لمناسبة اليوم الوطني السعودي سيف القرعاوي: أُحب أن أمثّل السعودية في كل مكان

سيف القرعاوي
سيف القرعاوي


رحَّالٌ سعودي، ومؤسِّس "سعودي نوماد"، وهي شركةٌ متخصِّصةٌ في رحلاتِ الترحال. يقولُ إنه في رحلةٍ غير منتهيةٍ؛ إذ إن حبَّه للاستكشافِ والسفرِ وعيشِ التجاربِ الجديدة، حمله من السعوديَّة إلى عديدٍ من دول العالم، منها: المغرب ومصر وبنغلادش وإندونيسيا والفلبين واليابان والصين والمكسيك وبيرو والأرجنتين. ولا ينسى الناسُ أبداً قصَّة رحلته إلى أثيوبيا، التي تزامنت مع اندلاعِ الصراعاتِ الداخليَّة في ذلك البلد؛ مما استوجبَ تدخُّل السفارةِ السعوديَّة لإخلائه من منطقةِ الصراع. وما نراه من صورٍ لرحلاتِ سيف القرعاوي "غير المخطَّط لها أحياناً" جزءٌ بسيطٌ جداً منها؛ لأنه لا يفضِّل استنفاد الوقتِ في التصوير؛ مما قد يسلبُ منه عيشَ لحظاتٍ مميَّزةٍ قد لا تتكرَّر، وِفق قوله.
اليوم، في مناسبة اليوم الوطني السعودي 94، يخبرنا سيف القرعاوي عن رحلته غير المنتهية، ضمن سلسلة حوارات ملهمة أجرتها «سيدتي» مع شخصيات شبابيَّةٍ سعوديَّةٍ متميِّزةٍ.

ساهمت في الإعداد: ولاء حداد

الشعور بالإنجاز

التواصل مع ثقافات مختلفة- الصورة من المصدر


حدِّثنا عن متعةِ أن يكون السفرُ السياحي والاستكشافي عملكَ في الحياة؟

لا أعُدُّ ما أفعله سفراً سياحياً. ما أفعله بعيدٌ كلّ البعد عن السياحة؛ فتركيزي لا ينصبُّ على جماليَّة المنطقةِ أو تاريخها أو مواقعها السياحيَّة؛ بل على الناسِ الموجودةِ فيها، وهذا تماماً طبيعةُ الرحلات التي أقومُ بها. بالنسبةِ لي، من الأشياءِ التي لا أحبُّها في الحياة، أن أقوم بعملٍ لا أرى أثره أمامي. مثلاً: في الشركاتِ الكبيرة، أنت جزءٌ صغيرٌ من منظومةٍ كبيرةٍ، وفعلياً لا يمكنك أن ترى أثراً مباشراً للعمل، عكسَ هذا العملِ ففي نهايةِ كلِّ رحلةٍ، أرى انطباعاتِ الناس، ليس فقط حول الدولةِ التي سافروا إليها؛ بل وفي طريقةِ السفر نفسها. ودائماً عندنا قصصُ نجاحٍ، ومن المتعبِ جداً أن تكون مسؤولاً عن مجموعةٍ من الأشخاص في دولةٍ ناميةٍ، لا تملك أحياناً مقوِّماتٍ وخدماتٍ متقدِّمةً، لكنَّه أيضاً ممتعٌ جداً ومُرضٍ للنفس؛ إذ أشعر بالإنجازِ مباشرةً أمامي.

