لم يعد مستغرباً أن نرى المرأة السعودية اليوم وهي تبرز في قطاعٍ ما، مهما كان صعباً وحسَّاساً، بعد تمكينها وتحفيزها من قِبل القيادة الرشيدة، التي وفرت لها كل أدوات النجاح، خاصةً بعد إطلاق «رؤية 2030». لكنَّ الفريد في ضيفتنا لهذا العدد أنها استطاعت البروز وإثبات نفسها بقطاعاتٍ عدة في وقتٍ واحد، وهو ما تعجز عنه الكثيرات، مستعينةً في ذلك بإرادةٍ لا تقهر، وطموحاتٍ لا تنتهي. رنا بنت عبدالله الزمعي، المدير الأعلى للاتصال المؤسّسي والمعرفة في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية ونائبة رئيس جمعية الأزياء السعودية والمستشارة المعتمدة لدى «منشآت» والقائدة لعديدٍ من المبادرات والمشروعات المجتمعية التنموية والتمكينية في السعودية، في حوارها مع «سيدتي» أفردت أوراق نجاحها، وكشفت عن أهم المحطات في مسيرتها العملية، والمهام التي تؤديها.
بدايةً، لنتحدث عن دوركِ بوصفكِ المدير الأعلى للاتصال المؤسَّسي والمعرفة في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، إذا أردنا تعريفاً لهذا الدور، فما هو بالتحديد؟
تمَّ اختياري لهذا المنصب بهدف تأسيس إدارة الاتصال المؤسّسي والمعرفة في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، كوني أحمل درجة البكالوريوس في العلوم، والماجستير في التسويق والاتصال المؤسّسي. ودوري أن أتواصل معرفياً وعلمياً بكل علوم الأرض والتسويق في كافة مبادرات ومعلومات الجيولوجيا التي تخدم قطاع التعدين والطاقة المتجددة والطاقة البديلة والقطاع البيئي. تمَّ تأسيس الإدارة قبل عام تقريباً، وها نحن اليوم في مصاف الجهات الحكومية المتقدمة في تواصلنا، وما زلنا نطمح للمزيد.
توجه واضح ومتسق
اليوم نشهد تغيُّراً في أدوات الاتصال والتواصل، كيف تستثمرون هذه الأدوات؟
قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة أسهمت في تحقيق أهداف قطاع الاتصال المؤسّسي، وتسهيل إيصال الرسائل الاتصالية لكل قطاعٍ، واليوم نحن نتبع منظومة الصناعة والثروة المعدنية، ولدينا توجهٌ واضحٌ ومتسقٌ ومتناغمٌ في رسائلنا الاتصالية عبر قنوات التواصل في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية «تويتر ولينكدان ويوتيوب»، كما أطلقنا الموقع الرسمي الجديد في نهاية العام الماضي وبداية الجديد بفضل الله.
كيف يتقاطع دوركم مع أساسيات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة؟
تقوم هيئة المساحة الجيولوجية، منذ تأسيسها، بدورها في المسؤولية الاجتماعية، سواءً التوعوي، أو التعليمي، أو التثقيفي، أو التدريبي، وتختلف الفئات المستفيدة من هذا الدور الاجتماعي، أذكر منها المواطن الفرد، ومجتمع منطقةٍ معينة، والأرض وجميع الدارسين والباحثين في علومها، ومجتمع الهيئة بموظفيها ومنسوبيها وشركائها من القطاعين الخاص والعام.
تعملون تحت نطاق وزارة الصناعة التي أطلقت أخيراً استراتيجيتها الطموحة، أين أنتم ضمن هذه الاستراتيجية؟
نحن نعمل ضمن منظومة الصناعة والثروة المعدنية، وأغلب ما يخصُّ دور الهيئة موجودٌ في استراتيجية التعدين، وحسب علمي، كان لفريقنا في الهيئة، قبل انضمامي إليه قبل عام، دورٌ كبيرٌ في المدخلات الأساسية بالاستراتيجية الوطنية للتعدين.
