تُعد مشكلات قلة التركيز وكثرة التشتت إحدى أكثر المشكلات شيوعاً التي يعاني منها كثير من الشباب خاصة الطلاب؛ فهناك العديد من المهام المعقدة التي تتطلب مستوًى عاليًا من التركيز خلال الدراسة أو العمل أو في أثناء ممارسة التمارين البدنية المكثفة، أوالقراءة، أو حتى شيء بسيط نسبي مثل متابعة محادثة مع الأصدقاء، على الرغم من أننا غالباً ما نجد أنفسنا، لأسباب مختلفة، غير قادرين على التركيز بشكل واضح. بالسياق التالي "سيدتي" التقت لبنى ناجي البنا استشارية تنمية بشرية وخبيرة دعم ذاتي، في حديث حول كيفية التغلب على التشتت الذهني واستعادة التركيز.
التركيز قدرة عقلية
تقول لبنى ناجي لـ"سيدتي": "مفهوم التركيز الذهني ليس جديداً أو غير معروف، فجميعنا نستخدم هذا المصطلح بحياتنا العادية وحتى اليومية، ونحن نعرف ما يشير إليه، من ناحية الانتباه الجيد والمقدرة على رصد ما يتم عرضه أمامنا من معلومات وبيانات والعمل على تذكرها واستدعائها وقت الحاجة؛ فجميعنا يمتلك هذه القدرة بدرجة أكبر أو أقل، فالتركيز وهو عكس التشتت يُفهم على أنه قدرة الإنسان على الانتباه وتحفيز موارده المعرفية للاهتمام بعناصر محددة، وذلك بناءً على المعلومات التي احتفظ بها في ذاكرته واستطاع بلورتها واستدعاءها؛ لكي يقوم بمهمة معينة ويعمد لتنفيذها بنجاح، على أن هذه المهارة لها علاقة كبيرة بدرجة التحفيز حيث يبدو التحفيز أكبر بكثير عندما يكون هناك محفز يدفعنا لذلك. كذلك فهناك عناصر مختلفة تتسبب لنا في التشتت الذهني وقلة التركيز والإخفاق في الأداء والمهام اليومية.
مشكلات قلة التركيز
في أكثر من مناسبة قد لا نكون قادرين على الحفاظ على انتباهنا أو استثمار ما يكفي من الموارد العقلية؛ لنصل إلى درجة الانتباه الكاملة على شيء ما، ما يؤدي إلى نقص التركيز. قد لا يبدو هذا للوهلة الأولى خطيراً بشكل خاص؛ فهو يحدث في أوقات قليلة بالحياة، إلا أنه يمكن أن يمثل مشكلة كبيرة، وقد يعوقنا عن تنفيذ المهام التي نُكلف بها بفعالية وكفاءة، وقد يكون لقلة التركيز تداعيات خطيرة في مجالات مختلفة.
توضح لبنى: إذا تحدثنا مثلاً على المستوى الأكاديمي أو العملي؛ فقدرتنا على التركيز تتيح لنا تنفيذ المهام المطلوبة منا بدقة وجودة عالية حيث سنقوم بتسجيل ما يتعين علينا القيام به أو الاحتفاظ به في الذاكرة بشكل صحيح. في حين أن عدم القدرة على التركيز بشكل صحيح سيعني أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت للقيام بكل إجراء، أو حتى أننا لن نكون قادرين على القيام به في الوقت المحدد، وهو أمر شائع جداً وينتج عنه ضعف الأداء.
في الحالات الأكثر تطرفاً، عندما لا يكون الشخص قادراً على التركيز على الإطلاق لفترة طويلة:
- فعلى المستوى العملي، قد يؤدي ذلك إلى الفشل في المدرسة، أو الصراعات في العمل، أو في الحالات القصوى الفصل والاستبعاد.
- على المستوى الشخصي، يؤدي عدم التركيز إلى قلة الرغبة في التصرف. فإذا أردنا أن نفعل شيئاً ما ووجدنا أننا في أقل فرصة نفقد الخيط؛ فسينتهي بنا الأمر بالإحباط ونتركه لوقت آخر.
- بالعلاقات الاجتماعية، يمكن أن يسبب أيضاً عدم التركيز بعض الصعوبات، فإذا انقطعنا عن المحادثات التي نجريها مع شخص ما قريب لنا؛ فقد يتبادر إليه انطباع بأننا لا نريد أو غير مهتمين بالتفاعل؛ الأمر الذي يمكن أن يولد الانزعاج والقلق أو حتى الصراعات.
تؤكد لبنى أننا يجب ألَّا نقلق؛ فليس هناك حاجة لأخذ الأمور إلى أقصى الحدود، فغالباً ما نمر جميعاً بلحظة ما من عدم التركيز، وعلى الرغم من أن معظمنا يختبر هذا الأمر بوصفه شيئًا سلبيًّا؛ فإنه في ظل ظروف معينة قد يكون قابلاً للتكيف حيث يخبرنا إدراكنا أنه لدينا شيء يقلقنا أكثر في تلك اللحظة، أو أن درجة انتباهنا منخفضة ونحتاج إلى الراحة.
