إن فكرة أن أفكارنا تشكل مصيرنا هي فكرة معروفة منذ القِدم، ومع ذلك، فإن علم النفس الحديث يعمق فهمنا لهذا المفهوم بشكل أكبر، موضحاً كيف تؤثر أفكارنا في سلوكياتنا، وكيف يمكن لهذه السلوكيات أن تحدد المسار الذي نسلكه في حياتنا.
إن القول بأن "أفكارنا تحدد مصيرنا" ليس مجرد حكمة شعبية، بل هو مفهوم مدعوم بدراسات، وتجارب علمية كما تقول الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والبرمجة اللغوية العصبية والعلاج الإيحائي، والعلاج بخط الزمن أزنيف بولاطيان، في حدثيها إلى "سيدتي".
أثر كل خطوة نقوم بها في حياتنا
يقول الفيلسوف الصيني لاوتسو: "راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعالاً، وراقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، وراقب عاداتك لأنها ستكون شخصيتك، وراقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك"، هذه العبارة تُنسب إلى الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهي تلخص بشكل جميل قوة وتأثير كل خطوة نقوم بها في حياتنا، العبارة تدعونا إلى الانتباه لكل كلمة نقولها، وكل فعل نقوم به؛ لأنها تتحول بمرور الوقت إلى عادات، وهذه العادات تشكل شخصيتنا التي في النهاية تحدد مصيرنا، إنها دعوة للتأمل في كيفية تأثير قراراتنا وأفعالنا الصغيرة في مسار حياتنا بشكل عام.
- راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات: الأفكار التي نسمح لأنفسنا بالتفكير فيها غالباً ما تتحول إلى كلمات نقولها، إذا كانت أفكارنا سلبية أو مدمرة؛ فقد نجد أنفسنا نتحدث الأسلوب السلبي نفسه، بالمقابل الأفكار الإيجابية أو المتفائلة تؤدي إلى كلمات إيجابية.
- راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعالاً: الكلمات التي نستخدمها تؤثر في كيفية تصرفنا، إذا كنا نميل إلى قول أشياء إيجابية ومحفزة، فإن أفعالنا غالباً ما تعكس ذلك، على النقيض، الكلمات السلبية يمكن أن تقود إلى أفعال سلبية.
- راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات: ما نقوم به بشكل متكرر يصبح عادة، الأفعال المتكررة تتحول بمرور الوقت إلى عادات راسخة، على سبيل المثال، إذا اعتدنا الكسل أو التسويف "أي تأجيل الأعمال"؛ فإن ذلك يصبح جزءاً من روتين حياتنا.
- راقب عاداتك لأنها ستكون شخصيتك: العادات التي نكونها تحدد شخصيتنا، إذا كنا نتحلى بعادات جيدة؛ مثل الصدق أو العمل الجاد؛ فإن شخصيتنا تعكس هذه الصفات. على النقيض، العادات السيئة يمكن أن تؤدي إلى تكوين شخصية ضعيفة أو غير مرغوب فيها.
- راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك: شخصيتنا في النهاية تحدد مصيرنا، الشخص الذي يتمتع بشخصية قوية وإيجابية يكون أكثر قدرة على تحقيق النجاح والرضا في حياته. بالمقابل، الشخصية الضعيفة أو السلبية قد تقود إلى نتائج غير مرغوب فيها أو إلى الفشل.
في المجمل، عبارة الفيلسوف لاتسو هذه، تدعو إلى أهمية الوعي الذاتي، والانتباه لتفاصيل حياتنا الصغيرة؛ لأنها تشكل مع الوقت مصيرنا بشكل كامل، إنها تذكير بأن حياتنا هي نتاج لأفكارنا، كلماتنا، أفعالنا، عاداتنا، وبالتالي شخصيتنا ومصيرنا.
من المهم جداً التعرف إلى لماذا اللاوعي أقوى من الوعي وفق علم النفس؟
كيف تشكل أفكارنا سلوكياتنا؟
في علم النفس، يُنظر إلى الأفكار على أنها القوة الدافعة وراء سلوكياتنا، الأفكار هي المحفزات التي تثير مشاعرنا وتوجه سلوكياتنا، على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يعتقد بأنه قادر على النجاح؛ فإن هذا الاعتقاد يعزز ثقته بنفسه، ما يؤدي إلى سلوكيات أكثر إيجابية واستباقية، مثل اتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق الأهداف، على العكس من ذلك، إذا كان الشخص يعتقد أنه غير قادر على النجاح؛ فإن هذا الاعتقاد يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالإحباط أو الخوف، ما قد يدفعه إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراء.