ما الذي تطمحين إليه من خلال إدارتكِ هذا العمل؟
نسعى في الفريق إلى أن نشارك المعلومات التي تملكها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، بوصفها جهةً استشاريةً وموثوقةً في علوم الأرض، على شكل سلاسل إعلامية، ابتكرناها لجعل المعلومة العلمية مواكبةً للنمط الحديث في النشر، وجاذبةً للاطلاع عليها بهدف تسويق ثرواتنا الطبيعية في السعودية. طموحي شخصياً إنجاز الأساس الاتصالي والتسويقي القوي الذي سيقود أعمال وخدمات الهيئة، وسيعكس ثقافتها المؤسسية والوطنية الحديثة بعد التحول الذي تمرُّ به لتكون مَعلَماً علمياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، يتباهى به الوطن بين الهيئات العالمية المثيلة.
دوري الإسهام في تأسيس قطاعٍ وطني كامل من الناحية التمكينية والتطويرية لمجتمع الأزياء
قطاع الأزياء
أنتِ أيضاً نائبة رئيس الجمعية السعودية للأزياء، هل هناك وجه شبهٍ بين الدورين؟
منذ بداية مسيرتي العملية، وأنا أؤدي أدواراً قياديةً تأسيسيةً في المجالين، على الرغم من اختلافهما، وتميُّز كلٍّ منهما بتحدياتٍ خاصة في التأسيس. في قطاع الأزياء كان دوري أن أكون إحدى قيادات تأسيس قطاعٍ وطني كامل من الناحية التمكينية والتطويرية لمجتمع الأزياء، وأتشرَّف بقيادتي هذا الاختلاف، واستفدت في ذلك من قياداتٍ في الدولة، تنقَّلوا بين أدوارٍ مختلفة في وزاراتٍ عدة، لكنهم قادوها بالبراعة نفسها.
لديكِ رؤيةٌ أساسيةٌ تعتمدينها في عملكِ بقطاع الأزياء، تقوم على التمكين، والاستدامة، والمنتج الوطني، حدِّثينا عن ذلك؟
لطالما كان حلمي في قطاع الأزياء، أن يكون العائد البيئي لهذه الصناعة بجمال مخرجات أزيائها. القطاع جديدٌ وحديثٌ، وهذه فرصتنا لنبنيه صديقاً للبيئة ومواكباً للقياسات الحضارية والمدنية، وبالنسبة إلى المنتج الوطني، أحرص منذ إطلاق «صُنع في السعودية»، بالاعتماد على الزملاء في الصادرات السعودية بمنظومة الصناعة، على التعاون مع جميع أفراد مجتمع الأزياء، ليكونوا جزءاً من البرنامج، ونقدم منتجاً سعودياً رائعاً في المجال، يدعم الصادرات السعودية غير النفطية. القطاع كبيرٌ، وإذا ما تابعنا إنشاءه بالطريقة الصحيحة، فسيصبح قوةً تصديريةً هائلة.
دور نشط
ما الدور الذي تلعبه جمعية الأزياء، وما موقعكِ منه؟
جمعية الأزياء مثل غيرها من الجمعيات المهنية التي أطلقتها وزارة الثقافة، أنشئت إيماناً من القيادة بدور القطاع الثالث في تمكين المجتمعات اقتصادياً، وتعزيز دوره في النهوض بالاقتصاد الوطني، واليوم تلعب الجمعية دوراً نشطاً بالربط بين المهنيين في قطاع الأزياء، ويرأسها كمؤسِّس لؤي نسيم، وأقوم فيها، بوصفي نائبة للرئيس وعضواً مؤسِّساً، بمشاركة باقي أعضاء مجلس الإدارة المؤسِّسين في وضع خارطة تمكينٍ لكل فردٍ في مجتمع الأزياء باختلاف تخصصاتهم واحتياجاتهم من مصممين، وروَّاد أعمالٍ، ومورِّدين، وتجار أقمشةٍ، ومعاهد وكلياتٍ وجامعاتٍ ومصانع وغيرها من فئاتٍ تُكوِّن مجتمع الأزياء الغني والعريق في السعودية.
يشهد قطاع الأزياء اليوم نهضةً غير مسبوقةٍ، كيف تقيِّمين هذا المسار؟
وضعت الدولة، ممثَّلةً في وزارة الثقافة، استراتيجياتٍ واضحة، وكنا ضمن فريقها في الاجتماعات حتى قبل الإعلان عن الجمعيات برغبةٍ منا، وشغفٍ كبيرٍ بوصفنا ممارسين وقادةً في المجال من أجل شمل كل احتياجات تأسيس القطاع في خطة عملٍ واحدةٍ، وها نحن اليوم نرى الزملاء في هيئة الأزياء يبدعون في مبادراتٍ على مستوى عالمي، ونعتمد حالياً خطة أعمال العام الجاري لبدايةٍ قوية، إن شاء الله، ونطمح لأن يجد كل هاوٍ ومحترفٍ وممارسٍ ومهني في الأزياء منصةً بكل مدينةٍ ومنطقةٍ في السعودية، تكون حاضنةً له من أجل إطلاق إبداعاته حسب تخصُّصه، وإيصال الأسماء السعودية للعالمية، وقيادة الابتكار ومشاركة أفضل ممارسات الاستدامة في الأزياء.
