السفر يفعِّل قدرة العقل على التكيُّف مع التغييرات والمواقف

يحفّز السفر التفكير الإبداعي بتوفير منظورات جديدة
يحفّز السفر التفكير الإبداعي بتوفير منظورات جديدة

بدأ علماءُ النفسِ والأعصابِ، في الأعوامِ الأخيرةِ، بدراسةِ تأثيرِ السفرِ في القدرة المعرفيَّة والإدراكيَّة والإبداعيَّة، وتوصَّلوا إلى أن قضاءَ وقتٍ طويلٍ في أماكنَ مختلفةٍ، يُحدِثُ تغييراً في عقليَّة الشخص، وإدراكه، وهو ما أكَّدته لنا أيضاً الاختصاصيَّةُ النفسيَّةُ زينة بو درغم، من مركز Brainstation clinics، مبينةً أبرزَ تأثيراتِ السفرِ علينا في حديثها لـ «سيدتي».

الاختصاصية النفسية زينة بو درغم. تصوير سمر شبّاني

من طرق العلاج البديلة الفاعلة

يعدُّ السفرُ نوعاً من أنواعِ العلاجِ البديلةِ الفاعلة، ولا تقتصرُ فوائده على الترفيه، وتخفيفِ توتُّرِ وضغوطِ العمل فقط، فهناك أيضاً فوائدُ صحيَّةٌ مهمَّةٌ، تعودُ على الجسمِ بشكلٍ عامٍّ، والدماغِ خاصَّةً، فالسفرُ يحفِّزُ الدماغَ عبر التعرُّفِ على أماكنَ مختلفةٍ، وأشخاصٍ جددٍ، ويدرِّبُ التفكيرَ على المرونة، ويزوِّده بخبراتٍ جديدةٍ، كما أنه من أفضلِ طرقِ خفضِ التوتُّر، وتخفيفِ الاكتئاب، وتحسينِ المزاج.

القدرة المعرفيَّة والإدراكيَّة

خلال السفرِ، يتعرَّضُ المرءُ إلى أصواتٍ جديدةٍ، وروائحَ مختلفةٍ، ولغاتٍ متباينةٍ، وكثيرٍ من الأذواقِ والأحاسيسِ المتفاوتة التي تثيرُ نقاطَ الاشتباك العصبي في خلايا المخ، ما يؤدي إلى زيادةِ مرونته الإدراكيَّة، وتعزيزِ قدرته المعرفيَّة، بالتالي تنشيط العقل.

وحول فوائدِ السفرِ على الصحَّةِ العقليَّة، وكيف يمكن أن يؤثِّرَ في القدرةِ على التفكيرِ الإبداعي وحلِّ المشكلات، أوضحت زينة بو درغم، أن «تجربة أشياءَ جديدةٍ، وتعلُّمَ ثقافاتٍ مختلفةٍ، يحفِّزان النشاطَ العقلي، ويساعدان في التعلُّمِ والنموِّ الشخصي، أي يمكن أن يكون السفرُ فرصةً للتعلُّمِ واكتسابِ مهاراتٍ جديدةٍ بالتفاعلِ مع ثقافاتٍ مختلفةٍ، والتعرُّفِ على تاريخِ هذه الشعوبِ وعاداتها، وهذا يعزِّزُ القدرةَ الدماغيَّة عبر الفضولِ والاستكشاف».

وقالت: «يحفِّزُ السفرُ أيضاً التفكيرَ الإبداعي بتوفيرِ منظوراتٍ جديدةٍ، وحلولٍ مبتكرةٍ لمواجهةِ التحدِّيات من خلال التكيُّفِ مع بيئاتٍ مغايرةٍ، والتعاملِ مع عوائقَ غير مألوفةٍ، ما يعزِّزُ مرونةَ العقل».

