الفيبروميالجيا.. جذوره نفسية وأهمية العلاج في التخفيف من الأعراض

امرأة في عيادة الطبيب تعاني من آلام الجسم المستمرة
امرأة في عيادة الطبيب تعاني من آلام الجسم المستمرة

الفيبروميالجيا (Fibromyalgia) هي متلازمة مزمنة تسبب ألماً واسع الانتشار في العضلات والمفاصل، إضافة إلى التعب ومشاكل النوم والذاكرة. ورغم أن السبب الدقيق لهذه الحالة غير معروف تماماً، إلا أن الأبحاث تشير إلى وجود ارتباط وثيق بين الفيبروميالجيا والصحة النفسية؛ حيث يلعب التوتر والقلق والصدمات النفسية دوراً أساسياً في ظهور الأعراض واستمرارها.
الاختصاصية في علم النفس فانيسا حداد، تطلع قراء وقارئات "سيّدتي" على الجذور النفسية للفيبروميالجيا، وكيف يمكن للعلاج النفسي أن يساعد في تحسين جودة حياة المرضى.

اختصاصية علم النفس فانيسا حداد

العلاقة بين الفيبروميالجيا والصحة النفسية

تعتبر الفيبروميالجيا من الحالات التي يطلق عليها اسم "الاضطرابات الجسدية النفسية (Psychosomatic Disorders)"، حيث يكون للأسباب النفسية تأثير كبير على ظهور الأعراض الجسدية. وتشير الدراسات إلى أن المرضى الذين يعانون من الفيبروميالجيا غالباً ما يكون لديهم تاريخ من القلق، أو الاكتئاب، أو الصدمات العاطفية، مما يدل على وجود علاقة قوية بين العقل والجسد في هذه الحالة.

التوتر والقلق المزمن

يؤدي التعرض المستمر للضغوط النفسية إلى زيادة مستويات هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول والأدرينالين، مما يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي المركزي. وبمرور الوقت، تؤدي هذه الاستثارة المستمرة إلى حساسية مفرطة في الجهاز العصبي، مما يجعل الجسم يشعر بالألم بشكل مبالغ فيه حتى عند التعرض لمنبهات غير مؤلمة.

الصدمات النفسية والاضطرابات العاطفية

وجد العديد من الدراسات أن نسبة كبيرة من مرضى الفيبروميالجيا تعرضوا لصدمات نفسية في مرحلة الطفولة أو خلال حياتهم، مثل فقدان شخص عزيز، أو التعرض للإيذاء العاطفي أو الجسدي. هذه الصدمات تؤدي إلى تغييرات في كيمياء الدماغ والجهاز العصبي، مما يساهم في نشوء الأعراض الجسدية المرتبطة بالمرض.

الاكتئاب واضطرابات النوم

الاكتئاب قد يؤدي إلى الفيبروميالجيا


الفيبروميالجيا والاكتئاب يرتبطان بعلاقة متبادلة؛ حيث يؤدي الألم المزمن إلى زيادة مشاعر الإحباط واليأس، بينما يزيد الاكتئاب من حساسية الألم. بالإضافة إلى ذلك، يعاني معظم مرضى الفيبروميالجيا من اضطرابات النوم، والتي تزيد من تفاقم الأعراض، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الألم والتعب والإنهاك النفسي.

الجذور النفسية للفيبروميالجيا: لماذا يُصاب البعض بها؟

يعتقد بعض الباحثين أن الفيبروميالجيا قد تكون نتيجة لآليات دفاع نفسية غير واعية يستخدمها العقل لحماية الشخص من المشاعر السلبية غير المعالجة. عندما يواجه الشخص مشاعر قوية مثل الغضب، أو الحزن، أو الخوف، ويجد صعوبة في التعبير عنها، قد يعيد العقل توجيه هذه المشاعر إلى الجسم على شكل أعراض جسدية.
كما أن بعض النظريات النفسية، مثل نظرية "البرمجة اللغوية العصبية" (NLP)، تشير إلى أن المعتقدات العميقة والتجارب الماضية قد تبرمج العقل على إدراك الألم بشكل مستمر حتى بعد زوال السبب الجسدي.
قد يهمك الإطلاع على هكذا نتخلص من المشاعر السلبية ونصبح أكثر سعادة وَفق علم النفس

كيف يمكن للعلاج النفسي أن يساعد في التخفيف من أعراض الفيبروميالجيا؟

رغم أن الفيبروميالجيا ليست مرضاً نفسياً بحتاً، إلا أن العلاج النفسي يمكن أن يكون فعالاً جداً في إدارة الأعراض وتقليل الألم المزمن. ومن العلاجات المستخدمة نذكر الآتي:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يساعد العلاج السلوكي المعرفي في تغيير أنماط التفكير السلبية المتعلقة بالألم والمرض، كما يساعد المريض على تطوير مهارات التأقلم مع الأعراض الجسدية والحد من التوتر والقلق.

تقنيات البرمجة اللغوية العصبية (NLP)

يمكن للبرمجة اللغوية العصبية أن تساعد في إعادة برمجة العقل للتعامل مع الألم بطريقة مختلفة، من خلال تغيير المعتقدات المرتبطة بالألم واستخدام تقنيات الاسترخاء والتصور الذهني.
ربما تهمك مطالعة تجربتي في الانتصار على الفيبروميالجيا.. في يومها العالمي

العلاج بالتنويم الإيحائي

التنويم الإيحائي يمكن أن يكون مفيداً في تخفيف الألم المزمن عن طريق الوصول إلى العقل اللاواعي وإعادة برمجته للاستجابة للألم بطريقة أقل حدة.

التأمل وتمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness)

تساعد تمارين التأمل واليقظة الذهنية على تقليل استجابة الجسم للتوتر، مما يقلل من تفاقم الأعراض ويعزز الشعور بالراحة النفسية.

العلاج النفسي العميق والتعامل مع الصدمات

في بعض الحالات، يمكن أن يساعد العلاج النفسي العميق، مثل العلاج التحليلي أو العلاج بالصدمات العاطفية (EMDR)، في معالجة الجذور العاطفية للمرض، مما يؤدي إلى تخفيف الأعراض الجسدية بشكل ملحوظ.

الفيبروميالجيا: خاتمة

الفيبروميالجيا ليست مجرد حالة جسدية، بل هي مزيج معقد من العوامل الجسدية والنفسية التي تؤثر على صحة المريض. وبينما لا يوجد علاج نهائي للمرض حتى الآن، يمكن للعلاج النفسي أن يكون أداة قوية في مساعدة المرضى على فهم جذور مرضهم، والتعامل معه بطرق أكثر فعالية، وتحسين نوعية حياتهم. إن تعزيز الصحة النفسية، وتقليل التوتر، ومعالجة الصدمات القديمة، قد يكون المفتاح الحقيقي للتخفيف من الأعراض والعيش بحياة أكثر راحة وسعادة.


*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.