زرتَ عديداً من الدولِ في العالم؛ أيُّ الدولِ والثقافاتِ، تركتْ أثراً كبيراً فيك؟

كلُّ دولةٍ تختلف عن غيرها، وكلُّ الدولِ تترك أثراً عندي. في السعودية، نحن والحمد لله، نعيشُ حالياً حياةً رائعةً، ولو ذهبنا لأوروبا، سنرى أن مقياسَ جودةِ الحياةِ عالٍ "لايف كواليتي". دائماً عندما أذهبُ إلى أيّة دولةٍ، أتذكَّر أساسياتِ الحياة. مثلاً: من المواقفِ التي حدثت معي في إندونيسيا، أنني عندما وصلتُ إلى قريةٍ صغيرةٍ في منطقةٍ نائيةٍ جداً، كنتُ جائعاً، وكلُّ المطاعمِ مقفلةٌ؛ فوجدتُ عربةَ طعامٍ في الشارع، تباعُ عليها أشياءُ سريعةٌ؛ فقلتُ للبائع: أعطني قطعتَين. ولم يكن هناك إلا واحدةٌ متبقيَّةٌ؛ فأخذتُها ورحت آكلُ بسرعةٍ؛ فقال لي: كُلها على مهلٍ لتشعرَ بالشبع. وعندها شعرتُ بصدمةٍ! وموقفٌ مثل هذا جعلني أشعرُ بتقديرٍ أكبر للحياةِ التي نعيشها هنا، ولو أننا شرحنا هذا الوضع لشخصٍ قبل 200 عامٍ، لقال إننا في الجنة.
كلُّ دولةٍ أزورها تؤثِّر بي بطريقةٍ ما، بعاداتِ أهلها وتقاليدهم. مثلاً: الدولُ اللاتينيَّة مشابهةٌ جداً للدولِ العربيَّة، في الثقافةِ، وفي الروابطِ الأسرية، و"الجمعات". كنت أشعرُ أن الروابطَ الأسريَّة والاجتماعيَّة، تمنعني، أو تقيِّدني أكثر من كونها "جمعةً حلوةً"، وأتعاملُ معها بوصفها أمراً مُسلَّماً به، أمَّا الآن فقد أصبحت أقدِّرها أكثر.
وبالحديث عن تقدير الحياة في السعودية، اقرأوا هذا المقال: العطاء والأمان سر سعادة السعوديين

رحلة غير منتهية

مغامرات استكشافية خلال الرحلات- الصورة من المصدر


تقولُ إنك في رحلةٍ غير منتهيةٍ، إلى أين ستحملكَ أحلامكُ بعد؟

لا أعرف. هناك كثيرٌ من الدولِ التي أريدُ زيارتها، والأشياءِ التي أرغبُ أن أقومَ بها، كأنَّها فكرةٌ عامَّةٌ من دون تخطيطٍ. لا أضع لنفسي أهدافاً، تحدُّ من آفاقِ عملي؛ لأنني أعُدُّ أن عدمَ التخطيط، هو الذي يمنح رحلاتي هذا الهامشَ الواسع.

أيّة رحلةٍ من رحلاتكَ كانت الأصعبَ، وأيّة رحلةٍ وجدتها الأجمل؟

الرحلةُ الأصعب هي رحلةُ أثيوبيا. واجهتُ كثيراً من التحدِّيات خلال رحلاتي، لكنْ أن أجدَ نفسي في وسط حربٍ وخطرٍ مباشرٍ؛ فهذا أمرٌ صعبٌ جداً. شعرت هناك بالخوفِ على حياتي، ولم أستوعب الخطرَ الذي كنت فيه إلا بعد أن تخطَّيت الموقف، لكنْ إن شاء الله، سأذهب مجدداً إلى أثيوبيا لأكمل ما بدأته هناك.
أمَّا الرحلةُ الأجمل، وهي من الرحلاتِ التي أذكرها دائماً في أحاديثي، رحلةٌ لمدة شهرٍ إلى كينيا، أوغندا، ورواندا. على الرغمِ من أنها كانت حافلةً بالمصاعبِ والتحدِّيات حيث سُرِقَ جواز سفري، إلى جانبِ مشكلاتٍ أخرى، إلا أنني عندما أفكِّرُ فيها، أشعرُ بأنها كانت جميلةً جداً، ربما لأنها كانت خلال فترةِ الجامعة؛ حيث انفصلتُ عن الجوِّ الدراسي تماماً، وكانت أيضاً من دون تخطيطٍ.

عوائق وتحديات

توثيق اللحظات الجميلة- الصورة من المصدر


رحلاتكَ في معظمها غير مُخطَّطٍ لها، ما أبرزُ العوائقِ والتحدِّيات التي واجهتكَ فيها؟

بالنسبةِ للتحدِّيات، تختلفُ حسبَ كلِّ دولةٍ. مثلاً: أول رحلةٍ كانت لأمريكا الجنوبيَّة، وكان التحدِّي في جمعِ التأشيراتِ للدولِ التي سأذهبُ إليها. التحدِّيات ليست في الرحلةِ نفسها، لكنْ في إجراءاتِ ما قبل السفر.
أحدُ الأشياءِ التي أحبُّها في السفرِ، الشعورُ عند هبوطِ الطائرةِ في الدولةِ الجديدة. كنتُ من قبلُ، في مثلِ هذه اللحظات، أفكِّرُ بيني وبين نفسي: ما الذي أفعله؟ وأشعرُ بتوتُّرٍ وخوفٍ، لكنْ مع الخبرةِ فقدتُ هذا الشعور، وصرت أعرفُ أن كلَّ شيءٍ له حلٌّ، وأن الحياةَ لا تقفُ عند موقفٍ ما، أو شخصٍ معيَّنٍ، ولو فكَّرنا بأصعب موقفٍ في حياتنا، سنجد أنه مَرَّ فعلاً.
ما يُخيفني حقاً أن أدمنَ هذا الشعورَ بارتفاعِ الأدرينالين في الجسم؛ فوِفقَ دراساتٍ، يموت مدمنو الأدرينالين بأعمارٍ صغيرةٍ؛ لأنهم يبحثون دائماً عن مغامرةٍ أقوى من تلك التي سبقتها؛ مما يَزيدُ نسبةَ الخطر لديهم، وهذا ممكنٌ مع السفر.