هل يمكن القول إن قطاع الأزياء اليوم من القطاعات السهلة في ظل كل المحفزات؟
قطاع الأزياء ليس من القطاعات السهلة، ولا ينجح فيه إلا المختلف والجاد والمتقن، ودائماً ما أكررها بأنني أعمل في أكثر قطاعين مستقبليين واعدين، ولا ينجح فيهما إلا الجاد والمختلف والمثابر، سواءً الأزياء أو التعدين.
تابعي المزيد: في ذكرى يوم التأسيس ..رئيسة اللجنة النسائية في الاتحاد السعودي للدراجات الأميرة مشاعل بنت فيصل آل سعود: نعيش في وطن شامخ
معرض الأزياء المحتشمة
حضرتِ أخيراً في معرض الرياض للأزياء المحتشمة، ما الذي يعنيه أن تستضيف العاصمة السعودية هذا النوع من الفعاليات العالمية؟
المعرض عالميٌّ، ويجوب مختلف الدول، إذ سبق تنظيمه في أهم مدن الأزياء، مثل لندن ودبي، وإقامته للمرة الأولى في الرياض يؤكد انفتاح مجتمعنا على الاطلاع على مختلف الثقافات من تركيا ومصر، وقد شاركت فيه أكثر من علامةٍ سعوديةٍ للعباءات الحديثة، دعماً للثقافة الإسلامية العربية في الأزياء، وتطويراً للمحجبات بوصفهن إحدى الفئات المستهدفة عالمياً، فاليوم لا يجب أن نُغفل أي فئةٍ مستهدفة، وأن نشارك بأفضل العروض على هذا المستوى الراقي.
التراث السعودي غنيٌّ بالعناصر الفنية الإبداعية التي تنعكس على الأزياء، إلى أي مدى يمكن أن يصمد النمط التراثي؟
الحداثة لا تستغني عن اللمسات التراثية السعودية المتنوعة والعريقة، فدولتنا بحجم قارةٍ، وتتنوع فيها النقوش والأزياء حسب المناطق، ولا غنى للحداثة عن لمسات الثقافة في الأزياء لإعطائها الرونق والأصالة، والأهم من ذلك عنصر الانتماء، الذي يتميَّز به السعوديون والسعوديات.
مهام أخرى
درستِ العلوم وعلم الأحياء الدقيقة، لكنكِ توجَّهتِ لمجالٍ مختلفٍ تماماً، لماذا؟
درست العلوم والأحياء الدقيقة بوصفهما تخصصاً علمياً، لكنَّ عملي اتجه نحو القطاع الصناعي غير الربحي في مصانع الملابس وقيادة شراكاتٍ استراتيجيةٍ، تستهدف توسيع المشروع، والتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، كل هذه الأعمال، ومنها عملي في شركةٍ سعوديةٍ متعددة الجنسيات، وقطاعاتٍ أعمالٍ متنوعة منحني مهارات الاتصال المتقدمة، التي صقلتها لاحقاً عبر دراسة الماجستير في جامعة IE الإسبانية، وسيجوفيا للعلوم الإنسانية والتقنية.
دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع من خلال «قادرون» تحدٍّ كبير إلى أي حدٍّ نجحتم في ذلك؟
أتشرَّف بكوني منذ عام 2015 سفيرةً لـ «قادرون»، شبكة أصحاب الأعمال والإعاقة وكانت وما زالت مصانع النسيج من أجمل التجارب للدمج الناجح، وهناك شركاتٌ زرناها بوصفنا أعضاءً في «قادرون»، نجحت في تحقيق الدمج، ومبدأ المرشد والزميل في قطاعات المواد الغذائية وجميع القطاعات التي تشمل خطوط إنتاجٍ، وما زالت قصص النجاح تتوالى في القطاعات الصحية والبنكية وتطبيقات التوصيل.