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

السفر يساعد في التجديد الذهني وتعزيز السعادة

أمَّا عن الطرقِ التي يمكن أن يحسِّن بها السفرُ الصحَّة النفسيَّة، فذكرت الاختصاصيَّةُ، أن «السفرَ يخلقُ فرصاً للاسترخاءِ وقضاءِ وقتِ راحةٍ بعيداً عن التعبِ، والعملِ، والعائلة، ويساعدُ في التجديدِ الذهني، الأمرُ الذي يقلِّلُ من مستوياتِ التوتُّرِ، ويزيدُ من درجةِ السعادة، وبهذه الحالة، يساعدُ السفرُ في التخلُّصِ من روتين الحياةِ اليوميَّة، وتجربةِ أنشطةٍ جديدةٍ واسترخائيَّةٍ». مضيفةً: «من النقاطِ المهمَّةِ، أن الفردَ عندما يسافرُ بمفرده، أو يواجه تحدِّياتٍ جديدةً خارج بيئته المألوفةِ التي تعوَّد عليها، يتعزَّزُ لديه الشعورُ بالاستقلاليَّة، ويصبح أكثر قدرةً على التكيُّفِ في أماكنَ جديدةٍ، والتعامل مع شعبٍ غريبٍ، ومفاهيمَ مختلفةٍ، وهذا يساعده في تعلُّمِ كيفيَّةِ التحكُّمِ في المواقفِ غير المألوفةِ، والتجاوبِ معها بثقةٍ».

سألناها أيضاً عن زيادةِ السفرِ من مرونةِ العقل، وتحدِّي المعتقداتِ السلبيَّةِ والتكيُّفِ مع التغييرات، فأجابت: «يمكن أن يكون السفرُ، من الناحيةِ العلميَّة، فرصةً لتحدِّي المعتقداتِ السلبيَّة، أو النمطيَّة السابقة التي قد يحملها الفردُ. على سبيل المثال، إذا كانت لديه معتقداتٌ بأن الناسَ في هذا البلدِ، لا يمكن التعاملُ معهم، فقد يجدُ الشخصُ نفسه، يتفاعلُ بشكلٍ إيجابي مع السكانِ المحليين، ويغيِّرُ هذه الاعتقاداتِ والأفكارِ السلبيَّة. وكما ذكرنا سابقاً، يفعِّلُ السفرُ قدرةَ العقلِ على التكيُّفِ مع التغييراتِ والمواقفِ المختلفة».

قد يهمك الاطلاع الى نصائح للوقاية من الخرف وأمراض الشيخوخة الأخرى.

الذاكرة وقدرة التركيز

وتطرَّقت زينة بو درغم إلى التأثيرِ الإيجابي للسفرِ على الذاكرةِ وقدرةِ التركيزِ بالقول: «يوفرُ السفرُ تحدِّياتٍ جديدةً للعقل، ما يعزِّزُ الذاكرةَ، وقدرةَ التركيز، ويسهمُ في استكشافِ أماكنَ جديدةٍ، وثقافاتٍ مختلفةٍ، وهذا يؤثِّرُ إيجاباً في الدماغِ بتغييرِ طريقةِ التفكير وتطويرها، ويعزِّزُ أيضاً التعلُّمَ والتذكُّرَ بمواجهةِ المعلوماتِ الجديدة، وتجاربِ السفر».

وأضافت: «يتطلَّبُ السفرُ كثيراً من التركيز، خاصَّةً عند التخطيطِ للرحلة، واستكشافِ المكان، والتفاعلِ مع الثقافاتِ الجديدة، وهذا يعزِّزُ القدرةَ على التركيز، ويزيدُ الانتباه، فعندما نكون في مواقعَ جديدةٍ، تقوم ذاكرتنا بتسجيلِ وحفظِ المعلومات مثل الأماكنِ والأشخاص، وهذا يحفِّزُ الذاكرةَ قصيرةَ المدى، وبعد أن يعودَ الشخصُ من الرحلةِ، يتمُّ تفعيلُ الذاكرةِ لاستعادةِ تفاصيلِ الرحلة، والتجاربِ المميَّزةِ فيها، وهذا يساعدُ في تقويةِ الذاكرةِ طويلة المدى».

وذكرت الاختصاصيَّةُ، أن «السفر يعزِّزُ الإيجابيَّةَ والتفاؤلَ في الحياة، إذ يقدِّمُ تجاربَ، تزيدُ التفاؤلَ والرضا، كما أن الابتعادَ عن الروتين اليومي، وزيارةَ أماكنَ جديدةٍ، يسهمان في الاسترخاءِ، وتجديدِ الحياة، لا سيما عند الاستمتاعِ بالمناظرِ الطبيعيَّة الجميلة، أو القيامِ بأنشطةٍ ترفيهيَّةٍ مختلفةٍ، وخوض تجاربَ ممتعةٍ».