النظرية المعرفية والتفكير الإيجابي
تُعد النظرية المعرفية من أهم النظريات التي تشرح العلاقة بين الأفكار والسلوكيات، وفقاً لهذه النظرية؛ فإن الأفكار السلبية غالباً ما تؤدي إلى مشاعر سلبية، التي بدورها تؤدي إلى سلوكيات غير منتجة أو سلوكيات مدمرة، على سبيل المثال، عندما يكون لدى شخص فكرة مثل: "أنا لست جيداً بما يكفي"؛ فإن هذه الفكرة يمكن أن تؤدي إلى مشاعر مثل القلق أو الاكتئاب، ما يؤثر سلباً في أدائه.
من ناحية أخرى، التفكير الإيجابي يلعب دوراً حيوياً في تعزيز الصحة النفسية وتحقيق النجاح، عندما تكون لدينا أفكار إيجابية؛ فإننا نصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والضغوط بطريقة فعالة، وهذا لا يعني تجاهل الواقع أو التغاضي عن المشكلات، بل يعني تطوير قدرة على رؤية الفرص في التحديات، وتبني موقف إيجابي يساعد على النمو الشخصي.
البرمجة العصبية اللغوية وتغيير الأفكار "NLP"
البرمجة العصبية اللغوية "NLP" هي تقنية تستخدم في العلاج النفسي لتغيير الأفكار السلبية وتحويلها إلى أفكار إيجابية، هذه التقنية تعتمد على فكرة أن عقولنا مبرمجة على نمط معين من التفكير، وأنه من الممكن إعادة برمجة هذا النمط لتغيير كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا، عندما نعيد برمجة أفكارنا؛ فإننا نغير الطريقة التي نستجيب بها للمواقف المختلفة، ما يؤدي إلى نتائج أفضل على المدى الطويل.
الانحياز التأكيدي وتأثيره في مصيرنا
يشرح علم النفس أيضاً ظاهرة تُسمى "الانحياز التأكيدي"، وهي ميلنا للبحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتنا الحالية، وتجاهل المعلومات التي تتعارض معها، هذا يعني أنه إذا كان لدينا اعتقاد بأننا سنفشل؛ فإننا سنميل إلى التركيز على الأدلة التي تؤكد هذا الاعتقاد، ما يزيد من احتمال تحقيق هذا الفشل بالفعل. على العكس من ذلك، إذا كان لدينا اعتقاد بأننا قادرون على النجاح؛ فإننا سنبحث عن الأدلة التي تؤكد هذا الاعتقاد، ما يزيد من احتمال تحقيق النجاح.
كيف يمكننا استخدام هذه المعرفة لتحسين حياتنا؟
الخطوة الأولى في استخدام قوة الأفكار لتحسين حياتنا هي تطوير الوعي الذاتي. من خلال ملاحظة الأفكار التي تدور في عقولنا بشكل يومي، يمكننا تحديد الأفكار السلبية وتغييرها بأفكار أكثر إيجابية. يمكننا أيضاً استخدام تقنيات مثل التأمل والتمارين العقلية لتعزيز التفكير الإيجابي.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون العمل مع معالج نفسي متخصص في العلاج المعرفي السلوكي "CBT" أو البرمجة العصبية اللغوية "NLP" مفيداً جداً. يمكن لهؤلاء المتخصصين مساعدتنا في إعادة هيكلة أفكارنا وتغيير الأنماط السلبية التي تؤثر في حياتنا بشكل سلبي.
التفكير الإيجابي: الخلاصة
علم النفس يقدم أدلة قوية على أن أفكارنا تلعب دوراً محورياً في تشكيل مصيرنا ومستقبلنا. من خلال الوعي الذاتي وتغيير الأفكار السلبية، يمكننا تحقيق تحولات إيجابية في حياتنا. إن إدراك قوة الأفكار لا يساعدنا فقط على تحقيق أهدافنا، بل يمكن أن يكون له تأثير عميق في صحتنا النفسية والعاطفية بشكل عام. نحن بالفعل صنَّاع مصيرنا، وأفكارنا هي الأدوات التي نبني بها مستقبلنا.
من المهم جداً متابعة فوائد الذكاء الاصطناعي للسفر مع اختصاصية نفسية.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.