هل فعلاً يبدع الكتاب الكبار الأعمال الخالدة في لحظات اللاوعي؟ أو في حالة شعورية غير عادية، ينقطعون فيها عن الواقع ويبحرون فيها بعيداً عن زمنهم؟.. فهل كان سر اختفاء أغاتا كريستي طيلة11 يوماً، الذي بقي لغزاً محيراً للقراء وذكرى أليمة لعائلتها، كان سببه تحضيرها لقصة جديدة فضلت أن تعيشها، كونها اشتهرت بتقمص العديد من شخصيات بطلات رواياتها البوليسية؟ أم أن ذلك فعلاً كان انتقاماً من زوجها وجاء طوعياً.. أم أن ملكة الجريمة لم يعثر لها على أثر بسبب فقدان الذاكرة أو إقدامها على محاولة الانتحار؟
شجار عنيف أدى في البداية بالمحقق الرئيسي في قضية اختفاء أعظم مؤلفة روايات جرائم في التاريخ، لتوجيه أصابع الاتهام اللاذعة إلى الزوج الذي أشيع أنه خانها مع امرأة أخرى. وذكر أنه مباشرة عقب حادثة اختفائها المفاجئ، وجد أحد الأشخاص السيارة التي كانت تستقلها وقد تعرضت للانزلاق في منحدر وغطتها الأحراش، وعثر بداخلها على معطف وحقيبة يوجد بها بعض الملابس، إلى جانب رخصة قيادة أغاتا المنتهية الصلاحية.
تأكد المحقق بعد ذلك من عدم وجود أي آثار اقتحام قسري أو صراع قد نشب بين الضحية والجاني، لكن بقي احتمال إقدام أحدهم على دفع السيارة من أعلى التل قائماً. وقامت الشرطة بنشر أوصاف الكاتبة المفقودة وملابسها وخاتمها. واتصل رجل من منطقة أخرى ليؤكد أنه التقى امرأة صباحاً تحمل هذه المواصفات، وطلبت منه مساعدتها لتشغيل محرك السيارة، ثم شكرته وغادرت. وبالموازاة مع ذلك تبين أن الزوج كان على علاقة مع شابة اسمها «نانسي نيل» تقطن مسكناً قريباً من مكان اختفاء أجاتا، حيث طرح احتمال أنه نشب بين الزوجة المخدوعة وقرينها شجار عنيف و استفزها بإعلانه، أنه سيزور عشيقته نانسي، فلحقت به وحدث ما حدث، وأمام هذه الشكوك المريبة جزم الزوج بأن زوجته فقدت ذاكرتها.
وفي خضم استمرار لغز الاختفاء وظنون حدوث جريمة، أثيرت حلول عديدة للقصة البوليسية الحقيقية، التي كانت بطلتها أجاتا، لكن في الحقيقة وليس على الورق ونشر عبر الصحف وأثير داخل المجالس في إنكلترا، وهناك من كتب احتمالات أو طرح ظنوناً من بينها، أنه ربما قتلها زوجها الخائن، أو تعرضت الروائية لحادث تسبب في فقدانها للذاكرة أثر اصطدام سيارتها بشيء صلب، ومما تم تداوله أنها أغرقت نفسها في ينبوع ماء مجاور، وهناك من وصل إلى قناعة أن لعبة التخفي لا تتعدى خدعة ذكية منها، ودعاية ضخمة لأحدث كتبها، أو لتلقين زوجها المتمرد درساً لن ينساه، ويقال أنه بعد 11 يوماً من اختفائها، أخطر عازف آلة البانجو «بوب تابين» الشرطة بوجود أجاتا كريستي، داخل أحد فنادق مدينة «هاروغيت» الكائن في مقاطعة يوركشاير، حيث تم استدعاء زوجها ليتسلمها. وعندما وصل إلى الفندق رفضت استقباله مباشرة واستغرقت ساعة كاملة لارتداء ملابسها.
عاشقة التفاح
بعد تشخيص الأطباء لحالتها اعتقدوا أنها أصيبت بحالة من الشرود الذهني، المتمثل في غيبوبة نفسية ناتجة عن حالة إجهاد ذهني، لكن وبالمقابل هناك من روج إلى وجه آخر لحالة الاختفاء، حيث قيل أن أحد أهم كاتبات القصة البوليسية في العالم اعتلت الطابق العلوي، ثم أوردت قبلة في جبين ابنتها النائمة وحملت حقيبتها، وأقلت سيارتها في منتصف ليلة من فصل شتاء بارد من شهر كانون الأول عام 1926، لتنسج ما يطلق عليه باللغز الأعظم، تماماً مثل أبطال قصتها الأشرار، لتعيش قصة اختفائها، التي بقيت لغزاً من دون حل حتى بعد وفاتها.
ورغم التبريرات غير المقنعة التي قدمتها المختفية، المتمثلة في ادعائها عدم تذكر أي جزئية ولا الأسباب التي دفعتها إلى المغادرة، عادت في النهاية لترجع قصة رحيلها الغامض، إلى حالة رؤيا عاشتها مدة 24 ساعة كاملة حيث قالت: «..كنت أجول هائمة في حلم، وبعد ذلك وجدت نفسي في هاروغيت كامرأة قانعة وسعيدة للغاية، معتقدة أنها قادمة من جنوب إفريقيا..».
الجدير بالإشارة فإن الكاتبة عاشقة فاكهة التفاح يتفق النقاد أن شخصيتها تنطبق تماماً على إحدى بطلات رواياتها «أريادني أوليفر»، صديقة هركول بوارو التي تساعده في حل قضاياه وتظهر في العديد من إبداعاتها، حيث تتقاطعان في حب وكره العديد من الأمور من بينها حب أكل التفاح.
يذكر أن أجاتا كريستي من مواليد 15 سبتمبر عام 1890، علماً بأنها نجحت في تسويق أزيد من مليار نسخة من رواياتها التي ترجمت لأكثر من 103 لغات.