تولَّيتِ أيضاً مهامَّ أخرى ضمن برامج ومبادراتٍ اجتماعيةٍ وجمعياتٍ ومؤسساتٍ أكاديميةٍ ومهنيةٍ عدة، كيف ساعدكِ ذلك في تحديد أهدافكِ؟
العطاء المجتمعي يجري في دمي، ومن أحب الأعمال لقلبي العطاءُ الفعلي في التمكين، وهذا ما أمارسه حتى في إجازتي، فهي وقتٌ خصبٌ لممارسة المسؤولية الاجتماعية ذات الفائدة التمكينية، ولا أحب التحدث عن معظمها، كوني أبتغي بها وجه الله تعالى، لكن حقيقةً، هي متعةٌ وبركةٌ لمَن اعتاد عليها.
ومع «منشآت»، ما الدور الذي لعبتِه فيها؟
كنت وما زلت منذ عام 2017 مستشاراً معتمداً لدى «منشآت»، هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأحرص دائماً على دعم روَّاد الأعمال في مختلف القطاعات بالاستشارات في خطط الاتصال والتسويق، والآن أولي اهتماماً كبيراً بدعم روَّاد الأعمال في التعدين والأزياء، ولدينا قصص نجاحٍ جميلة في المجالين.
أحرص على دعم روَّاد الأعمال في مختلف القطاعات
المرأة في قطاع التعدين
شاركتِ في مشروعاتٍ عدة حول موضوع تعزيز مشاركة المرأة في قطاع التعدين، لماذا تهتمين بهذا القطاع؟
في عملي السابق، ركزت على مبادرة «تكافؤ» مع جمعية النهضة، التي تبحث في تكافؤ الفرص بين الجنسين، سواءً في الدخل، أو فرص التطوير، أو غيرهما، بما يحقق المساواة في الحقوق في بيئات الأعمال، كما أسهمت في تنظيم «منتدى التنوع والشمول»، وكنت أكثر من مرةٍ متحدثةً في منصاتٍ لدعم المرأة وتمكينها، كون عملي الأول والأطول مدةً «المدير العام للمصانع»، يقوم في أساسه على توفير فرصٍ نسائيةٍ، وتمكين المجتمعات البعيدة عن المدن الرئيسة، وكنت وما زلت داعمةً للمرأة وتمكينها في كل المجالات، والرجل كذلك. بعد انتهاء النسخة الأولى من مؤتمر التعدين، أطلقت وزارة الصناعة والثروة المعدنية لجنة تمكين المرأة في التعدين، وأحظى منذ عام بأن أكون عضوةً مؤسِّسةً، وما زلت أطمح لتحقيق المزيد، خاصةً أن النسخة السعودية من المرأة في التعدين لمعت كثيراً، وتواصلت مع العضوات القادمات من لجان المرأة في التعدين من أستراليا وبريطانيا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي كانت لها القيادة في تأسيس هذه اللجان، والجميل أن اللجنة السعودية واكبتها بنشاطٍ عالٍ وحماسٍ كبيرٍ، وظهر اهتمام الجميع بمبادراتٍ مشتركةٍ مقبلةٍ إن شاء الله.
ما الذي يعنيه لكِ إسهام المرأة السعودية في إحداث هذه التحولات الكبرى ضمن المؤسسات؟
الثقة والتمكين اللذان تحظى بهما المرأة السعودية اليوم، لا يتركان لها عذراً في ألَّا تثبت نفسها. وجودي وزميلات أخريات في القطاعات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة في مرحلة التحول، تثبت أن التنوع والشمول، يكمنان في وجود المرأة وشريكها الرجل جنباً إلى جنب لتحقيق أهدافنا الوطنية، التي تصبو كلها لتحقيق تطلعات «رؤية 2030».
دعم عائلي
كيف تصفين حياتكِ العائلية؟
أحظى باستقرارٍ عائلي، ودعمٍ كبيرٍ من أسرتي، والحمد لله. أولادي الثلاثة «ابني البكر وابنتي»، هم المحفز الأساس لي للاستمرار والعطاء. عندما أتعب، مثل أي أمٍّ، أنظر إليهم، فأجدهم داعمين وفخورين بي، فيدفعني ذلك للاستمرار.
تابعي المزيد: المستثمرات السعوديات.. انطلاق بثباتٍ نحو مستقبل واعد