نجدُ اليوم اعتمادَ الجميعِ على التصويرِ لحفظِ ونقلِ الذكريات، أنت لا تؤمنُ بهذا الفكرِ، لماذا؟

ليست الفكرةُ أنني لا أؤمن بذلك؛ بل العكس، هي أدواتٌ ممتازةٌ، لكنني أشعرُ بأنني لو أمسكتُ الجوال لأصوِّر اللحظة، سأنسى نفسي، وسيضيعُ تركيزي. أنا أحاولُ تعلُّم مهاراتِ الجوال، ولو كنت بين خيارَين، سأختارُ أن أستمتع باللحظةِ، مع العلم أنه من الجميلِ توثيقُ اللحظاتِ من خلال الصور.

من السعوديَّة إلى العالم

سيف القرعاوي - الصورة من المصدر


ما الصورةُ التي تحملها معك عن المملكةِ العربيَّة السعوديَّة إلى العالم؟

أطمحُ إلى أن أصبح ممثِّلاً رسمياً للسعوديَّة. الناس نوعان: الأوَّلُ يسمعون الأمورَ السلبيَّة عن السعوديَّة من الإعلامِ، والثاني أشخاصٌ، ليس لديهم أيّة معلوماتٍ عن بلدنا. خلال سفري، أحاولُ أن أنقلَ لهم الصورةَ الحقيقيَّة عن حياتنا ومجتمعنا، وهذه من آثارِ السفرِ الإيجابيَّة. كنت أتكلَّم لهم عن أشياءَ عن السعوديَّة بوصفها مُسلَّماتٍ؛ أيْ حياتنا الواقعيَّة، وكانوا ينبهرون بها؛ لأنها ليست موجودةً في حياتهم.
عندما تنتهي من أيّة رحلةٍ، وتسمع على متنِ طائرةِ العودةِ عبارةَ: أهلاً بكم في المملكةِ العربيَّة السعوديَّة، بماذا تشعر؟
يتملَّكني شعورٌ بنشوةٍ ولهفةٍ غريبةٍ، وكأنني لم أرَ أهلي منذ أعوامٍ. أكون متحمِّساً للعودةِ للأساس، لدولتي وديرتي. أنا أحبُّ السفرَ كثيراً، ولو قسَّمنا العامَ إلى شهورٍ، سنجد أنني أسافرُ نحو ثمانيةِ أشهرٍ، وأبقى أربعةً في السعوديَّة.

اليوم حوارنا هذا يُنشر بالتزامن مع مناسبة اليوم الوطني السعودي، هل لديك كلمة في هذا السياق؟

أحبُّ أن أمثِّل السعوديَّة في كلِّ مكانٍ، وأن أشاركَ بالشيءِ الذي أقدرُ عليه. هذه فرصةٌ جميلةٌ؛ خاصَّةً أنني في شركتي "سعودي نوماد"، أسلِّطُ الضوء على دورِ الشبابِ، وثقافةِ المشاركة. عندما كنت أسافرُ، كانت تتمُّ استضافتي مع شبابٍ آخرين من جنسياتٍ مختلفةٍ، ألمانٍ، وفرنسيين وغيرهم، لكنني لم ألتقِ يوماً شاباً سعودياً. كان هذا الأمرُ يضايقني؛ لذا قرَّرتُ نشر هذه الثقافة، وأؤمنُ أن كثيراً من الناسِ يحبُّون طريقةَ السفر هذه؛ فهي تُغني الشخصَ ثقافياً، كما أنها جزءٌ من القوَّةِ الناعمةِ للسعوديَّة. العددُ لايزالُ قليلاً اليوم، لكن لو قارنّا بين 2024 و2017، سنجد أننا حينها كنا نُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة. والحمد لله، العددُ ازداد الآن كثيراً، والناسُ باتت تهتمُّ أكثر بالسفر. ومن جهتي، في أيّ مكانٍ، يتاح لي الحديثُ عن هذا النوعِ من الرحلات، أغتنمُ الفرصةَ، وهذا ما جمعني اليوم بمجلَّة «سيدتي».
اقرأوا أيضاً: الرحالتان السعوديتان نجود المحفوظ ووصايف الحناكي شغف بالسفر والاستكشاف