فضيحة من نوع جديد غيرمسبوق، هزّت فرنسا هذه الأيّام، وأثارت جدلاً واسعاً ولغطاً كبيراً، فقد استضافت الصحافيّة «مايتنا بيرادن» في برنامجها الأسبوعي «الملحق» الذّي يبثّ كل يوم أحد في قناة «كنال بلوس» وزيرة الثقافة «فلور بلّران»، وكان الحديث بينهما حديثاً ذا شجون إلى أن تطرّق إلى الروائي الفرنسي «أندريك مودينانو» الحائز منذ أسابيع قليلة على جائزة «نوبل» للأدب 2014، فسألت الصحافيّة الوزيرة في سياق الحديث: «ما هو كتابك المفضّل لباتدريك مودينانو؟». فهمهمت الوزيرة برهة ثمّ ردّت بكلّ تلقائيّة قائلة إن مشاغلها الكثيرة لم تترك لها وقتاً كافياً لمطالعة الكتب، وإنّ قراءتها للمذكّرات الإداريّة والتقارير والقوانين وبرقيات الأخبار لم تترك لها فرصة لمطالعة الكتب منذ عامين ونصف العام، أي منذ تعيينها وزيرة في ربيع 2012 إثر فوز فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسيّة، وقد تقلّدت وزارة التجارة الخارجيّة، ثم في شهر أغسطس تمّ تعيينها وزيرة للثقافة.
زوبعة
وإثر هذا التصريح قامت فرنسا ولم تقعد، ولم يدر بخلد الوزيرة ساعة إعلانها بتلقائيّة في قناة تلفزيونيّة أنّها لم تعد تجد الوقت الكافي لمطالعة الكتب أنّ كلامها هذا سيثير حولها زوبعة في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ولدى الرأي العام، وفعلاً فقد انهال عليها سيل من اللوم والتقريع والنقد اللاذع، وقامت حملة ضدّها كادت تعصف بها، ولم يتوان الكثير من الفرنسيّين في نعتها بـ«وزيرة الجهل»، وتجاوزت القضية فرنسا ليصل صداها إلى إنجلترا وإسبانيا، وقد تمّ وصف الوزيرة بأنّها «عار»على فرنسا.
جرم لا يغتفر
ولأنّ الوزيرة هي من أصل آسيوي، وتحديداً من كوريا الجنوبيّة، فقد زادت الحملة ضدّها شراسة، ولم يقبل الرأي العام أن وزيرة الثقافة في فرنسا التي نال 15 من أدبائها جائزة «نوبل» تعترف على الملأ بأنّها لا تطالع الكتب، وعجزت عن ذكر ولو عنواناً واحداً لرواية من روايات «باتريك مودينانو» الفائز بالجائزة الشهيرة منذ أسابيع قليلة، ورأى الكثيرون أنّ هذا جرم لا يغتفر، وتهكّم عليها البعض بالقول إنها «تكنقراط» قادرة على تسيير شركة سكك الحديد مثلاً، وأنها جاءت لوزارة الثقافة من باب الصدفة، ونصحها البعض بالاستقالة؛ لعلّها آنذاك تجد الوقت اللازم لمطالعة الكتب، وذهب آخرون لحدّ القول إنّ العيب ليس فيها، بل في الرئيس فرانسوا هولاند الذي اختارها واصطفاها لهذا المنصب الهام، فوزارة الثقافة تعتبر في فرنسا وزارة هامّة، ولها مكانة خاصّة، وقد اضطلع بها، على سبيل المثال، الأديب الكبير «أندريه مالرو» في عهد الجنرال ديغول.
المدافعون عن الوزيرة
وإذا كان العدد الأكبر انتقد الوزيرة نقداً لاذعاً فهناك قلّة دافعت عنها، ورأوا أنها كانت صريحة وتلقائية، وأن عملها كوزيرة لا يترك لها فعلاً الكثير من الوقت للمطالعة، وأن المهم هو عملها وليس مطالعتها، ثمّ إنّ الأديب الفرنسي الفائز بجائزة نوبل 2014 هو روائي نخبوي، حتى إن معلقاً قال إن المفاجأة عنده ليست في عدم مطالعة الوزيرة لرواية من روايات «باتريك مونديانو»، بل المفاجأة عنده هو فوز هذا الروائي بجائزة نوبل.
والجدير بالذكر أن وزيرة الثقافة الفرنسيّة، وهي اليوم في الواحدة والأربعين، اسمها الأصلي هو كيم جونغ سوك (ومعناه المرأة الكاملة والمثالية)، وقد ولدت بـ«سيول»، وأنها وجدت بعد ثلاثة أيام من ولادتها ملقية في أحد شوارع المدينة، وتم إيداعها في دار للأيتام، وقد تبنتها –وعمرها ستة أشهر- عائلة فرنسية ميسورة، وكانت لامعة في كل مراحل دراستها، ومن الاوائل دائماً، وأنها لم تزر أبداً كوريا إلا بعد أن أصبحت وزيرة، وقد أعلنت –وهي اليوم متزوجة وأم لبنت- أنها لا تعتزم البحث عن والديها، مؤكدة أن قصتها كانت في الآن نفسه عائقاً ودافعاً لها في نفس الوقت.