قد ترغبين في التعرف إلى: كيفية التعامل مع ضغوط العمل والدراسة وتحقيق التوازن
الأسباب المحتملة لمشكلات التركيز
- وجود المشتتات التي تتداخل مع أداءاتنا، والتي تجذب انتباهنا وتأخذنا بعيداً.
- القيام بشيئين أو أكثر في الوقت نفسه يكرس التشتت الذهني ويقلل التركيز، يقول المثل "صاحب بالين كذاب وصاحب ثلاثة منافق" فالتركيز على شيء واحد قد يتطلب توجيه الكثير من انتباهنا إليه، بينما القيام بعدد من المهام بالوقت ذاته يكون مشتتاً للانتباه.
- الهموم والأفكار، فأحد أكثر عوامل التشتيت شيوعاً التي تضر عادة بتركيزنا هو وجود أفكار أو مخاوف تستحوذ على انتباهنا وتجعل من الصعب إبقاء انتباهنا مركزاً على شيء ما.
- التعب، وهو أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لقلة التركيز.
- تثبيط الطاقة، إذا فعلنا شيئاً لا نحبه؛ فسيكون من الصعب الاستمرار في التركيز فيه.
- إذا شعرنا بتوعك، أو شعرنا بالتوتر أو الانزعاج؛ فقد يكون التركيز المستمر أمراً معقداً.
ويمكنك من السياق التالي التعرف إلى: كيفية طرد الأفكار السلبية للتخلص من القلق
بعض الطرق للمساعدة في زيادة التركيز والتغلب على التشتت الذهني
ممارسة التمارين البدنية
تقول لبنى: تساهم التمارين الرياضية المنتظمة بشكل كبير في تحسين القدرة على التركيز، بالإضافة إلى حرق الطاقة والسماح بإفراز هرمون الإندورفين الذي سيجعلنا نشعر بالتحسن.
الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم
ذكرنا آنفاً أن التعب هو أحد العوامل التي تسبب عدم التركيز في المهام، ولذلك من الضروري أن ننام ونرتاح بما فيه الكفاية؛ حتى نتمكن من استعادة طاقتنا ونشاطنا
الانفصال عن المهام وتخصيص بعض الوقت لنفسك
يجب ألَّا نكون دائماً تحت ضغط؛ فلا بُدَّ من الانفصال بين الحين والآخر عن واجباتك أو عملك أو دراستك، حيث تخصص وقتاً للنفس بعيداً عن المهام المطلوبة اليومية؛ ما يجعلك تستعيد الطاقة، ومن ثَم التركيز.
لا تُحِطْ نفسك بالمشتتات
الهاتف الخلوي، والكمبيوتر، والتلفزيون، والأشخاص الذين يتحدثون من حولنا من أهم أسباب التشتت الذهني وقلة التركيز. إذا كانت لدينا قدرة جيدة على التركيز؛ فقد لا يزعجوننا، لكن معظم الناس سيرون كيف يتم جذب انتباههم بواسطة هذه الأشياء؛ فهي من أكثر المشتتات تأثيراً.
ابحث عن الدافع في ما تفعله
إن تحديد الأهداف التي تحفزنا حقاً وربطها بما نقوم به يجعل من السهل الاستمرار في التركيز. إذا كان ما نقوم به لا يحفزنا؛ فيمكننا أن نحاول إعطاءه معنى من خلال ربطه بحياتنا اليومية أو ترسيخه بوصفه خطوة ضرورية لتحقيق الهدف المذكور.
مارس التأمل
لقد ثبت أن التأمل فعَّال في تحفيز القدرة على الانتباه، بالإضافة إلى كونه ممارسة تسمح لنا بالاسترخاء وتصور الأشياء بطريقة أكثر موضوعية.
اعمد لمهمة واحدة
إن الاهتمام بعدة أشياء يجعل من الصعب الوصول للتركيز الكامل، ولذلك فأن تنظم وتكرس نفسك لمهمة واحدة يجعل من السهل الاستمرار في التركيز على ما نقوم به.
إنشاء جدول زمني
إحدى الطرق لتعزيز التركيز وتقليل التشتت، فضلاً عن القدرة على الانضباط، هي وضع مخطط زمني يأخذ في الاعتبار ما سنفعله. في هذا التخطيط يجب علينا أن ندمج ليس فقط ما يتعين علينا القيام به، ولكن أيضاً فترات الراحة. الآن، من المهم أن يكون التخطيط واقعياً، وإلا فإنه قد يؤدي إلى تثبيط الهمم.
وإذا تابعت السياق التالي ستتعرفين إلى: 7 نصائح لتحسين مقدرتك الذهنية