وفيما يخصُّ تأثيره في الصحَّةِ الجسديَّة، أوضحت، أن «السفر، يشجِّعُ على ممارسةِ الأنشطةِ البدنيَّة مثل المشي، والتجوُّلِ للاستكشافِ وقضاءِ وقتٍ ممتعٍ، ما يعزِّزُ اللياقةَ البدنيَّة، ويحسِّنُ الصحَّة، بالتالي يمكن للسفرِ تقليلُ مستوياتِ التوتُّرِ والضغطِ النفسي الذي قد يعاني منه الشخصُ مثل ضغطِ العمل، والضغوطِ اليوميَّة والمسؤوليات، الأمرُ الذي يعودُ إيجاباً على الصحَّة القلبيَّة. هذا وتُظهِرُ بعض البحوثِ، أن السفرَ يشجِّعُ على القيامِ بحركةٍ أكبر، ويحفزُ الدورةَ الدمويَّة، ما يسهمُ في صحَّة القلبِ والأوعيةِ الدمويَّة».

وأفادت بأن «التنوُّع الواسع للوجهاتِ والمعالمِ السياحيَّةِ المحتملةِ حول العالم، يُترجمُ إلى عديدٍ من الفرصِ لدمج علاجاتٍ لحالاتِ الصحَّةِ العقليَّة كالخرف. على سبيل المثال، الدخولُ في بيئةٍ جديدةٍ، والحصولُ على تجاربَ مختلفةٍ، يسهِّلان التحفيزَ المعرفي والحسِّي، ويجعلان العقل مرناً. الذهابُ والعيشُ في مكانٍ، تشعرُ فيه بالراحة، يمكن أن يساعدَ في التقويةِ الذهنيَّة والعاطفيَّة، ويزيدَ القدرةَ على مواجهةِ الصعوباتِ في بيئةٍ غير مألوفةٍ، وبين أشخاصٍ جددٍ، ويجبرك على التعلُّمِ والتكيُّفِ مع حياةٍ خارج منطقةِ الراحةِ الخاصَّة بك، وهذا يجعلك أكثر مرونةً وصبراً وقوَّةً عاطفياً، وبغضِّ النظرِ عن أهميَّةِ أي موقفٍ، تقومُ به أثناء السفر، فإنَّ حقيقةَ، أن لديك تجربةً في الخارج شيءٌ خارجٌ عن المألوف، بحدِّ ذاته، ويخلقُ ذاكرةً، ستبقى فترةً طويلةً».

واختتمت زينة حديثها بالقول: «إحدى فوائدِ السفرِ إلى مكانٍ جديدٍ، هو أنه يجبرك على مواجهةِ المجهول، والتفكيرِ بشكلٍ مختلفٍ. أنت لا تحتاجُ إلى الذهابِ لقضاء شهرٍ في الغابة، فإذا كنت تعيشُ في مدينةٍ كبيرةٍ، فإن المشي في عطلاتِ نهايةِ الأسبوع، سيجعلك تشعرُ بأنك مختلفٌ. تحتاجُ المغامراتُ إلى أن تكون أكثر حداثةً، لذا اخرج من منطقةِ راحتك. نعم، قد يكون الأمرُ مخيفاً، لكنْ في وقتٍ لاحقٍ، سترى أنه أفضل قرارٍ اتَّخذته على الإطلاق، فالسفر يعدُّ من أحسن الوسائلِ للترفيه عن النفس، فهو من الأمورِ الممتعةِ، وعلاجٌ نفسي للتعبِ والإرهاقِ والتوتُّر، كما أنه يبعثُ السعادةَ في النفس، ويتيحُ لنا اكتشافَ أماكنَ وثقافاتٍ مختلفةٍ، ويعملُ على تعزيزِ الصحَّةِ العقليَّة، ويزيدُ القدرةَ على الإبداع».

من الهم جداً التعرّف الى فوائد رياضة تسلق الجبال للصحة لا يمكن توقعها.
*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.