدفها الأساس، والتعليم نقطة الانطلاق لذلك، حتى وإن لم يتمكن الإنسان من القراءة، فقد أصبحت الكتب اليوم مسموعة عبر البودكاست مثلاً؛ أي أصبح الاطلاع على محتوى كتاب سهلاً.
كيف ترين المستقبل؟
لا أنظر للمستقبل على أنه تحد، أنا جداً واقعية، المستقبل قادم ولا أحد يعرف عنه شيئاً، خصوصاً بعدما حصل جراء أزمة كورونا، لم يكن متوقعاً أبداً، أؤمن بأن يعيش المرء كل يوم بيومه، ويخطط للأفضل غداً، بدلاً من إضاعة الوقت في التفكير الزائد والتوتر، القراءة والعلم والمهارات هي السلاح الذي يواجه به الانسان المستقبل.
تابعي المزيد:مديرة الحوكمة للعلاقات الحكوميّة في شركة Meta سمر بنت عبد المحسن السّلطان: الهوية الأصيلة لا تتأثر بالمتغيرات